الرحمن الرحيم (٣)
الثالثة عشرة قوله تعالى: الرحمن الرحيم (٣) وصف نفسه تعالى بعد” رب العالمين”، بأنه” الرحمن الرحيم”، لأنه لما كان في اتصافه ب” رب العالمين” ترهيب قرنه ب” الرحمن الرحيم”، لما تضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، كما قال:” نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم «٢» “. وقال:” غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول” «٣». وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد). وقد تقدم ما في هذين الاسمين من المعاني، فلا معنى لإعادته.
القرطبي
وقوله تعالى: الرحمن الرحيم تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن الإعادة. قال القرطبي «٢» : إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب كما قال تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم [الحجر: ٤٩- ٥٠] وقوله تعالى: إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم [الأنعام: ١٦٥] قال: فالرب فيه ترهيب والرحمن الرحيم ترغيب. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته «٣» أحد» .
ابن كثير
والخامس انه ذكر الحمد وبالحمد تنال الرحمة فان أول من حمد الله تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد لله وأجيب للحال يرحمك ربك ولذلك خلقك فعلم خلقه الحمد وبين انهم ينالون رحمته بالحمد والسادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة علية مأخذها فالرحمانية والرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الإحسان لا موجب وفي ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم ولا خارج عنهما في الدنيا وفيض الاثوبة لطفا والاجزية عدلا في الآخرة ومن هذا يفهم وجه ترتيب الأوصاف الثلاثة والفرق بين الرحمن والرحيم اما باختصاص الحق بالأول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد والرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة في قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعد وفتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا الى شاب نائم وإذا أفعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم- ويحكى- ان ولد الغراب إذا خرج من القشر يكون كلحم احمر ويفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فيلتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه ولهذا قيل يا رازق النعاب في عشه واما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك وقلما يخلو أحد بل حالة له عن نوع بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة ويكون نقمة وبالعكس قال الله تعالى فعسى أن تكرهوا شيئا الآية فالاول كما قال
ان الشباب والفراغ والجده … مفسدة للمرء أي مفسده
وكل منها في الظاهر نعمة والثاني كحبس الولد في المكتب وحمله على التعلم بالضرب وكقطع اليد المتأكلة فالابله يعتبر بالظواهر والعاقل ينظر الى السرائر فما من بلية ومحنة الا وتحتها رحمة ومنحة وترك
الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف لتطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية وخلق النار لصرف الأشرار الى اعمال الأبرار وخلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام في قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية وحكمة بالغة فلولا الرحمة وسبقها للغضب لم يكن وجود الكون ولما ظهر للاسم المنعم عين واما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد الشيء اليسير سوء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن الله يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت عنى ولكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك وملح قدرك:
قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن ثلاث حضرة الظهور وحضرة البطون وحضرة الجمع وكل موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها وعلى هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء والأشقياء والمتنعمين بنفوسهم دون أبدانهم كالارواح المجردة وبالعكس والجامعين بين الامرين وكذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا في الجنة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري وان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم وعكس ذلك كالزهاد والعباد الذين لا علم لهم فان أرواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحاني لعدم المناسبة بينهم وبين الحضرات العلمية الإلهية ولهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده واقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به ورهبة مما حذروا منه واما الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظ الكامل في العلم والعمل كالرسل عليهم الصلاة والسلام ومن كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الأوليا
روح البيان
الرحمن الرحيم تقدم معناهما وبقي الكلام في إعادتهما، والنكتة فيها ظاهرة وهي أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم كجلب منفعة أو دفع مضرة، وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه. وثم نكتة أخرى وهي أن البعض يفهم من معنى الرب: الجبروت والقهر، فأراد الله تعالى أن يذكرهم برحمته وإحسانه ليجتمعوا بين اعتقاد الجلال والجمال، فذكر الرحمن وهو المفيض للنعم بسعة وتجدد لا منتهى لهما، والرحيم الثابت له وصف الرحمة لا يزايله أبدا. فكأن الله تعالى أراد أن يتحبب إلى عباده، فعرفهم أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ليعلموا أن هذه الصفة هي التي ربما يرجع إليها معنى الصفات، وليتعلقوا به ويقبلوا على اكتساب مرضاته، منشرحة صدورهم، مطمئنة قلوبهم، ولا ينافي عموم الرحمة وسبقها ما شرعه الله من العقوبات في الدنيا، وما أعده من العذاب في الآخرة للذين يتعدون الحدود، وينتهكون الحرمات، فإنه وإن سمي قهرا بالنسبة لصورته ومظهره فهو في حقيقته وغايته من الرحمة؛ لأن فيه تربية للناس وزجرا لهم عن الوقوع فيما يخرج عن حدود الشريعة الإلهية، وفي الانحراف عنها شقاؤهم وبلاؤهم، وفي الوقوف عندها سعادتهم ونعيمهم، والوالد الرءوف يربي ولده بالترغيب فيما ينفعه والإحسان عليه إذا قام به، وربما لجأ إلى الترهيب والعقوبة إذا اقتضت ذلك الحال، ولله المثل الأعلى لا إله إلا هو وإليه يرجعون.
