تفسير اية 33 من سورة البقرة

الوسوم

, , , , , , , , , , , ,

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33))

قال أبو جعفر: إن الله جل ثناؤه عَرّف ملائكته – الذين سألوه أن يجعلهم الخلفاء في الأرض، ووصَفوا أنفسهم بطاعته والخضوع لأمره، دونَ غيرهم الذين يُفسدون فيها ويسفكون الدماء –
أنهم، من الجهل بمواقع تدبيره ومحلّ قَضَائه، قَبل إطلاعه إياهم عليه، على نحو جهلهم بأسماء الذين عَرَضهم عليهم، إذ كان ذلك مما لم يعلمهم فيعلموه، وأنهم وغيرهم من العباد لا يعلمون من العلم إلا ما علَّمهم إياه ربهم،
وأنّه يخص بما شاء من العلم من شاء من الخلق، ويمنعه منهم من شاء، كما علم آدم أسماء ما عرض على الملائكة، ومنعهم علمها إلا بعد تعليمه إياهم.
فأما تأويل قوله:”قال يا آدم أنبئهم”، يقول: أخبر الملائكةَ، والهاء والميم في قوله:”أنبئهم” عائدتان على الملائكة.
وقوله:”بأسمائهم” يعني بأسماء الذين عَرَضهم على الملائكة، والهاء والميم اللتان في”أسمائهم” كناية عن ذكر “هؤلاء” التي في قوله:”أنبئوني بأسماء هؤلاء”.أ،هـ

وروى ابن ابي حاتم بسنده عَنْ مُجَاهِدٍ: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ أَنْبَأَ آدَمُ الْمَلائِكَةَ بِأَسْمَائِهِمْ، أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الأَسْمَاءِ. (١)

قال ابن الجوزي : قوله تعالى: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، وفي الهاء والميم من «أسمائهم» قولان:
أحدهما: أنها تعود على المخلوقات التي عرضها، قاله الأكثرون. والثاني: أنها تعود على الملائكة، قاله الربيع بن أنس.أ،هـ

قال ابو كندا وقد بينت من قبل ان المقصود بهم الملائكة المخاطبون بقوله {اني جاعل في الارض خليفة } فلماذا لا يكون المقصود بقوله ” بأسمائهم” هم نفسهم لأن الضمير عائد اليهم وهو ظاهر الكلام .
الجواب لأن الله قال { أَنْبِئْهُمْ } وهذه الكلمة تدل على الإخبار عن شي خفي واسمائهم انفسهم ليست خفية عليهم ولكن اسماء باقي الملائكة واعمالهم تخفى عليهم .
قال مكي : والهاء في ” أنبِئهم ” وفي ” بأسمائهم “، وفي ” أنبأهم ” وفي ” بأسمائهم ” كلها تعود على الملائكة على قول من قال: إن الله تعالى علمه أسماء الملائكة، ويعود على الأشخاص على القول الآخر.أ،هـ

قال ابو السعود : وإظهارُ الأسماءِ في موقع الإضمارِ لإظهار كمالِ العنايةِ بشأنها والإيذانِ بأنه عليه السلام أنبأهم بها على وجه التفصيلِ دون الإجمالِ والمعنى فأنبأهم بأسمائهم مفصّلةً وبيّن لهم أحوالَ كلَ منهم وخواصَّه وأحكامَه المتعلقة بالمعاش والمعاد فعلِموا ذلك لمّا رأَوْا أنه عليه السلام لم يتلعثم في شئ من التفاصيل التي ذكرها مع مساعدة ما بين الأسماءِ والمسميات من المناسبات والمشاكلات وغيرِ ذلك من القرائن الموجبةِ لصدق مقالاتِه عليه السلام. أ،هـ

قال ابن حيان : فَالْمَلَائِكَةُ أَمَّا أَنْ عَلِمُوا وَضْعَ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ للمسميات فلا مزية أو لا، فَكَيْفَ عَلِمُوا إِصَابَتَهُ فِي ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لُغَةً، ثُمَّ حَضَرَ جَمِيعُهُمْ فَعَرَفَ كُلُّ صِنْفٍ إِصَابَتَهُ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ بِأُسَرِهِمْ عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا بِأَسْرِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُمُ الدَّلِيلَ عَلَى صِدْقِهِ، وَلِمَ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَرَامَاتِ أَوْ مِنْ بَابِ الْإِرْهَاصِ. أ،هـ

قال ابن عاشور : وَابْتِدَاءُ خِطَابِ آدَمَ بِنِدَائِهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ بَعِيدٍ عَنْ سَمَاعِ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ آدَمَ وَإِظْهَارِ اسْمِهِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى حَتَّى ينَال بذلك حُسْنَ السُّمْعَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكْرِيمِ عِنْدَ الْآمِرِ لِأَنَّ شَأْنَ الْآمِرِ وَالْمُخَاطِبِ- بِالْكَسْرِ- إِذَا تَلَطَّفَ مَعَ الْمُخَاطَبِ- بِالْفَتْحِ- أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ حَتَّى لَا يُسَاوِيَ بِخِطَابِهِ كُلَّ خِطَابٍ، وَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ سُجُودِ النَّبِيءِ وَحَمْدِهِ اللَّهَ بِمَحَامِدَ يُلْهِمُهُ إِيَّاهَا
فَيَقُولُ: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»
وَهَذِهِ نُكْتَةُ ذِكْرِ الِاسْمِ حَتَّى فِي أَثْنَاءِ الْمُخَاطَبَةِ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ.

قال الواحدي : قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}. قال المفسرون: لما ظهر عجز الملائكة، قال الله عز وجل: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} فسمى كل شيء باسمه، وألحق كل شيء بجنسه {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} أي: أخبرهم بتسمياتهم قال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} .
وفي الآية اختصار، معناه: فلما أنبأهم بأسمائهم، تحقق عندهم أن الله يعلم من العواقب ما لا يعلمون، فلما علموا ذلك، قال الله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} و (لم) حرف نفي وصل بألف الاستفهام، فصار بمعنى الإيجاب والتقرير ، كقول جرير:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا
وفيه أيضًا معنى التوبيخ لهم على ما سلف من خطاهم .أ،هـ

قال ابن عاشور : وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ آدَمَ بِالْأَسْمَاءِ وَعَجْزَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَهْلِيَّةِ النَّوْعِ الْبَشَرِيَ لِخِلَافَتِهِ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ .أ،هـ
—————
١) قال ابو كندا الرواية صحيحة .

البقرة 31-32 / 5

الوسوم

, , , , , , , , , , , ,

القول في تأويل قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

ذكر ابن ابي حاتم في تفسيره
عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: قَوْلُهُ: الْحَكِيمُ قال: حكيم في أمره.(4)

قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: أنك أنت يَا ربنا العليمُ من غير تعليم بجميع ما قد كان وما وهو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقك.
وذلك أنّهم نَفَوْا عن أنفسهم بقولهم:”لا علمٌ لنا إلا ما علَّمتنا”، أن يكون لهم علم إلا ما علمهم ربهم، وأثبتوا ما نَفَوْا عن أنفسهم من ذلك لربهم بقولهم:”إنك أنتَ العليم”
يعنون بذلك العالم من غير تعليم، إذ كان مَنْ سوَاك لا يعلم شيئًا إلا بتعليم غيره إياه.
والحكيم: هو ذو الحكمة.أ،هـ
وقال السمرقندي : الحكيم في أمرك، إذا حكمت أن تجعل في الأرض خليفة غيرنا.أ،هـ
قال الثعلبي : وأصل الحكمة في كلام العرب: المنع. يقال: أحكمت اليتيم عن الفساد وحكمته، أي منعته.
قال جرير:
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم … إني أخاف عليكم أن أغضبا
ويقال للحديدة المعترضة في فم الدابة: حكمة لأنها تمنع الدابة من الاعوجاج، والحكمة تمنع من الباطل، ومالا يجمل فلا يحلّ في المحكم من الأمر بمنعه من الخلل .أ،هـ

وقال الأصمعي: أصل الحكومة: رَدُّ الرجل عن الظلم، ومنه سُمِّيت حَكَمَةُ اللجام، لأنها تَرَدُّ الدابة. أ،هـ
وقال الأزهري: والعرب تقول: حَكَمْتُ وأَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى: رَدَدْتُ ومَنَعْتُ، ومن هذا قيل للحاكم: حاكم، لأنه يمنع الظالم من الظلم.
وقال جرير:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ
يقول: امنعوهم من التعرض .
وروي عن النخعي أنه قال: حَكِّم اليَتِيم كما تُحَكَم ولدك.
قال أبو عبيد: يقول: امنعه من الفساد، قال: وكل من منعته من شيء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه، وأنشد بيت جرير.
قال الواحدي : والحِكْمَة: هي العلم الذي يمنع صاحبه من الجهل، والحاكم الذي يمنع من الجور، وكل عمل مُحَكَم فقد منع من الفساد .أ،هـ
وقال ايضا: في قول الله عز وجل { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }
والحكم عند العرب: ما يمنع من الجهل والخطأ ويصرف عنهما .أ،هـ
قال الراغب : والحكيم أصله لمن له الفعل المحكم، لكن لما يصح حصول الفعل المحكم إلا بالعلم المتقن صارت الحكمة متناولة للعلم والعمل معاً.
قال الحلبي : والحُكْم لغةً: الإِتقانُ والمَنْع من الخروجِ عن الإِرادة، ومنه حَكَمَةُ الدابَّة
قال ابو كندا : وبعد ماذكرنا يتبين لنا ان الحكمة هي وضع الشي موضعه للمنع، – سواء كان ذلك المنع هو منع الفساد او منع الشر او منع للاصلاح او منع الخروج عن الارادة.
والحكمة فعل متعدي للغير ، فلا ينطبق الا على الغير ، اما منع النفس فيسمى العقل.
وكلاهما لا يكتسبان الا بالعلم.

