باب: الدِّينُ يُسْرٌ
وَقَوْلُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: “أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ”.
٣٩ – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “إِنَّ الدَّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”.
***********
١- قوله: (“الدِّينُ يُسْرٌ”) أي: ذو يسر.
نقيض العسر، ومعناه: التخفيف.
٢- وقوله: (“وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ إِلَّا غَلَبَهُ”)
قَالَ أهل اللغة: المشادة: المغالبة ،يقال: شاده يشاده مشادة إذا غالبه وقاواه (ومعناه) : لا يتعمق أحد في الدين ويترك الرفق إلا غلبه الدين، وعجز ذَلِكَ المتعلم وانقطع عن عمله كله أو بعضه.
٣- ومعنى “سَدِّدُوا”: اقصدوا السداد في الأمور، وهو: الصواب، “وَقَارِبُوا” في العبادة، “وَأَبْشِرُوا”: أي بالثواب على العمل وإن قَلَّ،
٤- والغدوة: السير أول النهار.
قَالَ الجوهري: (الغدوة) ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس،
وفي شرح شيخنا قطب الدين أن الغدو: السير أول النهار إلى الزوال.
٥- والروحة: آخر النهار؛ وذكر ابن سيده: أنه العشي. وقيل: من لدن زوال الشمس إلى الليل، ورحنا رواحًا وتروحنا: سرنا ذَلِكَ الوقت أو عملنا.
٦- “والدُّلْجَة” -بضم الدال وإسكان اللام- ويجوز في اللغة فتحها، ويقال: بفتح اللام أيضًا، وهي بالضم: سير آخر الليل، (وبالفتح سير الليل)، وأدلج بالتخفيف: سير الليل كله، وبالتشديد: سير آخر الليل، هذا هو الأكثر.
٧- معنى الحديث:كالأبواب قبله، أن الدين اسم يقع على الأعمال، والدين والإيمان والإسلام بمعنى،
٨- والمراد بالحديث: الحث على ملازمة الرفق في الأعمال، والاقتصار على ما يطيق العامل ويمكنه المداومة عليه، وأن من شادّ الدين وتعمق انقطع وغلبه الدين وقهره.
٩- ثم أكد – صلى الله عليه وسلم – بهذا المعنى فقال: “سددوا”) إلى آخره، أي: اغتنموا أوقات نشاطكم وانبعاث نفوسكم للعبادة، وأما الدوام لا تطيقونه، واحرصوا على أوقات النشاط واستعينوا بها على تحصيل السداد والوصول إلى المراد، كما أن المسافر إذا سار الليل والنهار عجز وانقطع عن مقصده، وإذا سار غدوة -وهي أول النهار- وروحة -وهي آخره- ودلجة -وهي آخر الليل- حصل له مقصوده بغير مشقة ظاهرة، وأمكنه الدوام على ذَلِكَ.
١٠- وهذِه الأوقات الثلاثة هي أفضل أوقات المسافر للسير، فاستعيرت هذِه الأوقات لأوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة، قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” فشبه – صلى الله عليه وسلم – الإنسان في الدنيا بالمسافر، وكذا هو في الحقيقة؛ لأن الدنيا مطية الآخرة، فنبه – صلى الله عليه وسلم – على اغتنام أوقات الفراغ، وإنما قَالَ: “وشيء من الدلجة” ولم يقل: والدلجة؛ تخفيفًا عنه لمشقة عمل الليل، اللهُمَّ هون علينا هذِه الأعمال في التبكير والآصال.
اختصره ماجد بن محمد العريفي
يوم السبت ١٤-٨-١٤٣٧هـ