أقول الآن: إنني لا أرى وجها للبحث في عد ذكر ” الرحمن الرحيم ” في سورة الفاتحة تكرارا أو إعادة مطلقا، أما على القول بأن البسملة ليست آية منها فظاهر، وأما على القول بأنها آية منها فيحتاج إلى بيان، وهو أن جعلها آية منها ومن كل سورة يراد به ما تقدم شرحه آنفا من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يلقنها ويبلغها للناس على أنها (أي السورة) منزلة من عند الله تعالى أنزلها برحمته لهداية خلقه، وأنه – صلى الله عليه وسلم – لا كسب له فيها ولا صنع، وإنما هو مبلغ لها بأمر الله تعالى. فهي مقدمة للسور كلها إلا سورة براءة المنزلة بالسيف، وكشف الستار عن نفاق المنافقين، فهي بلاء على من أنزل أكثرها في شأنهم لا رحمة بهم. وإذا كان المراد ببدء الفاتحة بالبسملة أنها منزلة من الله رحمة بعباده فلا ينافي ذلك أن يكون من موضوع هذه السورة بيان رحمة الله تعالى مع بيان ربوبيته للعالمين، وكونه الملك الذي يملك وحده جزاء العاملين على أعمالهم، وأنه بهذه الأسماء والصفات كان
مستحقا للحمد من عباده، كما أنه مستحق له في ذاته، ولهذا نسب الحمد إلى اسم الذات، الموصوف بهذه الصفات.
والحاصل: أن معنى الرحمة في بسملة كل سورة، هو أن السورة منزلة برحمة الله وفضله فلا يعد ما عساه يكون في أول السورة أو أثنائها من ذكر الرحمة مكررا مع ما في البسملة، وإن كان مقرونا بذكر التنزيل كأول سورة فصلت (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) (٤١: ١ – ٢) لأن الرحمة في البسملة للمعنى العام في الوحي والتنزيل، وفي السور للمعنى الخاص الذي تبينه السورة، وقد لاحظ هذا المعنى من قال: إن البسملة آية مستقلة فاصلة بين السور. وأما من قال: إنها آية من كل سورة فمراده أنها تقرأ عند الشروع في قراءتها، وأن من حلف ليقرأن سورة كذا لا يبرأ إلا إذا قرأ البسملة معها، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراءتها أيضا.
هذا – وأما حظ العبد من وصف الله بالربوبية فهو أن يحمده تعالى ويشكره باستعمال نعمه التي تتربى بها القوى الجسدية والعقلية فيما خلقت لأجله، فليحسن تربية نفسه وتربية من يوكل إليه تربيته من أهل وولد ومريد وتلميذ، وباستعمال نعمته بهداية الدين في تربية نفسه الروحية والاجتماعية، وكذا تربية من
يوكل إليه تربيتهم وألا يبغي كما بغى فرعون فيدعي أنه رب الناس، وكما بغى فراعنة كثيرون ولا يزالون يبغون بجعل أنفسهم شارعين يتحكمون في دين الناس بوضع العبادات التي لم ينزلها الله تعالى، وبقولهم: هذا حلال وهذا حرام من عند أنفسهم أو من عند أمثالهم، فيجعلون أنفسهم شركاء لله في ربوبيته. قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (٤٢: ٢١) وفسر النبي – صلى الله عليه وسلم – اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا بمثل هذا.