#

4] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبولة

البقرة 31-32/ 4

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته، بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبرِّيهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره.أ،هـ
ذكر ابن ابي حاتم في تفسيره : عن النَّضْر بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عَنْ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقَالَ: اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاشَى بِهِ مِنَ السُّوءِ. (1)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ اسْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ يَنْتَحِلُوهُ. (2)
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أنت العليم الحكيم أَيْ إِنَّمَا أَجَبْنَاكَ فِيمَا عَلَّمْتَنَا، فَأَمَّا مَا لَمْ تُعَلِّمْنَا فَإِنَّكَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا.(3)

قال الطبري : وسُبحان مصدر لا تصرُّف له .
ومعناه: نسبِّحك، كأنهم قالوا: نسبحك تسبيحًا، وننزهك تنزيهًا، ونبرّئك من أن نعلم شيئًا غير ما علمتنا.
قال السمرقندي وقال بعض أهل اللغة:
اشتقاقه من السباحة، لأن الذي يسبح يباعد ما بين طرفيه، فيكون فيه معنى التبعيد.
قال ابو كندا : ومعنى التسبيح التعظيم بالتبرأءة من العيب اوالنقص اوالخطأ على حسب حال الجملة وما اتصل بالكلمة ، فإذا قلت سبحان الله – كأنك تقول أُعظم الله وأبرأه من ان يأتيه النقص او العيب او الخطأ-
قال الله عز وجل { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)}
وقال عز وجل { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) }
وقال سبحانه وتعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68) }
وكل هذه الايات تثبت هذا المعنى

واما اذا قلت سبحانك فيختلف المعنى قليلا ، فمعناها ابرأ الى الله من الخطأ او العيب او النقص تعظيما له او مستعظما هذا الامر
او ابرأ امام الله عز وجل من هذا الفعل – خطأ او نقص او عيبا – مستعظما له
قال الله عز وجل { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ }

وقال عز وجل { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) }

وقال سبحانه وتعالى { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) }

وقال تعالى { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) }

وقال الحكيم العليم { قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا(18) }

وكل هذه الايات تثبت ان معنى سبحانك ما قلناه من قبل .
لذلك اقول ان قول الطبري ( ونبرّئك من أن نعلم شيئًا غير ما علمتنا ) لا يعجبني .
والذي يعجبني هو : ونبرأ اليك من ان نزكي انفسنا فندعي علم شيئ غير ما علمتنا .
فقول (سبحانك ) فيه اشارة بأنهم عرفوا خطأهم واعترفوا به .

قال ابو كندا : وينبغي ان يتنبه المصلين اذا دعا الامام في القنوت فأثنى على الله وحمده ، لا يقولوا سبحان الله، لأنهم اذا قالوا سبحان الله فهم ينزهون الله من الثناء والحمد وهذا لا ينبغي ، اما اذا ارادوا ان يقول شيئا بعد الثناء عليه فاليقولوا سبحانك.
فسبحانك معناه اتبرأ من العيوب والذنوب لعظمتك.

وقد قال لي شيخي عندما كنا نقرأ تفسير الطبري ، ان الشيخ صالح الفوزان نبه على عدم قول سبحان الله بعد الثناء على الله.

قال الواحدي :
قال المفسرون وأهل المعاني: هذا اعتراف من الملائكة بالعجز عن علم ما لم يعلموه فكأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا، وليس هذا مما علمتنا [في الكلام مختصرًا] .
ولو قالوا: (لا علم لنا بهذا) كان جواباً، ولكن لا يكون متضمناً تعظيم الله والاعتراف بأن جميع علمهم من عنده.

وقال الراغب :
قيل: القصد بذلك إظهار أن ليس سؤالهم على وجه الاعتراض، بل على سبيل الاستفادة وإظهار العجز، وأنه قد بدا لهم ما كان خفي عليهم من فضيلة الإنسان وإظهار الشكر لنعمته وتعظيم منته بما عرفهم
————-

1] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبولة .
2] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا مقبولة.
3] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية اقبلها .

دراسة روايات ابن ابي حاتم ٣٥ البقرة

قَوْلُهُ: وَقُلْنَا يَا آدَمُ

٣٧٠ – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ.

< قال ابو كندا الرواية صحيحة >

وهذا كتاب Jj-٦-

قَوْلُهُ: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ

٣٧١ – حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ الْعَسْقَلانِيُّ ثنا آدَمُ ابن أَبِي إِيَاسٍ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَهُ فِي جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ.

<قال ابو كندا لا اقبله ففيه ابو جعفر ضعفه ابن حبان>

وهذا كتاب Ll

٣٧٢ – حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ، فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ: تَسْكُنُ إِلَيَّ قَالَتُ لَهُ الْمَلائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ؟ قَالَ: حَوَّاءُ. قَالُوا: وَلِمَ حَوَّاءُ؟ قَالَ: إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.

<قال ابو كندا الرواية مقبولة >

وهذا كتاب Aa

قَوْلُهُ: وَكُلا منها رغدا حيث شئتما

[الوجه الأول]

٣٧٣ – حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثنا مِنْجَابٌ أَنْبَأَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلُهُ: وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا قَالَ: الرَّغَدُ سَعَةُ الْمَعِيشَةِ.

<قال ابو كندا لا اقبل هذه الرواية لأن فيها مجروح بشر بن عمارة >

هذا كتاب Aa-2

الْوَجْهُ الثَّانِي:

٣٧٤ – حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ثنا شَبَابَةُ ثنا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «١» قَوْلُهُ: رَغَدًا قَالَ: لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ.

<قال ابو كندا الرواية مقبولة >

هذا كتاب Cc-2-

الْوَجْهُ الثَّالِثُ:

٣٧٥ – حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ السُّدِّيِّ: وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَالرَّغَدُ الْهَنِيءُ.

< قال ابو كندا الرواية اقبلها >

وهذا كتاب Aa-1-

قَوْلُهُ: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين

[الوجه الأول]

٣٧٦ – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشَّجَرَةُ الَّتِي نُهِيَ آدَمُ عَنْهَا الْكَرْمُ. وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَجَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ.

>قال ابوكندا لا اقبله في التفسير لوجود مجهول والسدي ليس بثقة في المجاهيل >

وهذا كتاب Jj

الْوَجْهُ الثَّانِي:

٣٧٧ – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الأَحْمَسُ ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ حدثنا النظر أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشَّجَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ السُّنْبُلَةُ. وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى.

قال ابو كند الرواية لا اقبلها ففيها النضر بن عبد الرحمن وهو منكر الحديث

وهذا كتاب Ss

٣٧٨ – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ الْبُرُّ وَلَكِنَّ الْحَبَّةَ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ كَكُلَى الْبَقَرِ، أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ.

< قال ابو كندا لا اقبل الرواية لأن فيها مبهم >

وهذا كتاب Ll-2-

الْوَجْهُ الثَّالِثُ:

٣٧٩ – حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أنبأ أبو زايدة قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ قَالَ: تِينَةٌ. وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ.

< قال ابو كندا لا اقبل الرواية ففيها مجهول >

وهذا كتاب Aa-4-

الْوَجْهُ الرَّابِعُ:

٣٨٠ – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ثنا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ قَالَ: النخلة.

< قال ابو كندا الرواية صحيحة >

وهذا كتاب Jj-7-

٣٨١ – حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ ثنا آدَمُ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَتِ الشَّجَرَةُ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا أَحْدَثَ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ حَدَثٌ.

<قال ابو كندا لا اقبله ففيه ابو جعفر ضعفه ابن حبان>

وهذا كتاب Ll

٣٨٢ – حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُهْرَبٍ قَالَ سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: لَمَّا أَسْكَنَ اللَّهُ آدَمَ وَزَوْجَهَ الْجَنَّةَ نَهَاهُ عَنِ الشَّجَرَةِ، وَكَانَتْ شَجَرَةً غُصُونُهَا مُتَشَعِّبٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَكَانَ لَهَا ثَمَرٌ يَأْكُلُهُ الْمَلائِكَةُ لِخُلْدِهِمْ، وَهِيَ الثَّمَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ.

< قال ابو كندا الرواية مقبولة >

وهذا كتاب Kk-1-

اسانيد سورة البقرة ٣٥ الطبري

٧٠٨ – حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس – وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ: أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليُغويَنَّ آدم وذريته وزوجَه، إلا عباده المخلصين منهم، بعد أن لعنه الله، وبعد أن أخرِج من الجنة، وقبل أن يهبط إلى الأرض. وعلَّم الله آدم الأسماء كلها .

<قال ابو كندا هذه الرواية لا تقبل لان موسى بن هارون مجهول ، ومجهول الطبري لا اقبله >

< وهذا الكتاب -أ- لا يقبل>

٧٠٩ – وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته، وأبى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة، ثم أخرجه من الجنة، أقبل على آدمَ وقد علّمه الأسماء كلها، فقال:«يا آدم أنبئهم بأسمائهم» إلى قوله«إنك أنت العليم الحكيم» .

<قال ابو كندا الرواية ضعيفة لضعف حميد فقد قيل عنه كذاب >

<قال ابو كندا هذا الكتاب D . لا اقبل رواياته>

٧١٠ – حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس – وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ: فأخرِج إبليسُ من الجنة حين لعن، وأسكِن آدم الجنة. فكان يمشي فيها وحْشًا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدةٌ خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ. قالت له الملائكة – ينظرون ما بلغ علمه-: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: ولم سُميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حيّ. فقال الله له:«يا آدمُ اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما» (٣).

