سافرت مرة خارج البلاد وكانت السفرة طويلة ومملة حتى اني سميتها رحلة “الاسترهاق” – ولا ادري هل هذه كلمة عربية ام الملل اخترعها لي- ، المهم اني فكرت في كيفية قتل الملل فأتتني فكرة من خارج الصندوق كما يقول – المدربون اليوم- ، المدربون!!!!! يالله !!! ذكرت الملل فذكرت المدربين، عذرا ياسادة على هذا الاستطراد فعقلي يربط الملل بالمدربين لأنه يعتبرهم اساس الملل – مع الاعتذار للمدربين- ،فهو عندما يجلس يستمع لمحاضرتهم في مدح أنفسهم اربع ساعات ينهار من الملل لا ينعشه الا كثرة الاستأذنات بين فترة واخرى بسبب او من غير سبب،- اعتذر ياسادة فقد انحرفت عن موضوعي ولكن الشيء بالشيء يذكر-، وعندي سؤال للمدربين لطالما كتمته في عقلي استحياء منهم، ولكني بعدما (خربتها) اليوم آن لي ان اطرحه ثم اعود الى موضوعي والسؤال هو هل كل القصص التي تحدث لهم ويلعبون دور البطولة فيها حقيقة ام خيال؟!!! اتعبني هذا كثيرا خصوصا من يضع لكل فقرة قصة هو البطل فيها…
نعود الى فكرتي ياكرام ، قررت ان اقرأ كتابا مملل في هذه الرحلة فالسالب مع السالب يأتي بموجوب ، واصدقكم القول ان الفكرة نجحت فقد استطعت ان انهي كتاب ( البخلاء ) للجاحظ ، فهذا الكتاب اذا اتى دوره في القراءة ينقبض قلبي واحمل هم كهم من لم ينام اطفاله من شدة الجوع وهو لايجد حيلة في اطعامهم، فإذا فتحت الكتاب لأقرأ، لا اقرأ منه الا صفحة بعد التي والتيا، ثم اقفله بسرعة فرحا مسرورا من ازاحة هذا الهم وكأني رأيت اولادي يأكلون بعد الجوع ويضحكون لا لشيء الا للفرح بالطعام ، هكذا حالي معه اقرأ منه كل اسبوع صفحة وبعض الاحيان اقفز دورة وكأني لم اره ، اما في هذه السفرة فقد قرأت 250صفحة!!! ألم اقل لكم ان الفكرة نجحت وهأنا الان قد بدأت اكتب عنه بعدما فرغت منه .
الكتاب ياسادة فيه فلسفة زائدة وفيه قصص لم افهمها لأن فيها مسميات لأطعمة وأوانيها قد اندثرت ولم تعد تستخدم لدينا الان، مما يجعلني اعود الى كتب اللغة حتى افهم المعنى، مثل “السكباجة” “الشبارقات” “الخوان ” “جردقتان” وايضا هناك كلمات في غير الاطعمة تحتاج الى ترجمان مثل ” صهرجتها” ” تدنيقه” “الثلطة “وكقوله “فأتونا بجام فيه بيّاح سبخيّ الذي يقال له الدرّاج” فما البياح وما السبخي بل ماهو الدراج؟!!وغيرها من الكلمات التي لا اعرفها، لضعفي في اللغة العربية واللغة الفارسية فالجاحظ خصص فصول في البخل لأهل فارس من مرو وخرسان .
ومن يقرأ الكتاب يشعر ان الكاتب يفضل البخل لأنه يذكر قصص البخل التي فيها فلسفة لتخاطب العقلان – العقل الذي في الرأس والعقل الباطني – بل لا يعلق على هذه القصص كما هي عادته في كتاب “البيان والتبين ” وكتاب ” الحيوان “وكأنه راض عن قولهم فالجاحظ ياسادة مشهور بتعليقاته على القصص والاحداث، ولم يترك هذه العادة الا “وفي فيه ماء” .
ولم يمدح الكرم في هذا الكتاب الا بذكر رسالة لأحدهم ينصح ابن عمه بالكرم – وقد اجاد في النصح – ولكن الجاحظ اتى برسالة اخرى ترد عليها بذكر فضائل البخل – والعبرة بخواتيمها، فلا يبقى في الذهن إلا اخر الكلام –
وكأن الجاحظ علم ما سأقول عن هذا الكتاب فأجاب على ملاحظاتي في اخر فصل في الكتاب وقال (وليس يمنعني من تفسير كل ما يمرّ الا اتكالي على معرفتك. وليس هذا الكتاب نفعه إلا لمن روى الشعر والكلام، وذهب مذاهب القوم، أو يكون قد شدا منه شدوا حسنا) – ليته كتب هذا الكلام في مقدمة لكتاب لما قرأته لأني لست منهم -.
واحقاقا للحق اخر فصل في الكتاب وهو فصل ( طعام العرب )اجاد الجاحظ في فيه وابدع، ففي هذا الفصل تجد نَفَسَ الجاحظ في تعليقاته وشرحه وملاحظاته .
يوم الجمعة 10-4-1436
البخلاء للجاحظ
07 السبت فيفري 2015
Posted Uncategorized
in