وأما حظ العبد من وصف الله بالرحمة فهو أن يطالب نفسه بأن يكون رحيما بكل من يراه مستحقا للرحمة من خلق الله تعالى حتى الحيوان الأعجم، وأن يتذكر دائما أنه يستحق بذلك رحمة الله تعالى، قال – صلى الله عليه وسلم -: ” إنما يرحم الله من عباده الرحماء ” رواه الطبراني عن جرير بسند صحيح، وقال: ” الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ” رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث ابن عمر، ورويناه مسلسلا بالأولية من طريق الشيخ أبي المحاسن محمد القاوقجي الطرابلسي الشامي. وقال – صلى الله عليه وسلم -: ” من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة ” رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني عن أبي أمامة، وأشار السيوطي في الجامع الصغير إلى صحته. ومما يدل على الترغيب في رحمة الحيوان والرفق به بغير لفظ الرحمة حديث: ” في كل ذات كبد حرى أجر ” رواه أحمد وابن ماجه عن سراقة بن مالك، وأحمد أيضا عن عبد الله بن عمرو. وهو حديث صحيح.
ومن مباحث اللغة أن لفظ الرحمن خاص بالله تعالى كلفظ الجلالة. قالوا: لم يسمع عن أحد من العرب أنه أطلقه على غير الله تعالى، وكذلك لفظ ” رحمن ” غير معرف، قالوا: لم يرد إطلاقه على غير الله تعالى إلا في شعر لبعض الذين فتنوا بمسيلمة الكذاب قال فيه: ”
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
” وقيل: إن هذا تعنت وغلو لا من الاستعمال المعروف عند العرب، وأما العرب فكانت تطلق لفظ رب على الناس، يقولون: رب الدار ورب هذه الأنعام مثلا لا رب الأنعام مطلقا. قال عبد المطلب في يوم الفيل: أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فإن له ربا يحميه، وقال
تعالى في حكاية قول يوسف عليه السلام في مولاه عزيز مصر: (إنه ربي أحسن مثواي) (١٢: ٢٣) ويرى بعض العلماء أن هذا الاستعمال ممنوع في الإسلام، واستدل بالنهي في الحديث عن قول المملوك لسيده ” ربي ” والصواب أن يمنع ما ورد النص به كهذا الاستعمال، وما من شأنه ألا يقال إلا في البارئ تعالى كلفظ الرب بالتعريف مطلقا، ولفظ رب الناس، رب المخلوقات، رب العالمين، وما أشبه ذلك.
المنار
الرحمن الرحيم) قد سبق أن قلنا: إن معنى الرحمن المفيض للنعم المحسن على عباده
بلا حصر ولا نهاية، وهذا اللفظ خاص بالله تعالى ولم يسمع عن العرب إطلاقه على غيره تعالى إلا فى شعر لبعض من فتن بمسيلمة الكذاب:
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا … وأنت غيث الورى لازلت رحمانا
والرحيم هو الثابت له صفة الرحمة التي عنها يكون الإحسان.
وقد ذكر سبحانه هذين الوصفين ليبين لعباده أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان، ليقبلوا على عمل ما يرضيه وهم مطمئنو النفوس منشر حو الصدور، لا ربوبية جبروت وقهر لهم.
والعقوبات التي شرعها الله لعباده فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة لمن تعدى حدوده وانتهك حرماته- هى قهر فى الظاهر ورحمة فى الحقيقة، لأنها تربية للناس وزجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادة التي شرعها لهم إذ في اتباعها سعادتهم ونعيمهم، وفى تجاوزها شقاؤهم وبلاؤهم، ألا ترى إلى الوالد الرءوف كيف يربى أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع والإحسان إليهم إذا لزموا الجادة، فإذا هم حادوا عن الصراط السوي لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا، قال أبو تمام:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما … فليقس أحيانا على من يرحم
المراغي
الرحمن الرحيم.
وصفان مشتقان من رحم، وفي «تفسير القرطبي» عن ابن الأنباري عن المبرد أن الرحمن اسم عبراني نقل إلى العربية قال وأصله بالخاء المعجمة (أي فأبدلت خاؤه حاء مهملة عند أكثر العرب كشأن التغيير في التعريب) وأنشد على ذلك قول جرير يخاطب الأخطل:
أو تتركن إلى القسيس هجرتكم … ومسحكم صلبكم رخمان قربانا
(الرواية بالخاء المعجمة) ولم يأت المبرد بحجة على ما زعمه، ولم لا يكون الرحمن عربيا كما كان عبرانيا فإن العربية والعبرانية أختان وربما كانت العربية الأصلية
أقدم من العبرانية ولعل الذي جرأه على ادعاء أن الرحمن اسم عبراني ما حكاه القرآن عن المشركين في قوله: قالوا وما الرحمن [الفرقان: ٦٠] ويقتضي أن العرب لم يكونوا يعلمون هذا الاسم لله تعالى كما سيأتي بعض عرب اليمن يقولون رخم رخمة بالمعجمة.