<قال ابو كندا هذه الرواية لا تقبل لان موسى بن هارون مجهول ، ومجهول الطبري لا اقبله >

< وهذا الكتاب -أ- لا يقبل>

٧١١ – حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله من مُعاتبة إبليس، أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلها فقال:«يا آدم أنبئهم بأسمائهم» إلى قوله:«إنك أنت العليم الحكيم». قال: ثم ألقى السِّنةَ على آدم – فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة، وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن عباس وغيره – ثم أخذ ضِلَعًا من أضلاعه من شِقِّه الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وآدم نائم لم يهبَّ من نومته، حتى خلق الله من ضِلَعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأةً ليسكن إليها. فلما كُشِف عنه السِّنة وهبّ من نومته، رآها إلى جنبه، فقال – فيما يزعمون والله أعلم-: لحمي ودمِي وزوجتي، فسكن إليها. فلما زوّجه الله تبارك وتعالى، وجعل له سكنًا من نفسه، قال له، قبيلا «يا آدم اسكنْ أنتَ وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرةَ فتكونا من الظالمين»

<قال ابو كندا الرواية ضعيفة لضعف حميد فقد قيل عنه كذاب >

<قال ابو كندا هذا الكتاب D . لا اقبل رواياته>

٧١٢ – وكما حدثني به موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس – وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ،«وكلا منها رَغدا»، قال: الرغد، الهنيء. (٢)

<قال ابو كندا هذه الرواية لا تقبل لان موسى بن هارون مجهول ، ومجهول الطبري لا اقبله >

< وهذا الكتاب -أ- لا يقبل>

٧١٣ – وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قوله:«رغدًا»، قال: لا حسابَ عليهم.

<قال ابو كندا : رواية محمد بن عمرو صحيحة >

وهذا كتاب w

٧١٤ – وحدثنا المثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد مثله.

<قال ابو كندا الرواية مقبولة >

لكني استغربت ان شبل بن عباد من الخامسة قد اخذ من ابن ابي نجيح وهو من السادسة وتأكدت من تهذيب الكمال فوثق ذلك

وهذا كتاب x

٧١٥ – وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد:«وكلا منها رغدًا»، أي لا حسابَ عليهم. (٣)

<قال ابو كندا الرواية ضعيفة لضعف حميد فقد قيل عنه كذاب ومحمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى >

< الكتاب لا يقبل D-2 >

٧١٦ – وحُدِّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:«وكلا منها رغدًا حيث شئتما»، قال: الرغد: سَعة المعيشة. (١)

فمعنى الآية وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا من الجنة رزقًا واسعًا هنيئًا من العيش حيث شئتما.

< قال ابو كندا هذه الرواية لا اقبلها ففيها مبهم وبشر بن عمارة ضعيف>

< وهذا الكتاب الذي يصدر بحدثت وهذه رواية لا اقبلها C-1- >

٧١٧ – كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:«يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما»، ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدمَ، كما ابتُلي الخلقُ قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رَغدا حيث شاء، غيرَ شجرة واحدة نُهي عنها، وقُدِّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نُهي عنه. (٢)

<الاسناد مقبول مقارب للصحيح>

وهو كتاب J

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾

قال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب: كلّ ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه: (والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [سورة الرحمن ٦]، يعني بالنجم ما نَجمَ من الأرض من نَبت، وبالشجر ما استقلّ على ساق.

ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم: هي السُّنبلة.

* ذكر من قال ذلك:

٧١٨ – حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا عبد الحميد الحِمّاني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، هي السنبلة. (١)

<قال ابو كند الرواية لا اقبلها ففيها النضر بن عبد الرحمن وهو منكر الحديث >

(وهذا كتاب Y)

٧١٩ – وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم – وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عُتيبة – جميعًا عن حُصين، عن أبي مالك، في قوله:»ولا تقرَبا هذه الشجرة«، قال: هي السنبلة.

<قال ابو كند السند الاول صحيح والسند الثاني لا اقبله >

وهذا كتاب هـ

٧٢٠ – وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي -وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري – قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن حصين، عن أبي مالك، مثله. (٢)

< قال ابو كندا الاسناد الاول صحيح والثاني مقبول >

وهذا كتاب و

٧٢١ – وحدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية في قوله:»ولا تقربا هذه الشجرة«، قال: السنبلة. (٣)

< قال ابو كندا اسناد ابو كريب صحيح واسناد وكيع لا اقبله >

وهذا كتاب ز

٧٢٢ – وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قال: الشجرة التي نُهي عنها آدم، هي السنبلة. (٤)

<الاسناد مقبول مقارب للصحيح>

وهو كتاب J

٧٢٣ – وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجَلْد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدمُ، والشجرة التي تاب عندها: فكتب إليه أبو الجلد:»سألتني عن الشجرة التي نُهي عنها آدم، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم، وهي الزيتونة. (١)

< قال ابو كندا لا اقبلها لان المثنى مجهول ، وفيه مبهم >

وهذا كتاب P-6

٧٢٤ – وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل من أهل العلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه كان يقول: الشجرة التي نُهي عنها آدمَ: البُرُّ (٢).

< قال ابو كندا الرواية لا اقبلها ففيها ابن حميد كذاب ومبهم >

وهذا كتاب D-6-

٧٢٥ – وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرَّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزَوجته، السُّنبلة. (٣)

< قال ابو كندا لا اقبل الرواية لا الحسن بن عمارة متروك الحديث >

هذا الكتاب P-7-

٧٢٦ – وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه اليماني، أنه كان يقول: هي البُرُّ، ولكن الحبة منها في الجنة ككُلى البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل. وأهل التوراة يقولون: هي البرّ. (٤)

< قال ابو كندا الرواية لا اقبلها ففيها ابن حميد كذاب ومبهم >

وهذا كتاب D-7

٧٢٧ – وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة: أنه حُدِّث أنها الشجرةُ التي تحتكُّ بها الملائكة للخُلد.

<قال ابو كندا الرواية ضعيفة لضعف حميد فقد قيل عنه كذاب >

<قال ابو كندا هذا الكتاب D . لا اقبل رواياته>

٧٢٨ – حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يَمانَ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن محارب بنِ دثار، قال: هي السنبلة.

<قال ابو كندا الرواية ليست مقبولة ففيها ابن وكيع لا اقبله >

وهذا كتاب F-4-

٧٢٩ – وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هي السنبلة التي جعلها الله رزقًا لولده في الدنيا (١)

<قال ابو كندا الرواية ليست مقبولة ففيها ابن وكيع لا اقبله >

وهذا كتاب F-5

قال أبو جعفر: وقال آخرون: هي الكرمة.

* ذكر من قال ذلك:

٧٣٠ – حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السُّدّيّ، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي الكرمة.

<قال ابو كندا الرواية ليست مقبولة ففيها ابن وكيع لا اقبله ولوجود مجهول والسدي ليس بثقة في المجاهيل >

وهذا كتاب F-6

٧٣١ – حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس – وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ:«ولا تقرَبا هذه الشجرة»، قال: هي الكرمة، وتزعم اليهود أنها الحنطة.

<قال ابو كندا هذه الرواية لا تقبل لان موسى بن هارون مجهول ، ومجهول الطبري لا اقبله >

< وهذا الكتاب -أ- لا يقبل>

٧٣٢ – وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ، قال: الشجرة هي الكَرْم.

< قال ابو كندا الرواية ليست مقبولة ففيها ابن وكيع لا اقبله >

وهذا كتاب F-7

٧٣٣ – وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة، قال: هو العِنَب في قوله:«ولا تقربا هذه الشجرة».

< قال ابو كندا الرواية مقبولة واقرب الى الصحة >

وهذا كتاب i-1

٧٣٤ – وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن خلاد الصفار، عن بَيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة:«ولا تقرَبا هذه الشجرة»، قال: الكرمُ.

< قال ابو كندا الرواية ليست مقبولة ففيها ابن وكيع لا اقبله >

وهذا كتاب F-7

٧٣٥ – وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة:«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم.

< قال ابو كندا الرواية صحيحة >

وهذا الكتاب S2

٧٣٦ – وحدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة، قال: الشجرة التي نُهي عنها آدم، شجرة الخمر.

< قال ابو كندا لا اقبل هذه الرواية فابن حميد كذاب وابن وكيع لا اقبله في التفسير >

وهذا كتاب ح

٧٣٧ – وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عباد بن العوام، قال: حدثنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مُسلم، عن سعيد بن جبير، قوله«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم.

< قال ابو كندا هذه الرواية مقبولة >

هذا كتاب M-4-

٧٣٨ – وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن السُّدّيّ، قال: العنب.

< قال ابو كندا الرواية صحيحة >

وهذا كتاب M-5-

٧٣٩ – وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: عِنَب (١).

< قال ابو كندا لا اقبل هذه الرواية ففيها ابو معشر وهو ضعيف >

وهذا كتاب B-3-

وقال آخرون: هي التِّينة.

* ذكر من قال ذلك:

٧٤٠ – حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: تينة. (٢)

<قال ابو كندا الرواية مقبولة>

< وهذا كتاب B >

قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجَه أكلا من الشجرة التي نهاهُما ربُّهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بيّن الله جل ثناؤه لهما عَين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها، وأشار لهما إليها بقوله:«ولا تقربا هذه الشجرة»، ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطَبين بالقرآن، دلالةً على أيّ أشجار الجنة كان نهيُه آدمَ أن يقربها، بنصٍّ عليها باسمها، ولا بدلالة عليها. ولو كان لله في العلم بأيّ ذلك من أيٍّ رضًا، لم يُخل عبادَه من نَصْب دلالة لهم عليها يَصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضًا.

فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدمَ وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يَضَع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنّى يأتي ذلك؟ (١) وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك عِلمٌ، إذا عُلم لم ينفع العالمَ به علمه (٢)، وإن جهله جاهل لم يضرَّه جهلُه به.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى ذكره ﴿ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ﴾

قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل قوله:«ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين».

فقال بعض نحويّي الكوفيين: تأويل ذلك: ولا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. فصار الثاني في موضع جواب الجزاء. وجوابُ الجزاء يعمل فيه أوّله، كقولك: إن تَقُم أقُم، فتجزم الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله«فتكونا»، لما وقعت الفاء في موضع شرط الأوّل نُصب بها، وصُيرت بمنزلة «كي» في نصبها الأفعال المستقبلة، للزومها الاستقبال. إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.

وقال بعض نحويّي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قُرْبُ هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أنّ «أن» غير جائز إظهارها مع«لا»، ولكنها مضمرة لا بد منها، ليصح الكلام بعطف اسم – وهي«أن» – على الاسم. كما غير جائز في قولهم:«عسى أن يفعل»، عسى الفعل. ولا في قولك:«ما كان ليفعل»: ما كان لأن يَفعل.

