-5-
قال ابو كندا
اعلم انك ستقول لي سياق السورة التي فيها قول الله عز وجل { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)) تتكلم عن القران .
عندها ساقول لك نعم صدقت تتكلم عن القرآن ولكن ليست خاصة بالقران فقط، بل نص الله عز وجل على الكتب السابقة وما انزله الله عز وجل من الحق على رسله في سياق هذه السورة .
اتمنى تقرأ بداية السورة وستجدها تتكلم عن ايات القران وايات الكتب السابقة قال سبحانه { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ(1))
قال ابن جرير: وأما قوله : ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل ( وقُرآنٍ ) يقول: وآيات قرآن ( مُبِينٍ ) يقول: يُبِين من تأمله وتدبَّره رشدَه وهداه.
عن قتادة ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) قال: تبين والله هداه ورشده وخيره. (١)
عن مجاهد ( الر ) فواتح يفتتح بها كلامه ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) قال: التوراة والإنجيل. (٢)
عن قتادة، في قوله ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) قال: الكتُب التي كانت قبل القرآن. (٣)
فبداية الاية تتكلم عن ايات الكتب ومنها القران واصلها ام الكتاب.
فمنذ بداية السورة والله عز وجل يتكلم عن الكتاب الذي هو ام الكتب ومنه القران ، حتى لا ينصرف عقلك للقران فقط .
ثم قال عز وجل { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)}
وهذه الاية عامة في الكفار في الامم السابقة ويدخل في معناها ماقاله كفار قريش { وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ (168) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173))
لذلك قال الله عز وجل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)} كالأمم السابقة .
ولهذا قال بعدها {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) } وهذه سنة سنها الله عز وجل بعدله وحكمته فقد قال { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا(15) }
فكل رسول يبعث الى قومه بالذكر الذي في ام الكتاب يتلقونه وحي من الله عز وجل، فكل مايوحى اليه ذكر قد تكون منها ايات في كتاب ومنها ذكر قدسي ومنها اخبار اوحاه الله عز وجل له واحكام اراد الله عز وجل التنبيه لها او اقرارها { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) }
فإذا انتهت اجل كل أمة ، حفظ الله عز وجل ذكره ونسخه بوحي اخر في الامة الاخرى كما قال الله عز وجل { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
واما ذكرنا فلن ينسخه الله عز وجل لأننا اخر امة بل سيرفعه الله عز وجل كما قال رسوله ﷺ “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنى ” البخاري
وهذا ما قاله الرسول ﷺ باللفظ ، اما من قال سيرفع القران فقط فهذ ليس قول الرسول ﷺ وانما هو قول ابن مسعود فقد روى الدارمي بسنده عن ابن مسعود قال : ليسرين على القرآن ذات ليلة، فلا يترك آية في مصحف، ولا في قلب أحد إلا رفعت. (٤)
وهذا تفسير من ابن مسعود لانه بشر ففسر العلم بالقران، لانه مجموع في وقتهم اما احاديث الرسول ﷺ فلم تجمع بعد ، ولأن الرسول ﷺ رسول خالق هذا الكون ومدبره نقل لنا ما اوحاه الله عز وجل عليه كما اوحى اليه ، بغض النظر كان يعلم ان اقواله ستجمع ام لم يخبره الله عز وجل بذلك.
وهذا تفسير من ابن مسعود لانه بشر ففسر العلم بالقران، لانه مجموع في وقتهم اما احاديث الرسول ﷺ فلم تجمع بعد ، ولأن الرسول ﷺ رسول خالق هذا الكون ومدبره نقل لنا ما اوحاه الله عز وجل عليه كما اوحى اليه ، بغض النظر كان يعلم ان اقواله ستجمع ام لم يخبره الله عز وجل بذلك.
ثم قال الله عز وجل { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7) }
ولو تأملت لوجدت ان الله عز وجل ذكر هنا الوحي كله وهو (الذكر ) وليس ( القران ) فقط ، ولو اراد الله عز وجل القران فقط لقال ( القران ) فقد ذكره في اول الاية من ضمن الذكر.
فأتاهم الرد من الله عز وجل فقال { مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)}
ومن هذا الحق تنزيل الذكر { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) } فالذكر حق خصه الله عز وجل بحفظه ، والذكر هو الوحي الذي هو موجود في ام الكتاب ، وهو ما اوحى الله عز وجل على رسوله ﷺ من كلام الله فكان قران او حديث قدسي ومن نطق رسوله ﷺ فكان حديث الرسول ﷺ .
اتمنى بعد هذا كله اني افهمتك ما افهمه من معنى الذكر في هذه الاية خاصة ،
وأما ان قلت انا معك واقول كما تقول ان الذكر هو كل ما اوحى الله عز وجل على نبيه ، إلا اني اقول ان هذه الاية خاصة يفهم منها ان الذكر هنا هو القران فقط كما نص عليه أئمة التفسير لذلك نأخذ منه حكم وهو ان القران فقط هو المحفوظ .
حتما سأقول لك – مع اعتذاري مسبقا ، اذا التزمت بهذه القاعدة في تخصيص الذكر هنا انه القران لتنصيص العلماء – ، ينبغي لك ايضا ان تطبق هذه القاعدة على قول الله عز وجل { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
فقد نص العلماء ان اهل الذكر المقصود بهم في هذه الاية علماء اهل الكتاب اليهود والنصارى ، عندها سيحتج اليهود والنصارى والمنافقون بقاعدتك هذه على ان تسألهم في امور دينك اذا لم تعلم.
لذلك لا تجعل للمنافقين حجة عليك ، لفهمك الخاطئ المبني على علم ناقص او علم مقلد .
اما اذا اخذت معنى الذكر كما بينت لك فسيكون اهل الذكر هم علماؤنا الان .
فالله عز وجل اختار لهذا الدين اللغة العربية وجعل القران عربي ولم يجعله فارسي او عبري، ومن ميزة اللغة العربية انها دقيقة جدا فأي كلمة فيها تحمل دلالات معينة لا تجد اي كلمة اخرى تتطابق معها في الدلالات ، فلا بد ان تزيد او تنقص وإن كانا متشابهين في المعنى.
————-
١- قال ابو كندا الرواية صحيحة
٢- قال ابو كندا فيه المثنى مجهول وباقي اسناده ثقات
٣- قال ابو كندا فيه المثنى واسحاق مجهولان وهشام هو بن عبيد الله ثقة وعمرو هو ابن حمران قيل انه صدوق
٤- قال ابو كندا اسناده جيد