واسم الرحمة موضوع في اللغة العربية لرقة الخاطر وانعطافه نحو حي بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق.
فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال، ولتلك الكيفية اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجودية بقدر استطاعته وعلى قدر قوة انفعاله، فأصل الرحمة من مقولة الانفعال وآثارها من مقولة الفعل، فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه، وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدر عنه أثر من آثار الرحمة، إذ لا تكون تعدية فعل رحم إلى المرحوم إلا على هذا المعنى فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها. فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشىء على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل، وكان أكثر الأمم مجسمة ثم يجيء ذلك
في لسان الشرائع تعبيرا عن المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن:
ليس كمثله شيء [الشورى: ١١] فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمن الرحيم لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض، بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة لأن ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه.
وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في «المقصد الأسنى» بقوله: «الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرحمة والرقة ولكنه ناقص» . وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله عن لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله تعالى كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن
الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل، وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون، ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة.
فوصفه تعالى بالرحمن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله:
ورحمتي وسعت كل شيء [الأعراف: ١٥٦] فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالب الأسماء الحسنى من هذا القبيل.
وأما المتشابه فهو ما كانت دلالته على المعنى المنزه عنه أقوى وأشد وسيأتي في سورة آل عمران [٧] عند قوله تعالى: وأخر متشابهات. والذي ذهب إليه صاحب «الكشاف» وكثير من المحققين أن الرحمن صفة مشبهة كغضبان وبذلك مثله في «الكشاف» .
وفعل رحم وإن كان متعديا والصفة المشبهة إنما تصاغ من فعل لازم إلا أن الفعل المتعدي إذا صار كالسجية لموصوفه ينزل منزلة أفعال الغرائز فيحول من فعل بفتح العين أو كسرها إلى فعل بضم العين للدلالة على أنه صار سجية كما قالوا فقه الرجل وظرف وفهم، ثم تشتق منه بعد ذلك الصفة المشبهة، ومثله كثير في الكلام، وإنما يعرف هذا التحويل بأحد أمرين
إما بسماع الفعل المحول مثل فقه وإما بوجود أثره وهو الصفة المشبهة مثل بليغ إذا صارت البلاغة سجية له، مع عدم أو قلة سماع بلغ. ومن هذا رحمن إذ لم يسمع رحم بالضم. ومن النحاة من منع أن يكون الرحمن صفة مشبهة بناء على أن الفعل المشتق هو منه فعل متعد وإليه مال ابن مالك في «شرح التسهيل» في باب الصفة المشبهة ونظره برب وملك..
وأما الرحيم فذهب سيبويه إلى أنه من أمثلة المبالغة وهو باق على دلالته على التعدي وصاحب «الكشاف» والجمهور لم يثبتوا في أمثلة المبالغة وزن فعيل فالرحيم عندهم صفة مشبهة أيضا مثل مريض وسقيم، والمبالغة حاصلة فيه على كلا الاعتبارين.
والحق ما ذهب إليه سيبويه.
ولا خلاف بين أهل اللغة في أن الوصفين دالان على المبالغة في صفة الرحمة أي تمكنها وتعلقها بكثير من المرحومين وإنما الخلاف في طريقة استفادة المبالغة منهما وهل هما مترادفان في الوصف بصفة الرحمة أو بينهما فارق؟ والحق أن استفادة المبالغة حاصلة من تتبع الاستعمال وأن الاستعمال جرى على نكتة في مراعاة واضعي اللغة زيادة المبنى لقصد زيادة في معنى المادة قال في «الكشاف» : «ويقولون إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى وقال الزجاج في الغضبان هو الممتلئ غضبا ومما طن على أذني من ملح العرب
أنهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق فقلت في طريق الطائف لرجل منهم ما اسم هذا المحمل- أردت المحمل العراقي- فقال أليس ذاك اسمه الشقندف؟ قلت بلى فقال هذا اسمه الشقنداف فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى» وهي قاعدة أغلبية لا تتخلف إلا في زيادات معروفة موضوعة لزيادة معنى جديد دون زيادة في أصل معنى المادة مثل زيادة ياء التصغير فقد أفادت معنى زائدا على أصل المادة وليس زيادة في معنى المادة. وأما نحو حذر الذي هو من أمثلة المبالغة وهو أقل حروفا من حاذر فهو من مستثنيات القاعدة لأنها أغلبية.