وهذا القولُ الثاني يُفسده إجماعُ جميعهم على تخطئة قول القائل:«سرني تقوم يا هذا»، وهو يريد سرني قيامُك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل:«لا تقم» إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم -على صحة قول القائل:«لا تقم»، وفساد قول القائل:«سرني تقوم» بمعنى سرني قيامك – الدليل الواضح على فسادِ دعوى المدعي أنّ مع«لا» التي في قوله:«ولا تقربا هذه الشجرة»، ضمير«أن» – وصحةِ القول الآخر.

وفي قوله«فتكونا من الظالمين»، وجهان من التأويل:

أحدهما أن يكون«فتكونا» في نية العطف على قوله«ولا تقربا»، فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين. فيكون«فتكونا» حينئذ في معنى الجزم مجزومًا بما جُزم به«ولا تقربا»، كما يقول القائل: لا تُكلم عمرا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:

فُقُلْتُ لَهُ: صَوِّبْ ولا تَجْهَدَنَّهُ … فَيُذْرِكَ مِن أُخْرى القَطاةِ فَتَزْلَقِ (١)

فجزم«فيذرِك» بما جزم به«لا تجهدنه»، كأنه كرّر النهي.

والثاني أن يكون«فتكونا من الظالمين»، بمعنى جواب النهي. فيكون تأويله حينئذ: لا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قَرَبتماها كنتما من الظالمين. كما تقول: لا تَشتمْ عمرًا فيشتُمك، مجازاةً. فيكون«فتكونا» حينئذ في موضع نَصب، إذْ كان حرفًا عطف على غير شكله، لمّا كان في«ولا تقربا» حرف عامل فيه، ولا يصلح إعادته في«فتكونا»، فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة.

وأما تأويل قوله:«فتكونا من الظالمين»، فإنه يعني به فتكونا من المتعدِّين إلى غير ما أذِن لهم وأبيح لهم فيه، وإنما عَنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة، كنتما على منهاج من تعدّى حُدودي، وعصى أمري، واستحلَّ محارمي، لأن الظالمين بعضُهم أولياء بعض، والله وليّ المتقين.

وأصل«الظلم» في كلام العرب، وضعُ الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:

إلا أُوارِيَّ لأيًا ما أُبَيِّنُها … والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بِالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ (١)

فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها. (٢) ومن ذلك قول ابن قَميئة في صفة غيث:

ظَلَمَ البِطاحَ بِها انْهِلالُ حَرِيصَةٍ … فَصَفا النِّطافُ لَهُ بُعَيْدَ المُقْلَعِ (١)

وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبِّه. ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وضْع النحر في غير موضعه.

وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى. وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه.

البقرة 31-32 /3

الوسوم

, , , , , , , , , ,

القول في تأويل {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}


قوله ( أنبؤني )
قال ابو كندا : كلمة ( نبأ) تدل على الخبر عن شي خفي – غيبي او سر متكتم عنه او غير ذلك من الامور الخفية- ،
فالنبي سمي نبي لأنه ينبأ عن الله وهو شيء خفي فإذا نبأنا عنه اصبح لنا خبر ظاهر ، قال الله تعالى { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3))
وقال الله عز وجل { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36))
وقال تعالى { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَـزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64))

واما الراغب فقد قال في تفسيره: الإنباء: إخبار فيه إعلام، وهو متضمن لهما ولذلك كل إنباء أخبار، وليس كل إخبار إنباء.
قال ابو كندا كل الاخبار اعلام ، وليس هناك خبر ليس اعلام
وقال شيخي الذي اقرأ عليه تفسير الطبري ، ان المالكية اجمعوا على ان النبأ هو الخبر المهم ، وقد طلبت منه المصدر وواعدني به .

قال ابو كندا: فالفرق بين ( الخبر ، والنبأ ، والأذن ) كلها تدل على الاعلام،
اما الخبر فعن شيء ظاهر.
واما النبأ عن شيء خفي .
والاذن لا يكون الا من صاحب الحق بالقبول.
وقد كنت فسرت معنى الاذن بالاعلام يقتضي الوجوب وقد أخطأت في ذلك .
والدليل على ان انبئ تختلف عن اخبر قول الله عز وجل { {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ}
فإذا قال لي قائل : إذن، فالشيء الذي يخفى على الملائكة هي ذرية ادم .
قلت معك حق ان اسماء ذرية ادم مخفية عن الملائكة ، ولكن لو تأملت الاية لا تجد فيها ذكر لذرية ادم ، فالموقف لم تحضره ذرية ادم.
أما الملائكة فهم كثر لا يحصيهم الا الله، فلا يعلم بعضهم اسماء بعض واعمال بعض لذلك يخفى عليهم الكثير من الملائكة ،

فأنت الان لو أُتي لك برجل من القطب الشمالي لا تعرفه وقيل لك انبئنا باسمه لن تسطيع ان تنبئنا باسمه مع انه من بني ادم.

وسؤال الله عز وجل للملائكة عن اسماء الملائكة هو ابلغ في المثال ، فكما انكم لا تعلمون ابناء جلدتكم وجنسكم وهو حاصل لكم فعلمكم ناقص ،
اما آدم فهو يعلم اسمائكم كلكم ومن باب اولى يعلم اسماء ذريته بل هو يعلم اسماء كل شيء بتعليمي اياه، فهو اصلح ان يكون خليفة في الارض .
ولو كان السؤال عن ذرية ادم فقط، لكان للملائكة مخرجا وعذرا ، فهم لم يدعوا علم الغيب .


القول في تأويل قوله جل ذكره: { فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ }

قال أبو جعفر:
عن مجاهد في قول الله: ” بأسماء هؤلاء ” ، قال: بأسماء هذه التي حدَّثتُ بها آدمَ.[١]
وعن مجاهد: ” أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ” يقول: بأسماء هؤلاء التي حَدّثت بها آدم. [٢]
وقال ابن ابي حاتم :
عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَُ: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا آدَمَ.[٣]

قال ابو كندا : وكلمة { هؤُلاءِ } تدل على ضعف قول مجاهد ، فـ( هؤلاء ) تدل على اشخاص عقلاء .

قال ابن عطية :
قوله تعالى: { هؤُلاءِ } ظاهره حضور أشخاص، وذلك عند العرض على الملائكة.
قال ابو كندا اي عرض المسميات ، فهذه ايضا قرينة على ان الأشخاص هم الملائكة فقط ، لأن الله عز وجل لم يذكر لنا في القصة من اشخاص الا ادم والملائكة الذي منهم ابليس، ولم يذكر غيرهم .
وهذا كله يرجح القول الذي يعجبني ، وهو ان الاسماء التي سأل عنها الملائكة هي اسماء الملائكة الاخرين ،
وكأن الله عز وجل يقول لهم اذا انتم لم تعلموا ظاهرهم فكيف تعلمون باطنهم.

واما من يقول ان الذين عرضوا هم ذرية بني ادم ، فلا يعجبني هذا القول ، لأن الملائكة لم يدعوا علم كل شي ، وانما اقروا بعلم احوال كل الملائكة فقالوا { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
فكان الرد اخبروني باسماء هؤلاء الملائكة الذين حكيتم عنهم بعلمكم عن ظاهرهم وباطنهم .
من باب { فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ }


القول في تأويل قوله جل ذكره {إِن كُنْتُمْ صادقين}.
قال ابن جرير
عن الحسن قال “أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين” أني لم أخلق خلقًا إلا كنتم أعلمَ منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . [٤]
قال ابن ابي حاتم
عن مُجَاهِدٍ فَقَالَُ: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا آدَمَ. [٥]

قال ابن جرير
ومعنى ذلك: فقال أنبئوني بأسماء من عرضتُه عليكم أيتها الملائكة –
القائلون: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غيرنا، أم منا؟
فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عَصَاني ذريته وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء،
وإن جعلتكم فيها أطعتموني، واتّبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس.
فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتُهم عليكم من خلقي، وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعَلِمه غيركم بتعليمي إيّاه؛ فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بَعدُ، أحرى أن تكونوا غير عالمين،
فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي.
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته – الذين قالوا له:”أتجعل فيها من يفسد فيها”، من جهة عتابه جل ذكره إياهم – نظيرُ قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه إذ قال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) [سورة هود: ٤٥]-: لا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين .
فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خُلفاءه في الأرض ليسبّحوه ويقدسوه فيها، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعلُه في الأرض خليفةً، يفسدون فيها ويسفكون الدماء، فقال لهم جل ذكره:”إني أعلم ما لا تعلمون”.
ثم عرّفهم موضع هَفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانًا، – فكيف بما لم يروه ولم يُخبَروا عنه؟ – بعرَضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ،
وقيله لهم:”أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين” أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبّحتموني وقدستموني، وإن استخلفت فيها غيرَكم عَصَاني ذُريته وأفسدوا وسفكوا الدماء.
فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم، وبدت لهم هَفوة زَلتهم، أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا:”سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا”، فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح – حين عوتب في مَسئلته فقيل له: لا تسأَلْنِ ما ليس لك به علم -: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة هود: ٤٧] . وكذلك فعلُ كل مسدَّد للحق موفَّق له – سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوْبته.أ،هـ

قال الثعلبي : فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنّ الخليفة الذي أجعله في الأرض يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. أراد الله تعالى بذلك: كيف تدّعون علم ما لم يكن بعد، وأنتم لا تعلمون ما ترون وتعاينون.

وقال مكي : قوله: {إِن كُنْتُمْ صادقين}.
جوابه عند (المبرد) محذوف، معناه: إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فأنبئوني.

