مختصر التوضيح لشرح الجامع الصحيح الحديث ٢٦
باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢} [الزخرف: ٧٢]. وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} [الحجر: ٩٢، ٩٣]: عَنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَقَالَ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)}.
٢٦ – عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: “إِيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ”. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: “الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ”. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: “حَجٌ مَبْرُورٌ”.
*************
١- معنى الإرث في الآية: صيرورتها لهم.
٢- قَالَ النووي: والظاهر المختار أن معناه: لنسألنهم عن
أعمالهم كلها. أي: الأعمال التي يتعلق بها التكليف، وقول هؤلاء الذين نقل عنهم البخاري (أن المراد) عن قول: لا إله إلا الله، مجرد دعوى للتخصيص بذلك، فلا تقبل.
٣- العدة: الجماعة قلَّت أم كثرت.
٤- والمبرور: هو الذي لا يخالطه إثم.
٥- إن قُلْت: كيف يجمع بين الآية السالفة في السؤال. وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “لن يدخل أحد الجنة بعمله”؟ فالجواب: أن دخول الجنة بسبب العمل، والعمل برحمة الله.
٦- كيف نجمع بين الآية السالفة في السؤال والآية الأخرى وهي: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }
فالجواب: أن في القيامة مواطن -أعاننا الله الكريم على أهوالها- ففي موطن يسألون، وفي الآخر لا يسألون، كما سيأتي في تفسير حم السجدة عن ابن عباس ، وجواب آخر أنهم لا يسألون سؤال الاستخبار.
٧- بدأ في هذا الحديث بالإيمان ثم الجهاد ثم الحج. وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة لميقاتها ثم بر الوالدين ثم الحج وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج ، وفي حديث أبي موسى (السالف: أي الإسلام أفضل؟ قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده” (وفي حديث ابن عمرو) السالف: أي الإسلام خير؟ قال: ” (تطعم) الطعام” إلى آخره . وقد جمع العلماء بينها وبين ما أشبهها بوجوه، ذكر الحليمي منها وجهين: أحدهما: أنه جرى على اختلاف الأحوال والأشخاص، فاعلم أن كل قوم بما تدعو الحاجة إليه دون ما لم تدع حاجتهم إليه، وذكر ما لم يعلمه السائل وأهل المجلس من دعائم الإسلام (ولم يبلغه)علمه، وترك ما علموه. ولهذا أسقط ذكر الصلاة والزكاة والصيام في حديث الباب، وأثبت فيه الجهاد والحج.
ولا شك أن الصلاة والزكاة والصوم مقدمات على الحج والجهاد، فقد يكون الجهاد في حق شخص أولى من غيره، وهو من تأهل له أو عند التعين،
وكذا نقول في بر الوالدين، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: “ففيهما فجاهد”.
الجواب الثاني: أن لفظة “من”: مراده، والمراد: من أفضل الأعمال كما يقال: فلان أعقل الناس، والمراد: من أعقلهم، ومنه الحديث: “خيركم خيركم لأهله” ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس،
٨- الرابعة: قدم الجهاد في (هذا الحديث على الحج) مع أن الحج أحد الأركان والجهاد فرض كفاية؛ (لأنه قد يتعين كما في سائر فروض الكفايات، وإذا لم يتعين لا يقع إلا فرض كفاية) وأما الحج فالواجب منه مرة فقط، فإن قابلت واجب الحج بمتعين الجهاد كان الجهاد أفضل لهذا الحديث؛ ولأنه شارك الحج في الفرضية، وزاد (فيه) بتعدي نفعه إلى سائر الأمة؛ ولكونه ذبا عن بيضة الإسلام، ولكونه بذلا للنفس والمال وغير ذلك.
٩- الآية دالة على نيل الدرجات بالأعمال، (وأن الإيمان قول وعمل، ويشهد له الحديث المذكور، وهو مذهب أهل السنة كما سلف في أول الإيمان) ، وهو مراد البخاري بالتبويب، وأراد به الرد على المرجئة كما سلف.
١٠- إن في هذا الحديث: جعل الإيمان من العمل، وفرق في أحاديث أخر بين الإيمان والأعمال، وأطلق اسم الإيمان مجردا على التوحيد، وعمل القلب، والإسلام على النطق، وعمل الجوارح، وحقيقة الإيمان مجرد التصديق المطابق للقول والعقد، وتمامه بعمل الجوارح. فلهذا لا يكون ناجيا مؤمنا إلا بذلك، فإطلاق الإيمان إذا على كلها وعلى بعضها صحيح، فالتصديق أفضل الأعمال (على هذا إذ هو شرط فيها.
اختصره ماجد بن محمد العريفي
يوم السبت ٣٠-٧-١٤٣٧هـ