وبعد كون كل من صفتي الرحمن الرحيم دالة على المبالغة في اتصافه تعالى بالرحمة فقد قال الجمهور إن الرحمن أبلغ من الرحيم بناء على أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى وإلى ذلك ما جمهور المحققين مثل أبي عبيدة وابن جني والزجاج والزمخشري وعلى رعي هذه القاعدة أعني أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى فقد شاع ورود إشكال على وجه إرداف وصفه الرحمن بوصفه بالرحيم مع أن شأن أهل البلاغة إذا أجروا وصفين في معنى واحد على موصوف في مقام الكمال أن يرتقوا من الأعم إلى الأخص ومن القوي إلى الأقوى كقولهم شجاع باسل
وجواد فياض، وعالم نحرير، وخطيب مصقع، وشاعر مفلق، وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمن إلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمن أخص من الرحيم فتعقيب الأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمن مختصا به تعالى وكان أول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفا عند العرب كما سيأتي. ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو من أمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى في حق رسوله بالمؤمنين رؤف رحيم [التوبة: ١٢٨] فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى:
وتقديم الرحمن على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الاتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها. وينسب إلى قطرب أن الرحمن والرحيم يدلان على معنى واحد من الصفة المشبهة فهما متساويان وجعل الجمع بينهما في الآية من قبيل التوكيد اللفظي ومال إليه الزجاج وهو وجه ضعيف إذ التوكيد خلاف الأصل والتأسيس خير من التأكيد والمقام هنا بعيد عن مقتضى التوكيد. وقد ذكرت وجوه في الجمع بين الصفتين ليست بمقنعة.
وقد ذكر جمهور الأئمة أن وصف الرحمن لم يطلق في كلام العرب قبل الإسلام وأن القرآن هو الذي جاء به صفة لله تعالى فلذلك اختص به تعالى حتى قيل إنه اسم له وليس بصفة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن [الفرقان: ٦٠] وقال: وهم يكفرون بالرحمن [الرعد: ٣٠] وقد تكرر مثل هاتين الآيتين في القرآن وخاصة في السور المكية مثل سورة الفرقان وسورة الملك وقد ذكر الرحمن في سورة الملك باسمه الظاهر وضميره ثماني مرات مما يفيد الاهتمام بتقرير هذا الاسم لله تعالى في نفوس السامعين فالظاهر أن هذا الوصف تنوسي في كلامهم، أو أنكروا أن يكون من أسماء الله.
ومن دقائق القرآن أنه آثر اسم الرحمن في قوله: ما يمسكهن إلا الرحمن في سورة الملك [١٩] ، وقال: ما يمسكهن إلا الله في سورة النحل [٧٩] إذ كانت آية سورة الملك مكية وآية سورة النحل القدر النازل بالمدينة من تلك السورة، وأما قول بعض شعراء بني حنيفة في مسيلمة:
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا … وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فإنما قاله بعد مجيء الإسلام وفي أيام ردة أهل اليمامة، وقد لقبوا مسيلمة أيامئذ رحمن اليمامة وذلك من غلوهم في الكفر. وإجراء هذين الوصفين العليين على اسم الجلالة بعد
وصفه بأنه رب العالمين لمناسبة ظاهرة للبليغ لأنه بعد أن وصف بما هو مقتضى استحقاقه الحمد من كونه رب العالمين أي مدبر شؤونهم ومبلغهم إلى كمالهم في الوجودين الجثماني والروحاني، ناسب أن يتبع ذلك بوصفه بالرحمن أي الذي الرحمة له وصف ذاتي تصدر عنه آثاره بعموم واطراد على ما تقدم، فلما كان ربا للعالمين وكان المربوبون ضعفاء كان احتياجهم للرحمة واضحا وكان ترقبهم إياها من الموصوف بها بالذات ناجحا.