قال ابو كندا اعلم ان هؤلاء المفسرين اعلم مني وما انا الا قزم في طول علمهم، وهم بلا شك اقرب للغة العرب مننا جميعا .
وبما انني باحث فيتحتم علي ان اقول ماتوصلت اليه فإن كان صوابا فمن الله ، وان كان خطأ فقولوا مجنون وزدجر.
وما توصلت اليه هو:
ان كلمة صدق تعني عند العرب قول وافق الحقيقة .
فيكون المعنى : ان كان قولكم يوافق الحقيقة.
والحقيقة لا تكون حقيقة الا اذا وقعت .
ولو تأملت القران لوجدت ان كلمة صدق لا تأتي الا في شيء تم وقوعه او طلب ان يتم وقوعه حتى يتبين صدقهم .
واليك بعض هذه الايات
قال الله عز وجل { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(17) }
قال عز وجل { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) }
وقال الله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَـزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) }
وقال تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَـزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) }

فإذا قال الله عز وجل { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فهذا يعني ان الله عز وجل يطلب منهم اثبات صدقهم وهو وقوع الحقيقة .
فالعرب لا تقول عن العلم بالغيبيات صدقا ، الا اذا وقعت، او اخبر الله عز وجل به نبيه.
أما اذا لم يخبر بها الله عز وجل فهي علم لا تكون صدقا حتى تقع.
لذلك لما اخبرنا عبد الله بن مسعود عن امر غيبي ذكره الرسول ﷺ لنا وهو حديث يجمع احدكم خلقة في بطن امه … ” ولأن هذا الامر الغيبي لن نرى وقوعة مشاهدة او حسا مع انه يقع – مثل الملك الذي يكتب عمله ورزقه – ، علق ابن مسعود بقوله : وهو الصادق المصدوق ،
كما ذكر البخاري في صحيحه عن عبد الله : حدثنا رسول اللهﷺوهو الصادق المصدوق، قال : ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له : اكتب عمله ورزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة “.

إذن، ماهو الامر الذي اراده الله عز وجل منهم تحقيقه في ذاك الموقف؟ حتى يتبين صدقهم.
بلا شك ان تحقيق وقوع الفساد في الارض وسفك الدماء لن يتم في ذاك الوقت ابدا ، لأن الله عز وجل اخبرهم بانه سيتم من ذرية ادم في الارض وليس في السماء ، وايضا هذا الخبر اخبرهم به الله عز وجل وهو حقيقة .
لذلك لو قلنا ان الملائكة قاسوا الفساد وسفك الدماء على فعل الجن لتحولت المسئلة الى اثبات العلم وليس اثبات الصدق .
والملائكة مقرون بعلم الله عز وجل.

فلم يبقى لنا الا قولهم { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
وبما ان الله عز وجل اخبرنا بأن الملائكة يسبحون بحمده في سورة الشورى { وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ }
اذن ، لم يبقى الا التقديس له ، والتقديس كما ذكرنا من قبل هي الطهارة من الظاهر والباطن .
وقد علما الله عز وجل ان ابليس لم يقدس له في الباطن، – وابليس جعله الله عز وجل من الملائكة –
قال ابن عطية وقال آخرون: صادِقِينَ في أني إن استخلفتكم سبحتم بحمدي وقدستم لي.
قال ابوكندا وانا مع هؤلاء الاخرين فمعنى الاية اذا كنتم لا تعلمون الظاهر وهو اسماء الملائكة فكيف تعلمون باطن كل هؤلاء الملائكة وحكمتم لهم بالتقديس لله.
لذلك تدارك الملائكة هذا فقالوا { سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ }

ولو كان السؤال عن ذرية ادم لم يقولوا سبحانك لأنه علم جديد معذورون بجهله ولم يََّدعوا علم به.


[١] قال ابو كندا الرواية الاولى صحيحة والثانية مقبولة
[٢] قال ابو كندا الرواية مقبولة
[٣] قال ابو كندا الرواية مقبولة
[٤] قال ابو كندا رواية السند الاول :مبارك بن فضالة وحسن بن يسار اقبلها وكتابهم مقبول ، واما رواية ابي بكر الهذلي لا اقبلها فهو كذاب ، وكتابه لا اقبله ، فإن كان المتن طويل لا استطيع قبوله لانه اختلط بين الروايتين كسند السدي في سورة البقرة .
[٥] قال ابو كندا الرواية مقبولة

البقرة 31-32/ 1 بعد التعديل والمعتمد

الوسوم

, , , , , , , , ,

القول في تأويل {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}


القول في تأويل قوله تعالى ذكره:(وَعَلَّمَ آدَمَ)

قال ابو كندا وقوله { وَعَلَّمَ } ولم يقول ( اخبر) او (ذكر) دليل على ان الله سبحانه وتعالى علمه الاسماء واسباب تسميتها ومهماتها وصفاتها وخواصها واحوالها.

القول في تأويل قوله تعالى ذكره:(وَعَلَّمَ آدَمَ)

قال ابن جرير : وقد روى عن رسول الله ﷺ خبرٌ يحقق ما قال مَن حكينا قوله في معنى آدم.
عَنْ أبي موسى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ . [١]
عن سعيد بن جُبير، قال: خُلق آدم من أديم الأرض، فسمِّي آدم. (2)
عن سعيد بن جبير، قال: إنما سمي آدمَ لأنه خلق من أديم الأرض .(3)

قال الطبري : فعلى التأويل الذي تأول”آدم” من تأوله، بمعنى أنه خُلق من أديم الأرض، يجب أن يكون أصْل”آدم” فعلا سُمي به أبو البشر، كما سمي”أحمد” بالفعل من الإحماد، و”أسعد” من الإسعاد، فلذلك لم يُجَرَّ.
ويكون تأويله حينئذ: آدمَ المَلكُ الأرضَ، يعني به بلغ أدمتها -وأدَمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أنّ جلدة كل ذي جلدة له أدَمة.
ومن ذلك سُمي الإدام إدَامًا، لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه- ثم نقل من الفعل فجعل اسمًا للشخص بعينه.ا،هـ
قال ابو كندا : قول الطبري ( آدم الملك الارض )لم افهمه ، ولم افهم كيف توصل الى ذلك .
وقال مكي بن ابي طالب (ت ٤٣٧) الهداية الى بلوغ النهاية ” وذكر النحاس أنه أفعل من أديم الأرض وأدمتها، وهو ظاهر وجهها، ومنه سمي الإدام لأنه وجه الطعام وأعلاه والعرب تسمي الجلد الظاهر أدمة، والباطن بشرة”. أ،هـ


القول في تأويل قوله تعالى: {الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدمَ ثم عَرضها على الملائكة.

  • فعن مجاهد قال: علمه اسم كل شيء. [4]

وقال : عَلَّمَهُ كُلَّ دَابَّةٍ وَكُلَّ طَيْرٍ وَكُلَّ شَيْءٍ. [5]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ الصفحة وَالْقِدْرِ، قَالَ: نَعَمْ حَتَّى الْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ.[6]

  • وعن قتادة قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء.[7]
  • وعَنْ حُمَيْدٍ الشَّامِيِّ قَالَ: عَلَّمَ آدَمَ النُّجُومَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَسْمَاءَ النُّجُومِ. [8]

ثم قال ابن جرير : وقال آخرون: إنما علمه أسماء ذريته كلها.
عن ابن زيد قال: أسماء ذريته أجمعين. [9]

  • وقال آخرون: علم آدم الأسماء كلها، أسماء الملائكة”
    قال ابو كندا ولم يورد فيه ابن جرير الا رواية عن الربيع لا اقبلها ، وهي عن الربيع قوله:”وعلم آدمَ الأسماء كلها”، قال: أسماء الملائكة.

قال ابن جرير : وأوْلَى هذه الأقوال بالصواب، وأشبهها بما دل على صحته ظاهرُ التلاوة، قول من قال في قوله:”وعلم آدم الأسماء كلها” إنها أسماءُ ذرِّيَّته وأسماءُ الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق.
وذلك أن الله جلّ ثناؤه قال:”ثمّ عرَضهم على الملائكة”، يعني بذلك أعيانَ المسمَّين بالأسماء التي علمها آدم.
ولا تكادُ العرب تكني بـ(الهاء والميم ) إلا عن أسماء بني آدم والملائكة.
وأمّا إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوَى من وصفناها، فإنها تكني عنها بـ(الهاء والألف ) أو بـ(الهاء والنون)، فقالت:”عرضهن” أو”عرضها”، وكذلك تفعل إذا كنَتْ عن أصناف من الخلق كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم وفيها أسماءُ بني آدم والملائكة، فإنها تكنى عنها بما وصفنا من الهاء والنون أو الهاء والألف.
وربما كنَتْ عنها، إذا كان كذلك بالهاء والميم، كما قال جل ثناؤه: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) [سورة النور: ٤٥] ، فكنى عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره.
وذلك، وإن كان جائزًا، فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وَصفنا، من إخراجهم كنايةَ أسماء أجناس الأمم – إذا اختلطت – بـ(الهاء والألف) أو (الهاء والنون) .
فلذلك قلتُ: أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علَّمها آدمَ أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة”. أ،هـ
قال ابو كندا بلا شك ان ابن جرير اعلم مني وافهم لذلك سأطرح سؤال واقول :
قال الله عز وجل { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } وظاهر هذا الكلام يدل ان الله عز وجل اراد العموم ، ولو اراد الخصوص لم يقل { كلها} او لقال اسماءهم كلهم .
وهذا ما ايدته الروايات الصحيحة عن مجاهد وقتادة وابن عباس.
وعن الرسول ﷺ نفسه ، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ : لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ” [10]

واما ماصح من رواية ابن زيد انه قال أسماء ذريته أجمعين. فأسماء ذريته داخله في اسماء كل شي، فهو من باب ذكر مثال لتفسير المعنى .
فلماذا لم يأخذ ابن جرير بظاهر الكلام الذي اخبر به النبي ﷺ وأيده السلف؟؟؟
ويكون عِلمُ ادم في الاسماء كلها معجزة له .
قد يقول قائل: أن ابن جرير لم يأخذ بظاهر الكلام لوجود قرينة وهي قوله { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
فبما ان الذين عرضوا على الملائكة هم ذريته والملائكة، فينصرف معنى العموم وهو {الاسماء كلها } الى الخاص بأسماء ذريته والملائكة.
سأقول ان الرسول ﷺ فسر هذا القول في الحديث السابق وقال “علمك اسماء كل شيء ” وهذا تفسير صريح صحيح للمعنى هذا ، فلما الاخذ بالقرائن والظاهر واضح ومفسر .
ثم إن قوله { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } موقف اخر حصل بعد تعليمه للاسماء كلها .
فهو موقف اخر في وقت اخر ، اراد به الله عز وجل ان يبتلي الملائكة الذين قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها …، ليبين ان الملائكة مهما بلغت من التسبيح والتقديس والطاعة الا ان علمها محدود ،
فليت ابن جرير لم يصرف ظاهر الكلام ويخصصه في الذرية والملائكة فقط.
قال ابن كثير : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا: ذَوَاتَهَا وَأَفْعَالَهَا .

—————

[١] قال ابو كندا الحديث اخرجه احمد وهو حجة
[2] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة واقرب للصحة وهذا كتاب M-3-
[3] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية صحيحة ، وهذا كتاب S-1
[4] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية صحيحة
[5] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[6] اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة
[7] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة واقرب للصحة
[8] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[9] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[10] رواه البخاري

البقرة ٣٢،٣١ – ٢

الوسوم

, , , , ,

القول في تأويل {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}


قوله {عرضهم }
قال ابو كندا وقد احترت كثيرا في معنى (عرض) فهي مستخدمة كثيرا في وجوه ومعاني عدة ، حتى وجدت ابن فارس تحدث عنها في كتابة مقاييس اللغة ، وسأذكر لكم هنا مختصر ماقاله حتى يتبين لكم معنى (عرض) في القران .
قال ابن فارس :
( الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ ) بِنَاءٌ تَكْثُرُ فُرُوعُهُ، وَهِيَ مَعَ كَثْرَتِهَا تَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْعَرْضُ الَّذِي يُخَالِفُ الطُّولَ.
وَمَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ وَدَقَّقَهُ عَلِمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ شَرْحًا شَافِيًا.
وَعَرَضُوهُمْ عَلَى السَّيْفِ عَرْضًا، كَأَنَّ السَّيْفَ أَخَذَ عَرْضَ الْقَوْمِ فَلَمْ يَفُتْهُ أَحَدٌ.
وَمَا عَرَضْتُ لِفُلَانٍ وَلَا تَعْرِضْ لَهُ، وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ عَرْضَكَ بِإِزَاءِ عَرْضِهِ.
وَعَرَضَ الْفَرَسُ فِي عَدْوِهِ عَرْضًا، كَأَنَّهُ يُرِي النَّاظِرَ عَرْضَهُ.
قَالُوا: إِذَا عَدَا عَارِضًا صَدْرَهُ، أَوْ مَائِلًا بِرَأْسِهِ.

وَذَكَرَ الْخَلِيلُ: أَعْرَضْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ عَرِيضًا. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: ” أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ “. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: ” أَعْرَضْتَ الْفُرْقَةَ ” وَلَعَلَّهُ أَجْوَدُ، وَذَلِكَ لِلرَّجُلِ يُقَالُ لَهُ: مَنْ تَتَّهِمُ؟ فَيَقُولُ: أَتَّهِمُ بَنِي فُلَانٍ، لِلْقَبِيلَةِ بِأَسْرِهَا. فَيُقَالُ لَهُ: أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ، أَيْ جِئْتَ بِتُهْمَةٍ عَرِيضَةٍ تَعْتَرِضُ الْقَبِيلَ بِأَسْرِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: أَعْرَضْتُ عَنْ فُلَانٍ، وَأَعْرَضْتُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَا وَلَّاهُ عَرْضَهُ.
وَالْعَارِضُ إِنَّمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ.
وَيُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الشَّيْءُ مِنْ بَعِيدٍ، فَهُوَ مُعْرِضٌ، وَذَلِكَ إِذَا ظَهَرَ لَكَ وَبَدَا.
وَالْمَعْنَى أَنَّكَ رَأَيْتَ عَرْضَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
وَأَعْرَضَتِ الْيَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ … كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا

وَتَقُولُ: عَارَضْتُ فُلَانًا فِي السَّيْرِ، إِذَا سِرْتَ حِيَالَهُ. وَعَارَضْتُهُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، إِذَا أَتَيْتَ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَتَى إِلَيْكَ. وَمِنْهُ اشْتُقَّتِ الْمُعَارَضَةُ. – وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ- ، كَأَنَّ عَرْضَ الشَّيْءِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مِثْلُ عَرْضِ الشَّيْءِ الَّذِي أَتَاهُ.
وَيُقَالُ: اعْتَرَضَ فِي الْأَمْرِ فُلَانٌ، إِذَا أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ.
وَتَعَرَّضَ لِي فُلَانٌ بِمَا أَكْرَهُ.

وَمِنَ الْبَابِ الْعِرْضُ: عِرْضُ الْإِنْسَانِ. قَالَ قَوْمٌ: هُوَ حَسَبُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَفْسُهُ. وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنَ الْبَابِ: مَعَارِيضُ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي مِعْرَضٍ غَيْرِ لَفْظِهِ الظَّاهِرِ، فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِعْرَضِ لَهُ كَمِعْرَضِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ لِبَاسُهَا الَّذِي تُعْرَضُ فِيهِ، وَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ. وَقَدْ قُلْنَا فِي قِيَاسِ الْعَرْضِ مَا كَفَى.
وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: عَرَفْتُ ذَاكَ فِي عَرُوضِ كَلَامِهِ، أَيْ فِي مَعَارِيضِ كَلَامِهِ.

وَمِنَ الْبَابِ الْعَرْضُ: الْجَيْشُ الْعَظِيمُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْعَرْضِ مِنَ السَّحَابِ، وَهُوَ مَا سَدَّ بِعَرْضِهِ الْأُفُقَ. قَالَ:
كُنَّا إِذَا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا
أَيْ جَيْشًا كَأَنَّهُ جَبَلٌ أَوْ سَحَابٌ يَسُدُّ الْأُفُقَ، وَقَالَ دُرَيْدٌ:
نَعِيَّةُ مِنْسَرٍ أَوْ عَرْضُ جَيْشٍ … تَضِيقُ بِهِ خُرُوقُ الْأَرْضِ مَجْرِ

وَمِنَ الْبَابِ: عُرْضُ الْحَائِطِ، وَعُرْضُ الْمَالِ، وَعُرْضُ النَّهْرِ، وَيُرَادُ بِهِ وَسَطُهُ. وَذَلِكَ مِنَ الْعَرْضِ أَيْضًا. وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَالْعَرَضُ مِنْ أَحْدَاثِ الدَّهْرِ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، سُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْتَرِضُ، أَيْ يَأْخُذُهُ فِيمَا عَرَضَ مِنْ جَسَدِهِ.
وَالْعَرَضُ: طَمَعُ الدُّنْيَا، قَلِيلًا [كَانَ] أَوْ كَثِيرًا. وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُعْرِضُ، أَيْ يُرِيكَ عُرْضَهُ. وَقَالَ:
مَنْ كَانَ يَرْجُو بَقَاءً لَا نَفَادَ لَهُ … فَلَا يَكُنْ عَرَضُ الدُّنْيَا لَهُ شَجَنَا
وَقَالَ الْخَلِيلُ: فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ: لَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِيهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ عُرْضَهُ.
وَالْمِعْرَاضُ: سَهْمٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ دِقَاقٍ، وَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ.
قَالَ اللَّهُ – تَعَالَى: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤] . وَالْعَارِضُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مَا يَسْتَقْبِلُكَ، كَالْعَارِضِ مِنَ السَّحَابِ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَارِضُ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْرِضُ فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَشِيِّ ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ حَبَا وَاسْتَوَى. وَيُقَالُ لَهُ: الْعَانُّ بِالتَّشْدِيدِ.
وَمِنَ الْمُشْتَقِّ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: مَرَّ بِي عَارِضٌ مِنْ جَرَادٍ، إِذَا مَلَأَ الْأُفُقَ.


القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}

قال أبو جعفر: وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله:”ثم عَرضَهم على الملائكة” نحو اختلافهم في قوله:”وعلم آدمَ الأسماء كلها”.
قال ابن زيد: أسماء ذريته كلِّها، أخذهم من ظَهره. قال: ثم عرضهم على الملائكة .[١]

وعَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: «عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ , هَذَا بَحْرٌ , وَهَذَا جَبَلٌ , وَهَذَا كَذَا , وَهَذَا كَذَا , لِكُلِّ شَيْءٍ , ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ» فَقَالَ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١] [٢]

عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَُ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا آدَمَ. [٣]

عن الحسن قال : علّمه اسم كل شيء: هذه الخيلَ، وهذه البغال، وما أشبه ذلك. وجعل يُسمي كل شيء باسمه، وعُرضت عليه أمة أمة . [٤]

وعن السُّدِّيِّ قال : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْقَ على الملائكة. [٥]

وقال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أولى بالآية، على قراءتنا ورَسم مُصْحفنا، وأن قوله: ” ثم عَرَضهم ” ، بالدلالة على بني آدم والملائكة، أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها، وإن كان غيرَ فاسد أن يكون دالا على جميع أصناف الأمم، للعلل التي وصفنا.
قال ابو كندا : يتبين لنا من الروايات ان المفسرين اختلفوا على قولين وهما عرض كل شي او عرض ذريته على الملائكة، وزاد الطبري قول وهو عرض الملائكة والذرية .
ووجدت قول ثالث اشار له بعض المفسرين ولكنهم لم يصرحوا به وهو:
ان الملائكة المخاطبين الذين قالوا { اتجعل فيها من يفسد …} بعد ان خاطبهم الله بقول { اني جاعل …} هم الذين عُرضوا على الملائكة فقال لهم انبأوني بأسماء هؤلاء الملائكة الذين هم منكم ولكثرتهم لا تعلمون من هم.

قال ابو كندا وهذا القول يعجبني ، والقرينة هي الهاء والميم في قوله { عرضهم } فهي عائدة على الملائكة الذين قالوا { اتجعل فيها } فالحديث عنهم ليبين الله عز وجل لماذا اختار ادم عليهم في خلافة الارض .