فإن قلت إن الربوبية تقتضي الرحمة لأنها إبلاغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وذلك يجمع النعم كلها، فلما ذا احتيج إلى ذكر كونه رحمانا؟ قلت لأن الرحمة تتضمن أن ذلك الإبلاغ إلى الكمال لم يكن على وجه الإعنات بل كان برعاية ما يناسب كل نوع وفرد ويلائم طوقه واستعداده، فكانت الربوبية نعمة، والنعمة قد تحصل بضرب من الشدة والأذى، فأتبع ذلك بوصفه بالرحمن تنبيها على أن تلك النعم الجليلة وصلت إلينا بطريق الرفق واليسر ونفي الحرج، حتى في أحكام التكاليف والمناهي والزواجر فإنها مرفوقة
باليسر بقدر ما لا يبطل المقصود منها، فمعظم تدبيره تعالى بنا هو رحمات ظاهرة كالتمكين من الأرض وتيسير منافعها، ومنه ما رحمته بمراعاة اليسر بقدر الإمكان مثل التكاليف الراجعة إلى منافعنا كالطهارة وبث مكارم الأخلاق، ومنها ما منفعته للجمهور فتتبعها رحمات الجميع لأن في رحمة الجمهور رحمة بالبقية في انتظام الأحوال كالزكاة.
وقد اختلف في أن لفظ رحمن لو لم يقرن بلام التعريف هل يصرف أو يمنع من الصرف؟ قال في «الكافية» : «النون والألف إذا كانا في صفة فشرط منعه من الصرف انتفاء فعلانة، وقيل وجود فعلى، ومن ثم اختلف في رحمن، وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة» واختار الزمخشري والرضي وابن مالك عدم صرفه.
عاشور
قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)
هما وصفان لله تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ; لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وعلى هذا أكثر العلماء. وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا. وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه، كما قاله ابن كثير، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثير وغيره، إنه قال عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم
الآخرة. وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال: (ثم استوى على العرش الرحمن) ، وقال: (الرحمن على العرش استوى) ، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، قاله ابن كثير. ومثله قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن) أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن) إلى قوله: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ، وقال: (وكان بالمؤمنين رحيما) فخصهم باسمه الرحيم. فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم: «رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما» . فالظاهر في الجواب، والله أعلم، أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الآخرة؛ بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا، فيكون معنى: «رحيمهما» رحمته بالمؤمنين فيهما.
والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضا: أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا. وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا، وكذلك قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) [٩ \ ١١٧] فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحم الجارة للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا. والعلم عند الله تعالى.
اضواء البيان
فاذا انتقلنا الى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم. . يعطي نعمه في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبية، وعطاء الربوبية للمؤمن والكافر. . وعطاء الربوبية لا ينقطع الا عندما يموت الانسان. .
والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا. . ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الالكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول انا سأحصي نعم الله. . لأن موجبات الاحصاء ان تكون قادرا عليه. . فانت لا تقبل على عد شيء الا اذا كان في قدرتك ان تحصيه. . ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فانك لا تقبل عليه. . ولذلك لن يقبل احد حتى يوم القيامة على احصاء نعم الله تبارك وتعالى لان احدا لا يمكن ان يحصيها.
ولابد ان نلتفت الى ان الكون كله يضيق بالانسان، وان العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين. . لان المقهور مستقيم على منهج الله قهرا. . فحين يرى كل مقهور الانسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق.
واقرأ الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة الله بعباده. . يقول الله عز وجل: «ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إئذن لي أن أسقط كسفا على ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع شكرك وتقول البحار يا رب إئذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول الجبال يا رب إئذن لي أن أطبق على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى: دعوهم دعوهم لو خلقتموهم
لرحمتوهم إنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم»
رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده «.
تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم. . وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الانسان. . انها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لانه رحمن رحيم. .
بعض الناس قد يتساءل هل تتكلم الارض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم ان لها لغة لا نعرفها نحن وانما يعرفها خالقها. . بدليل انه منذ الخلق الاول ابلغنا الحق تبارك وتعالى ان هناك لغة لكل هذه المخلوقات. . واقرأ قوله جل جلاله: {ثم استوى إلى السمآء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتآ أتينا طآئعين} [فصلت: ١١] إذن فالأرض والسماء فهمت كلتاهما عن الله. . وقالت له سبحانه وتعالى {أتينا طآئعين} ألم يعلم الله سليمان منطق الطير ولغة النمل؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له. . بل له عواطف. . فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون. . قال: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السمآء والأرض وما كانوا منظرين} [الدخان: ٢٥ – ٢٩] اذن فالسماوات والارض لهما انفعال. . انفعال يصل الى مرحلة البكاء. . فهما لم تبكيا على فرعون وقومه. . ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الانسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله. . ولقد قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن
بكى عليه موضعان موضع في الارض وموضع في السماء. . اما الموضع في الارض فهو مكان مصلاه الذي اسعده وهو يصلي فيه. واما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب) .