وأيضا هناك قرينة اخرى وهي {ثم} تدل على التراخي وان هذا موقف غير موقف تعليم الاسماء ،
قال ابو حيان في تفسيره { ثُمَّ عَرَضَهُمْ }: (ثُمَّ) حَرْفُ تَرَاخٍ، وَمَهَلَةٍ، عَلَّمَ آدَمَ ثُمَّ أَمْهَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ قَالَ: { أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ } لِيَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْمَعْلُومُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَمَّا تَحَقَّقَ بِهِ وَاسْتَيْقَنَهُ.
وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّعْقِيبِ دُونَ مُهْلَةٍ أَنْبِئُونِي، فَلَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمُ لَهُمْ تَعْرِيفٌ لَمْ يُخْبِرُوا، وَلَمَّا تَقَدَّمَ لِآدَمَ التَّعْلِيمَ أَجَابَ وَأَخْبَرَ وَنَطَقَ إِظْهَارًا لِعِنَايَتِهِ السَّابِقَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ.أ،هـ
وايضا اسم الاشارة {هَٰؤُلَاءِ } لا تقال الا لعاقل او على انه عاقل .
وكما قال ابن جرير سابقا واعيده مرة اخرى “ولا تكادُ العرب تكني بـ(الهاء والميم) إلا عن أسماء بني آدم والملائكة.
وقال ابن عطية : وقوله تعالى: {هؤُلاءِ} ظاهره حضور أشخاص، وذلك عند العرض على الملائكة.
قال ابو كندا وهؤلاء الاشخاص هم الملائكة لأن ذرية بني ادم من الطبيعي ان الملائكة لا يعلمون اسمائهم لأنهم خلق جديد ولا يعلم هل رأوا الملائكة ذرية ادم كلها ام لا،
اما الملائكة فهم من جنسهم ومن الطبيعي ان يعرفوا بعض اسماءهم ، فكان الاختبار والابتلاء فيهم .
وايضا كلهم متفقون على الملائكة ومختلفون في غيرها ، فلماذا لا نأخذ ما اتفقوا عليه.


قال الطبري : وقد ذُكر أنها في حرف ابن مسعود: ” ثم عَرضهن ” ، وأنها في حرف أبَيّ: ” ثم عَرضَها “.
قال ابو كندا وقد بين الطبري ان هذه القراءات ضعيفة لأنها تخالف رسم المصحف وقد ايده المفسرون على ذلك.
————-
[١] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[٢] قال ابوكندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[٣] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة
[٤] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[٥] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة

البقرة ٣١-٣٢/ ١

الوسوم

, , ,

القول في تأويل {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}

القول في تأويل قوله تعالى ذكره:(وَعَلَّمَ آدَمَ)

قال ابو كندا وقوله { وَعَلَّمَ } ولم يقول ( اخبر) او (ذكر) دليل على ان الله سبحانه وتعالى علمه الاسماء واسباب تسميتها ومهماتها وصفاتها وخواصها واحوالها.

القول في تأويل قوله تعالى ذكره:(وَعَلَّمَ آدَمَ)

قال ابن جرير : وقد روى عن رسول الله ﷺ خبرٌ يحقق ما قال مَن حكينا قوله في معنى آدم.
عَنْ أبي موسى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ . [١]

قال الطبري : فعلى التأويل الذي تأول”آدم” من تأوله، بمعنى أنه خُلق من أديم الأرض، يجب أن يكون أصْل”آدم” فعلا سُمي به أبو البشر، كما سمي”أحمد” بالفعل من الإحماد، و”أسعد” من الإسعاد، فلذلك لم يُجَرَّ.
ويكون تأويله حينئذ: آدمَ المَلكُ الأرضَ، يعني به بلغ أدمتها -وأدَمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أنّ جلدة كل ذي جلدة له أدَمة.
ومن ذلك سُمي الإدام إدَامًا، لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه- ثم نقل من الفعل فجعل اسمًا للشخص بعينه.ا،هـ
قال ابو كندا : قول الطبري ( آدم الملك الارض )لم افهمه ، ولم افهم كيف توصل الى ذلك .
وقال مكي بن ابي طالب (ت ٤٣٧) الهداية الى بلوغ النهاية ” وذكر النحاس أنه أفعل من أديم الأرض وأدمتها، وهو ظاهر وجهها، ومنه سمي الإدام لأنه وجه الطعام وأعلاه والعرب تسمي الجلد الظاهر أدمة، والباطن بشرة”. أ،هـ

القول في تأويل قوله تعالى: {الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدمَ ثم عَرضها على الملائكة.

  • فعن مجاهد قال: علمه اسم كل شيء. [٢]

وقال : عَلَّمَهُ كُلَّ دَابَّةٍ وَكُلَّ طَيْرٍ وَكُلَّ شَيْءٍ. [٣]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ الصفحة وَالْقِدْرِ، قَالَ: نَعَمْ حَتَّى الْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ.[٤]

  • وعن قتادة قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء.[٥]
  • وعَنْ حُمَيْدٍ الشَّامِيِّ قَالَ: عَلَّمَ آدَمَ النُّجُومَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَسْمَاءَ النُّجُومِ. [٦]

ثم قال ابن جرير : وقال آخرون: إنما علمه أسماء ذريته كلها.
عن ابن زيد قال: أسماء ذريته أجمعين. [٧]

  • وقال آخرون: علم آدم الأسماء كلها، أسماء الملائكة”
    قال ابو كندا ولم يورد فيه ابن جرير الا رواية عن الربيع لا اقبلها ، وهي عن الربيع قوله:”وعلم آدمَ الأسماء كلها”، قال: أسماء الملائكة.

قال ابن جرير : وأوْلَى هذه الأقوال بالصواب، وأشبهها بما دل على صحته ظاهرُ التلاوة، قول من قال في قوله:”وعلم آدم الأسماء كلها” إنها أسماءُ ذرِّيَّته وأسماءُ الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق.
وذلك أن الله جلّ ثناؤه قال:”ثمّ عرَضهم على الملائكة”، يعني بذلك أعيانَ المسمَّين بالأسماء التي علمها آدم.
ولا تكادُ العرب تكني بـ(الهاء والميم ) إلا عن أسماء بني آدم والملائكة.
وأمّا إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوَى من وصفناها، فإنها تكني عنها بـ(الهاء والألف ) أو بـ(الهاء والنون)، فقالت:”عرضهن” أو”عرضها”، وكذلك تفعل إذا كنَتْ عن أصناف من الخلق كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم وفيها أسماءُ بني آدم والملائكة، فإنها تكنى عنها بما وصفنا من الهاء والنون أو الهاء والألف.
وربما كنَتْ عنها، إذا كان كذلك بالهاء والميم، كما قال جل ثناؤه: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) [سورة النور: ٤٥] ، فكنى عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره.
وذلك، وإن كان جائزًا، فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وَصفنا، من إخراجهم كنايةَ أسماء أجناس الأمم – إذا اختلطت – بـ(الهاء والألف) أو (الهاء والنون) .
فلذلك قلتُ: أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علَّمها آدمَ أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة”. أ،هـ
قال ابو كندا بلا شك ان ابن جرير اعلم مني وافهم لذلك سأطرح سؤال واقول :
قال الله عز وجل { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } وظاهر هذا الكلام يدل ان الله عز وجل اراد العموم ، ولو اراد الخصوص لم يقل { كلها} او لقال اسماءهم كلهم .
وهذا ما ايدته الروايات الصحيحة عن مجاهد وقتادة وابن عباس.
وعن الرسول ﷺ نفسه ، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ : لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ” [٨]

واما ماصح من رواية ابن زيد انه قال أسماء ذريته أجمعين. فأسماء ذريته داخله في اسماء كل شي، فهو من باب ذكر مثال لتفسير المعنى .
فلماذا لم يأخذ ابن جرير بظاهر الكلام الذي اخبر به النبي ﷺ وأيده السلف؟؟؟
ويكون عِلمُ ادم في الاسماء كلها معجزة له .
قد يقول قائل: أن ابن جرير لم يأخذ بظاهر الكلام لوجود قرينة وهي قوله { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
فبما ان الذين عرضوا على الملائكة هم ذريته والملائكة، فينصرف معنى العموم وهو {الاسماء كلها } الى الخاص بأسماء ذريته والملائكة.
سأقول ان الرسول ﷺ فسر هذا القول في الحديث السابق وقال “علمك اسماء كل شيء ” وهذا تفسير صريح صحيح للمعنى هذا ، فلما الاخذ بالقرائن والظاهر واضح ومفسر .
ثم إن قوله { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } موقف اخر حصل بعد تعليمه للاسماء كلها .
فهو موقف اخر في وقت اخر ، اراد به الله عز وجل ان يبتلي الملائكة الذين قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها …، ليبين ان الملائكة مهما بلغت من التسبيح والتقديس والطاعة الا ان علمها محدود ،
فليت ابن جرير لم يصرف ظاهر الكلام ويخصصه في الذرية والملائكة فقط.
قال ابن كثير : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا: ذَوَاتَهَا وَأَفْعَالَهَا .

—————

[١] قال ابو كندا الحديث اخرجه احمد وهو حجة
[٢] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية صحيحة
[٣] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[٤] اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة
[٥] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة واقرب للصحة
[٦] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[٧] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[٨] رواه البخاري

البقرة 30-6

الوسوم

, , , , , , ,

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

قد يقول قائل كيف تقول الملائكة { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
وقد قال الله عز وجل عن الملائكة { لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27) }

قلنا ان الملائكة لم تسبقه بالقول فالله عز وجل هو الذي ابتدئهم في الخطاب ، وهو من باب قول موسى عليه السلام، قال الله عز وجل { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي }
وكما تعلمون ان رسولنا الكريم ﷺ قال عن موسى عليه السلام
” لا تخيروني على موسى ؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله “. البخاري

وقد يكون من باب قول خليل الله ابراهيم عليه السلام، قال عز وجل { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }

وقد يكون من باب فعل سيد ولد ادم رسولنا الكريم ﷺ عندما اسري به قال ” ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال : ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة، قال : فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعني، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى قلت : وضع شطرها، فقال : راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق. فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال : ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعته فقال : هي خمس وهي خمسون ؛ لا يبدل القول لدي. فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك. فقلت : استحييت من ربي. البخاري

قوله { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

قال ابو كندا اختلف اهل التأويل في قوله { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وعن قتادة “ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون” فكان في علم الله جل ثناؤه أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياءُ ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. [١]

عن ابن جريج : إني أعلم ما لا تعلمون، يعني: أن ذلك كائن منهم -وإن لم تعلموه أنتم- ومن بعض من ترونه لي طائعًا. يعرفهم بذلك قصور علمهم عن علمه . [٢]

وقال الطبري : وهذا الخبر من الله جل ثناؤه يُنبئ عن أن الملائكة التي قالت:”أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء”، استفظعتْ أن يكون لله خلق يعصيه، وعجبتْ منه إذْ أخبرت أن ذلك كائن.
فلذلك قال لهم ربهم:”إني أعلم ما لا تعلمون”.
يعني بذلك، والله أعلم: إنكم لتعجبون من أمر الله وتستفظعونه، وأنا أعلم أنه في بعضكم، وتصفون أنفسكم بصفةٍ أعلمُ خِلافَها من بعضكم، وتعرضون بأمر قد جعلته لغيركم.
وذلك أن الملائكة لما أخبرها ربها بما هو كائن من ذرية خليفته، من الفساد وسفك الدماء، قالت لربها: يا رب أجاعل أنت في الأرض خليفةً من غيرنا، يكون من ذريته من يعصيك، أم منا، فإنا نعظمك ونصلي لك ونطيعك ولا نعصيك؟ -ولم يكن عندها علم بما قد انطوى عليه كَشحا إبليسُ من استكباره على ربه-
فقال لهم ربهم: إني أعلم غير الذي تقولون من بعضكم.
وذلك هو ما كان مستورًا عنهم من أمر إبليس، وانطوائه على ما قد كان انطوى عليه من الكبر.
وعلى قِيلهم ذلك، ووصفهم أنفسهم بالعموم من الوصف عُوتبوا.أ،هـ

اما الزمخشري فقد قصرها على المصلحة فقال قوله { أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ } أى أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفى عليكم.
فإن قلت: هلا بين لهم تلك المصالح؟ قلت: كفى العباد أن يعلموا أن أفعال اللَّه كلها حسنة وحكمة، وإن خفى عليهم وجه الحسن والحكمة. على أنه قد بين لهم بعض ذلك فيما أتبعه من قوله وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.أ،هـ

واما الراغب فقال : قال تعالى في جوابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فعرّض ولم يصرح ها هنا، ليريهم فضيلة الإنسان وما خصوا به من العلم والعمل عياناً ومشاهدة ، والإجمال في هذه الآية بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} هو المبين بما بعده من الآية التي [تليها] ..كلها، ثم عرضهم عليهم ليظهر بذلك كَمَال فَضْلِه، وقُصُورهم عنه في العلم، فيتأكّد ذلك الجواب الإجمالي بهذا الجواب التفصيلي.أ،هـ

وقال ابو السعود : قوله { إني أعلم ما لا تعلمون } ليس المرادَ بيانَ أنَّه تعالى يعلم مالا يعلمونه من الأشياءِ كائناً ما كان فإن ذلك مما لا شُبهة لهم فيه حتى يفتقِروا إلى التنبيه عليه لاسيما بطريق التوكيد بل بيانَ أن فيه عليه الصلاة والسلام معانيَ مستدعيةً لاستخلافه إذ هو الذي خفيَ عليهم وبنَوا عليه ما بنَوْا من التعجّب والاستبعاد .
فما موصولةً كانت أو موصوفةً عبارةٌ عن تلك المعاني والمعنى إني أعلم ما لا تعلمونه من دواعي الخلافة فيه وإنما لم يقتصِرْ على بيان تحققِها فيه عليه السلام بأن قيل مثلاً إن فيه ما يقتضيه من غير تعرض لإحاطته تعالى به وغفلتِهم عنه تفخيماً لشأنه وإيذاناً بابتناء أمرِه تعالى على العلم الرصينِ والحكمةِ المتقنة وصدورِ قولِهم عن الغفلة.
وقيل معناه إني أعلمُ من المصالحِ في استخلافه ما هو خفيٌّ عليكم وأنَّ هذا إرشادٌ للملائكة إلى العلم بأن أفعالَه تعالى كلَّها حسنةٌ وحِكمةٌ وإن خفي عليهم وجهُ الحسْنِ والحِكمة وأنت خبيرٌ بأنه مُشعِرٌ بكونهم غيرَ عالمين بذلك من قبلُ ويكون تعجبُهم مبنياً على تردّدهم في اشتمال هذا الفعلِ لحكمةٍ ما وذلك مما لا يليق بشأنهم فإنهم عالمون بأن ذلك متضمِّنٌ لحكمةٍ ما ولكنهم متردّدون في أنها ماذا ؟ هل هو أمرٌ راجعٌ إلى محض حُكم الله عزَّ وجلَّ أو إلى فضيلةٍ من جهة المستخلَف ؟فبيّن سبحانه وتعالى لهم أولاً على وجه الإجمالِ والإبهامِ أن فيه فضائلَ غائبةً عنهم ليستشرفوا إليها ثم أبرَزَ لهم طرفاً منها ليعاينوه جَهرةً ويظهَرَ لهم بديعُ صنعِه وحكمتِه وينزاحَ شبهتُهم بالكلية.أ،هـ

وقال ابن كثير : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أَيْ: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي خَلْقِ هَذَا الصِّنْفِ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي ذَكَّرْتُمُوهَا مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ ، أَنَّ لِي حِكْمَةً مُفَصَّلَةً فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرْتُمْ لَا تَعْلَمُونَهَا .
وَقِيلَ: بَلْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُمْ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} طَلَبًا مِنْهُمْ أَنْ يَسْكُنُوا الْأَرْضَ بَدَلَ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} مِنْ أَنَّ بَقَاءَكُمْ فِي السَّمَاءِ أَصْلَحُ لَكُمْ وَأَلْيَقُ بِكُمْ. أ،هـ

قال ابو كندا اعجبني قول الطبري فهو ادق في تفصيل بعض المعانى لاية {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}،
وقول الزمخشري بين فيه لماذا قال { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وحتى يتضح لك مناسبة قوله { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } سأحاول ان اشرح لك على قدر ما استطيع ، فاعذرني ان قصرت في ذلك.
اخبر الله عز وجل الملائكة المقربين انه جاعل في الارض خليفة – اي قرر وحكم في ذلك -وان هذا الخليفة هو ادم واني سأبتلي ذريته ليعلموا من المقدس لي ومن المسبح ومن الكافر ، وعلى اثر هذا الابتلاء سيسفكون الدماء ويفسدون في الارض ،
ومع ذلك ستكلفون بهم ،
فأخبِروا الملائكة الاخرين بأنه سيكونُ من الملائكة من يكون حفظة عليهم ومنكم من سيوكل بهم وبأروحهم ومنكم من سيرسل اليهم ومنكم من سيتعاقب عليهم في الليل والنهار وسأسألكم عنهم وغير ذلك …،
فتعجبت الملائكة لأنها تعلم ان الله عز وجل يكره سفك الدماء والفساد في الارض ، فاشارت الى انها اصلح لهذا الامر من بني ادم فهم كلهم يسبحون بحمد الله ويقدسون له وان ابتلاهم بالخلافة.
وكان الله عز وجل يعلم ان منهم ابليس كان لا يقدس لله مع انهم كانوا يرونه يسبح لله .
فأتى الرد اني اعلم عنكم اكثر مما تعلمونه عن انفسكم او قومكم او جنسكم.
ولأن الله عز وجل عادل حكيم رب ، ربَّى الملائكة واصلح شأنهم حتى لا يزكوا انفسهم وعرفهم ضعف حالهم ،
بجمع الملائكة ثم عرض عليهم- الملائكة المخاطبون المزكون انفسهم وقومهم بالتسبيح والتقديس – فقال الله عز وجل للملائكة المخاطبين ، انبؤني بأسماء هؤلاء الملائكة الذين جمعتهم لكم ، وكلمة انبؤني تدل على ان اسماء الملائكة الذين جمعوا مخفية عن الملائكة المخاطبين .
ان كنتم صادقين في تزكيتك لهم في ظاهرهم وباطنهم، ولا تكون التزكية الا بعلم الحال ، فإن نبئتوني بأسمائهم الظاهرة فأنا مصدقكم بعلمكم عن احوالهم الباطنة .
هذا الابتلاء عرف الملائكة ضعف حالهم وخطئهم في تزكية انفسهم ، فرجعوا الى الله واعترفوا بخطئهم ورضوا بحكم الله ، لذلك قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم .

قال صاحب المنار : إِذَا كَانَ مِنْ أَسْرَارِ اللهِ – تَعَالَى – وَحِكَمِهِ مَا يَخْفَى عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَلَا مَطْمَعَ لِلْإِنْسَانِ فِي مَعْرِفَةِ جَمِيعِ أَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ وَحِكَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.

قال ابو كندا كنت ارفض ان يكون ابليس من الملائكة لأنه خلق من نار والملائكة خلقت من نور ، ولكن عندما قرأت قول الله عز وجل { وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) } وهذه الاية تدل على ان الله عز وجل لم يمنع ذلك من سنن الكون فهو محتمل عند الله عز وجل اذا اقتضت حكمته بذلك.
وايضا قد كنت ارفض ان الملائكة تعصي الله عز وجل ولكن بعدما قرأت قول الله عز وجل { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27)) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28)) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(29)}
وقرأت قول بعض العلماء ان هذا ايضا قد يكون محتمل ، وسأشرح اقوال العلماء في ذلك عند عصيان ابليس .
لذلك كله اقول قد يكون قول مجاهد وابن جريج صحيحا .

———

[١] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة ومقاربة للصحيحة
[٢] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة