القول في تأويل(بسم الله الرحمن الرحيم)
قال الطبري”فمعنى قوله “بسم الله”: أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء”. أ.هـ
فالقرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها نزل مقرونا بسم الله سبحانه وتعالى ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها الله تبارك وتعالى وهي أن تكون البداية بسم الله. وأول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانت {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} .
ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية.
“اقرأ باسم ربك” فيه اشارة إلى أن محمدا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة، ولكنه يقرؤه باسم الله مستعينا بالله، ومادام بسم الله، فلا يهم أن يكون رسول الله ﷺ تعلم من بشر أو لم يتعلم. لأن الذي علمه هو الله، وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.
على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله، لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا، ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه، فالأمر لله علما وقدرة ومعرفة،
واقرأ قول الله سبحانه وتعالى: {قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [يونس: ١٦] لذلك أنت تقرأ القرآن باسم الله. . لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاما وتنزيلا وقراءة.
فالله عز وجل أدّب نبيه محمدًا ﷺ بتعليمه تقديمَ ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلَّمه إياه، منه لجميع خلقه سُنَّةً يستَنُّون بها ، وسبيلا يتَّبعونه عليها.
فحين نزرع الأرض مثلا. . نبدأ بسم الله نستعين بالله . لأننا لم نخلق الأرض التي نحرثها. . ولا خلقنا البذرة التي نبذرها. ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع.
إن “الفلّاح” الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع، ومع ذلك تنبت الارض ويقطف الثمار.
فالانسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار، ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة. ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء.
فكأنه حين يبدأ العمل باسم الله، يبدؤه باسم الله الذي سخر له الأرض، وسخر له الحب، وسخر له الماء، وكلها لا قدرة له عليها، ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته، فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا باسم من سخرها له.
حينما تقول بسم الله تكون بذلك في حال من التبرك بتقديم اسمه جل جلاله وتقدست اسماءه ،
كذلك ايضا حصرت الاستعانه به فعندما تقول بسم الله اي بسم الله ابدؤ لا ابدؤ باسم غيره او لا استعين بغيره .
فأنت حين تبدأ كل شيء باسم الله، كأنك تجعل الله في جانبك ليعينك ،
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسم” الله”، لأن “الله” هو الاسم الجامع لصفات الكمال سبحانه وتعالى،
فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلى قدرة الله وإلى عونه وإلى رحمته، فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات، كان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأن نقول باسم القوي وباسم الرازق وباسم المجيب وباسم القادر وباسم النافع، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها، ولكن الله تبارك وتعالى جعلنا نقول بسم الله الجامع لكل هذه الصفات.
فاسم” الله” المتضمن صفة الأولهية هي اوسع الصفات على الاطلاق فهي تتضمن كل صفات الكمال من الربوبية والألوهية، وذلك أنه لا يكون المألوه أو لايصلح ان يكون الإله إلا من كان متصف بجميع صفات الكمال ، فالإله هو الذي تأله القلوب محبة وخوفا ورجاء وتعظيما وتعبدا له ، والاستعانة هنا عبادة من العبادات فتوجيه ذلك الى تبارك وتعالى هذا من توحيده في العبادة جل جلاله وتقدست اسماءه .
ثم إن الله عز وجل خص صفة الرحمن الرحيم المشتقتان من الرحمة ،
فالرحمن هو الذي علمنا القران رحمة بنا، ( الرحمن علم القران ) ليربينا على عبادته ، ولهذا خص (الرحمن) بعد ذكر (الله)
و(الرحيم ) يذكرنا دائما أنه يحنو علينا ويرزقنا ويعيننا مهما عصينا، ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد آخر، فلا يأخذنا بذنوبنا ولا يحرمنا من نعمه، ولا يهلكنا بما فعلنا.
قال الرسول ﷺ ” لن يُنجِّيَ أحدًا منكم عملُه . قالوا : ولا أنت يا رسولَ اللهِ ؟ قال : ولا أنا ، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ برحمةٍ ، سدِّدوا وقارِبوا ، واغدوا وروحوا ، وشيءٌ من الدُّلجةِ ، والقصدَ القصدَ تبلُغوا ”
لأن عمل الإنسان مهما بلغ، فلن يساوي شيئًا من نِعَم الله عليه في الدنيا، فضلاً عن الآخرة؛
فنحن عندما نبدأ تلاوة القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم نتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا فنرفع أيدينا إلى السماء ونقول يا رب رحمتك تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا، وتقبل منا برحمتك
وبذلك يظل قارئ القرآن متصلا بأبواب رحمة الله كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود اليه. . فمادام الله رحمانا ورحيما لا تغلق أبواب الرحمة أبدا.
فمعنى بسم الله الرحمن الرحيم
استعين بالله وحده تألها وتعبدا لا استعين بسواه فهو المستحق للعبادة راجيا ان يتقبل عملي وعبادتي رحمة بي .
(بسم الله الرحمن الرحيم)
والكلام على البسملة من وجوه:
1- من الآثر الواردة في البسملة:
أ- ذكر ابن سعد في طبقاته عن الشعبي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كما تكتب قريش: باسمك اللهم حتى نزلت عليه {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَاوَمُرْسَاهَا} [هود: ٤١] فكتب: بسم الله حتى نزلت عليه: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: ١١٠] فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت عليه: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: ٣٠] فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم
ب- وعنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ كانَ النَّبيُّ ﷺ لا يعرِفُ فصلَ السُّورةِ حتَّى تنزَّلَ عليْهِ بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ .
2- ذكر الاثار الواردة في تفسير البسملة
أ- قال ابن عباس: “بسم الله”، يقول له جبريلُ: يا محمد، اقرأ بذكر الله ربِّك، وقم واقعد بذكر الله .
ب- وعن ابن عباس: “الله” هو الذي يَألَهه كل شيء، ويعبده كل خلْقٍ.
ج- وعنه أيضا قال: “الله” ذو الألوهية والمَعْبودية على خلقه أجمعين.
د- ذكر الواحدي عن أبي الفضل المنذري ، قال: سألت أبا الهيثم خالد بن يزيد الرازي، عن اشتقاق اسم (الله) في اللغة، فقال (الله) أصله (إلاه)، قال الله جل ذكره: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: ٩١] ولا يكون إلهًا حتى يكون معبودًا، وحتى يكون لعابده خالقًا، ورازقًا، ومدبرًا، وعليه مقتدرًا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عَبِدَ ظلما، بل هو مخلوق ومتعبد.
هـ- وعن ابن عباس “الرّحمن الرحيم: الرقيقُ الرفيقُ بمن أحبَّ أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه”.
و- وقال أيضا “هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر”.
ز-وقال أبو عبيدة: هما صفتان لله تعالى، معناهما ذو الرحمة
ح- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال {الرحمن} لجميع الخلق و {الرحيم} بالمؤمنين خاصة
3- الباء في بسم الله للإستعانة قال ﷺ” لا تقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ ، فإنَّكَ إذا قُلْتَ : تَعِسَ الشَّيْطَانُ ، تَعَاظَمَ في نفسِهِ ، وقال : صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي ، وإذا قُلْتُ : بسمِ اللهِ ، تَصاغَرَتْ إليهِ نفسُهُ حتى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ ذُّبابِ”
4- الاسم مشتق من السمو ، والسمو: العلو، كأن الِاسم يعلو مسمَّاه بكونه عنوانًا له ودليلًا عليه. وهذا مارجحه اكثر المفسرون.
5- قال الاصفهاني “اعلم أن اسماء الله تعالى كلها مشتقة باتفاق أهل اللغة إلا لفظة الله، فإنه مختلف فيها.
فبعضهم جعلها كالعلم مستدلاً بأنه يوصف ولا يوصف به كالأسماء الأعلام، ويقوي ذلك إنه يقال بالتنوين – إلاهاً – ولأنه قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، ويعني به ” الله “.
وآخرون قالوا هو مشتق، ثم اختلف بعد ذلك فيها” . أ.هـ
قال الثعلبي ” وأكثر العلماء على أنه مشتق واختلفوا في اشتقاقه، فقال النضر بن إسماعيل: هو من التألّه، وهو التنسّك والتعبّد، قال رؤبة:
لله در الغانيات المدّه … سبحن واسترجعن من تألهي
ويقال: أله إلاهة، كما يقال: عبد عبادة. وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلهتك) أي عبادتك فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة. أ.هـ
قال الطبري ” لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل – يصف رجلا بعبادة، وبطلب مما عند الله جل ذكره: “تألَّه فلان” – بالصحة ولا خلاف . أ.هـ
وذكر ايضا ” ولا شك أنّ “التألُّه”، التفعُّل من: “ألَه يأله”، وأن معنى “أله” – إذا نُطق به:- عَبَدَ اللهَ. وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب “فعل يفعل” بغير زيادة.
عن ابن عباس: أنه قرأ (وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ) [سورة الأعراف: ١٢٧] قال: عبادتَك، ويقال: إنه كان يُعبَد ولا يَعبُد.
عن ابن عباس: (وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَك) ، قال: إنما كان فرعونُ يُعبَد ولا يَعبُد
وكذلك كان عبدُ الله يقرؤها ومجاهد.
عن مجاهد: قوله “ويذرَكَ وإلاهتك” قال: وعبادتَك ولا شك أن الإلاهة – على ما فسره ابن عباس ومجاهد – مصدرٌ من قول القائل: ألَه اللهَ فلانٌ إلاهةً، كما يقال : عَبَد الله فلانٌ عبادةً، وعَبَرَ الرؤيا عبارةً. فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا: أنّ “أله” عَبد، وأن “الإلاهة” مصدرُه. أ.هـ
6- قال ابن فارس في المقاييس “(رحم) الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة.
يقال من ذلك رحمه يرحمه، إذا رق له وتعطف عليه.
والرحم والمرحمة والرحمة بمعنى “.
7- الرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دل عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنة من إثبات الرحمة لله. وهو كثير جدا؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله..
8- قال ابن الحصار: ومما يدل على الاشتقاق الرحمن الرحيم ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن ابن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي “. وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق.
9- اختلف العلماء في معنى (الرحمن الرحيم) اذا اجتمعت
أ- فقال: بعضهم الرحمن على زنة فعلان، وهو لا يقع إلا على مبالغة القول. وقولك: رجل غضبان للممتلئ غضبا، وسكران لمن غلب عليه الشراب.
قال صاحب اضواء البيان :
” والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ; لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وعلى هذا أكثر العلماء. وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا. وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه، كما قاله ابن كثير، وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال: (ثم استوى على العرش الرحمن) ، وقال: (الرحمن على العرش استوى) ، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، قاله ابن كثير. ومثله قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن) أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن) إلى قوله: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ، وقال: (وكان بالمؤمنين رحيما) فخصهم باسمه الرحيم. فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم: «رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما» . فالظاهر في الجواب، والله أعلم، أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الآخرة؛ بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا، فيكون معنى: «رحيمهما» رحمته بالمؤمنين فيهما.
والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضا: أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا. وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا، وكذلك قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحم الجارة للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا. والعلم عند الله تعالى” .أ.هـ
واشار خالد السبت على ضعف قول تخصيص الرحيم بالمؤمنين بقول الله تعالى عز وجل قال ” إن الله بالناس لرؤف رحيم” رحيم بالناس عموم الناس فما خص ذلك بأهل الإيمان .
ب- وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، وكأن الأول الوصف والثاني الفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته أي صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، أي صفة فعل له سبحانه، فإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) ، (إنه بهم رءوف رحيم) ولم يجيء قط رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين، ، فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة. ورحيم هو الراحم برحمته.
قال بن عثيمين: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾: والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة، والرحيم هو ذو الرحمة الواصلة؛ فالرحمن وصفه؛ والرحيم فعلُه؛ ولو أنه جيء بـ”الرحمن” وحدَه، أو بـ”الرحيم” وحده؛ لشمل الوصف والفعل؛ لكن إذا اقترنا فسِّر ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ بالوصف؛ و﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بالفعل[4]”؛ اهـ.
واول من قال بهذا القول هو ابن القيم ورجحه ابن عثيمين والطنطاوي وخالد السبت .
10- قال ابن عثيمين” قد أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعما منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: “لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عز وجل”؛ والرد عليهم من وجهين:.
الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار..
الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصا بوجه من الوجوه..
ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عز وجل، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بينها يدل على رحمة الله عز وجل؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها. كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك. يدل على رحمة الله..
والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية
بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلا على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عاميا صباح ليلة المطر: “بم مطرنا؟ “، لقال: “بفضل الله، ورحمته”..
11– قال الطبري ” وإن قال لنا قائل: ولم قدم اسم الله الذي هو “الله”، على اسمه الذي هو “الرحمن”، واسمه الذي هو “الرحمن”، على اسمه الذي هو “الرحيم”؟
قيل: لأن من شأن العرب، إذا أرادوا الخبر عن مخبر عنه، أن يقدموا اسمه، ثم يتبعوه صفاته ونعوته. وهذا هو الواجب في الحكم: أن يكون الاسم مقدما قبل نعته وصفته، ليعلم السامع الخبر، عمن الخبر.
فإذا كان ذلك كذلك – وكان لله جل ذكره أسماء قد حرم على خلقه أن يتسموا بها، خص بها نفسه دونهم، وذلك مثل “الله” و “الرحمن” و “الخالق”؛ وأسماء أباح لهم أن يسمي بعضهم بعضا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء – كان الواجب أن تقدم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه، ليعرف السامع ذلك من توجه إليه الحمد والتمجيد، ثم يتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره، بعد علم المخاطب أو السامع من توجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني. فبدأ الله جل ذكره باسمه الذي هو “الله”، لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه
ثم ثنى باسمه، الذي هو الرحمن، إذ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به،
وأما اسمه الذي هو”الرحيم” فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به. والرحمة من صفاته جل ذكره، فكان واقعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي هن توابعها، بعد تقدم الأسماء عليها.أ.هـ بتصرف
11- قلت: تخصيص الرحمن الرحيم بعد اسم الله عند بداية السورة فيه اشارة الى ان القران هو رحمة للبشر قال تعالى ( الرحمن علم القران) وقال جل وعلا (تنزيل من الرحمن الرحيم)
قشور البحث
وأقصد بالقشور هي ما بقي من مسودة البحث.
1- رجح ابن باز ان البسملة ليست آية في الفاتحة إنما هي بعض اية من سورة النمل ووافقه عبدالعزيز الراجحي في شرحه على بن كثير فقال ” والصواب أنها سبع آيات، بغير البسملة، فالآية الأولى: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:١]، والآية الثانية: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة:٢]، والآية الثالثة: {مالك يوم الدين} [الفاتحة:٣]، والآية الرابعة: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة:٤]، والآية الخامسة: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة:٥]، والآية السادسة: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة:٦]، والآية السابعة: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة:٧]، فهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم.
ويدل عليه قول الله تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:١]) ولم يقل: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، بل ابتدأ بالحمد.أ.هـ
2- ذكر صاحب غرائب القران قصص غريبة في مجمل حديثه عن البسملة ليس لها علاقة بالتفسير .
3- نقل ابن عاشور عن محمد عبده ان البسملة هي ردا على النصارى لأنهم يبدؤون ادعيتهم باسم الاب والابن وروح القدس ، ليته لم يذكر هذه المقولة في كتابه التحرير ولكن هذه سنة الله في خلقه فالكمال لله وحده.
4- تعلق “الباء” بمحذوف واختلف النحاة في تقديره الى ابدؤا بسم الله، أو اقرؤا بسم الله ، ابتدائي بسم الله ، أو قراءتي بسم الله، أو بسم الله اقرأ ، أو بسم الله ابدأ ، أو بسم الله قرائتي ، أو بسم الله ابتدائي .
وعلى كل حال فأمر هذه المسألة سهل، فالمطلوب منك أن تقول: بسم الله ودع عنك هذه التقديرات يقدرها من شاء كيف شاء. قاله خالد السبت
5- قال بعض العلماء : طولوا الباء من بسم الله إما للدلالة على همزة الوصل المحذوفة، وإما لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب الله إلا بحرف معظم. وكان يقول عمر بن عبد العزيز لكتابه: “طولوا الباء وأظهروا السين ودوّروا الميم تعظيما لكتاب الله”
وإما لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب الله إلّا بحرف مفخّم معظّم.
واعترض ابن عاشور على هذا كله وقال عنه انه غير مقنع، وأتى بسبب غير مقنع ولادليل عليه ولا منطق.
6- وإنما قال بسم الله ولم يقل بالله، لأن التبرك والاستعانة بذكر اسمه.
7- ذكر صاحب كتاب روح البيان ” الحكمة والسر في ان الله تعالى افتتح كتابه بحرف الباء وجعلها في عشر معاني، وقد عَمِهَ فيها، فليته لم يذكرها ولم يعرض علينا عقله فيها” .
8- قال نحويو الكوفة: (الاسم) مشتق من السمة، وهي العلامة،
9- اختار ابن تيمية ان الاسم للمسمى
10- اختلف النحويون في علة حذف الألف من الخط في {بِسمِ الله}؛ فقال الخليل: إنما حذفت الألف في قوله: {بسم الله} لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في قوله: {اقرأ باسم رَبّكَ}.
لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في {بسم الله} لأنه يمكن حذف الباء من: {اقرأ باسم رَبّكَ} مع بقاء المعنى صحيحًا، فإنك لو قلت اقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من {بسم الله} لم يصح المعنى فظهر الفرق.
وقال الكسائي والفراء: ” حذفت لكثرة الاستعمال “.
وقال الأخفش ” حذفت لعدمها من اللفظ.
11- ذكر الثعلبي “( اللَّهِ ) أصله (إله) في قول أهل الكوفة، فأدخلت الألف واللام فيها تفخيما وتعظيما لما كان اسم الله عزّ وجلّ، فصار (الإله) ، فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسن، وحوّلت هويتها إلى لام التعظيم فالتقى لامان، فأدغمت الأولى في الثانية، فقالوا (الله) .
وقال بعضهم: أدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في (إله) ، فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة لو أجريت على الأصل، ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرّفة من حروف التشبيه، فلم يقولوا: يا أيها الله. أ.هـ
12- وذكر الثعلبي اقوالا اخرى للمعاني التي اشتق منها اسم(الله) غير “التأله ” وهي :
أ – الاعتماد ،
ب – (ألهت في الشيء) إذا تحيّرت فيه فلم تهتد إليه.
ج – (ألهت إلى فلان) أي سكنت إليه.
د – (الوله) وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك.
هـ – قيل معناه محتجب لأن العرب إذا عرفت شيئا، ثم حجب عن أبصارها سمّته إلها.
و – وقيل: معناه المتعالي، يقال: (لاه) أي ارتفع.
ز – وقيل: هو مأخوذ من قول العرب: ألهت بالمكان، إذا أقمت فيه، فكأن معناه: الدائم الثابت الباقي.
ح – وذكر قولا للمحاسبي لم يستند عليه بشيء سوا تخيلاته التي يعمه بها.
13– قال النيسابوري في غرائب القران ورغائب الفرقان ” المختار عند الخليل ومتابعيه وعند أكثر الأصوليين والفقهاء أن هذا اللفظ ليس بمشتق البتة، وأنه اسم علم له سبحانه وتعالى. لأنه لو كان مشتقا لكان معناه معنى كليا لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه، وحينئذ لا يكون قولنا «إلا الله» موجبا للتوحيد المحض. فلا يدخل الكافر بقوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» في الإسلام كما لو قال: «أشهد أن لا إله إلا الرحمن» أو «إلا الملك» لا يدخل بذلك في الإسلام بالاتفاق. وأيضا الترتيب العقلي ذكر الذات ثم تعقيبه بالصفات نحو: زيد الفقيه الأصولي النحوي. ثم إنا نقول: الله الرحمن الرحيم العالم القادر ولا نقول بالعكس، فدل ذلك على أن «الله» اسم علم. وقراءة من قرأ { إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ }[إبراهيم: ١، ٢] بخفض اسم الله ليست لأجل أن جعله وصفا وإنما هو للبيان، فوازنه وزان قولك: «مررت بالعالم الفاضل الكامل زيد» . وأيضا قال تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: ٦٥] وليس المراد به الصفة والإلزام خلاف الواقع، فوجب أن يكون المراد اسم العلم وليس ذلك إلا الله ” .
14- من يرجح ان لفظ الجلالة ( الله ) مشتق هم ابن عباس والضحاك ومجاهد والنضر بن إسماعيل وأبو عمرو بن العلاء والمبرد وابو الهيثم الرازي والطبري والثعلبي الواحدي والحلبي والراجحي وخالد السبت .
15- ومن يرجح ان لفظ الجلالة (الله) غير مشتق الخليل والكسائي والشافعي وأبو المعالي و الخطابي والغزالي والمفضل والرازي والخازن وفيروزآبادي والنيسابوري وصديق حسن خان .
16- كنت اعجب من قول الزجاج عندما قال في تفسيره : “وأكْرهُ أنْ أذكر جميع ما قال النحويون في اسم اللَّه أعني قولنا (اللَّه) تنزيهاً للَّهِ عزَّ وجلَّ.”
حتى قرأت ما ذكر الكرماني في كتابه غرائب التفسير وعجائب التأويل، فبَطَل العجب.
أكثر من فصل في اقول النحويين في اسم (الله) هما الزجاجي في كتابه اشتقاق اسماء الله، والفيروزآبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
17- قال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز ” وللعلماء فى هذا الاسم الشريف أقوال تقارب ثلاثين قولا” .
17- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اسم الله الأعظم هو الله
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن الضريس في فضائله وابن أبي حاتم عن جابر بن يزيد قال: اسم الله الأعظم
هو الله ألا ترى أنه في جميع القرآن يبدأ به قبل كل اسم
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الدعاء الشعبي قال: اسم الله الأعظم يا الله
قال ابن كثير ” يقال إنه الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الْحَشْرِ: ٢٢- ٢٤] فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له كما قال تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها } [الأعراف: ١٨] وقال تعالى { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى } [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة».
18- يُحْكى أن سِيبوِيه رُئيَ في المنام فقيل له : ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: خيراً كثيراً، لجَعْلِي اسمَه أعرفَ المعارفِ.
19- قال الزجاج “ولا يجوز أنْ يُقَال ” الرحْمَنُ ” إلَّا للَّهِ، وإنما كان ذَلك لأن بناءَ فَعْلان من أبنية ما يُبالغُ في وَصْفِهِ، ألا ترى أنك إذَا قُلْت غضْبانَ فمعناه الْمُمْتلئ غَضَباً.
فَرحْمنُ الَّذي وَسِعَتْ رحْمَتُهُ كل شي فلاَ يَجوزُ أنْ يُقَال لغير الله رحمن” . أ.هـ
20- الرحمن الرحيم، قال قوم: هما بمعنى واحد مثل (ندمان، ونديم) و (سلمان، وسليم) . ومعناهما: ذو الرحمة، وذكر أحدهما بعد الآخر تطميعا لقلوب الراغبين، وقيل جيء بهما للتأكيد والإشباع، كقولهم: (جاد ومجد)، وقول طرفه :
مالي أراني وابن عمي مالكا…متى أدن منه ينأ مني ويبعد
وقول عدي :
وألفى قولها كذبا ومينا
فالبيت الاول (ينبا مني) و(يبعد) معناهما واحد
والبيت الثاني (كذبا) و (مينا) معناهما واحد
وكلاهما للتأكيد والاشباع.
21- من الاقوال في معنى (الرحمن الرحيم) (الرحمن ) في الدنيا و(الرحيم ) في الاخرة
عن مجاهد قال: الرحمن بأهل الدنيا، والرحيم بأهل الآخرة.
وقال الثعلبي قال الضحاك: الرحمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات، وطوقهم الطاعات،
وجنبهم الآفات، وقطع عنهم المطاعم واللذات. والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.
قال صاحب بحر العلوم ” وأما «الرحيم» فالرفيق بالمؤمنين خاصة، يستر عليهم ذنوبهم في الدنيا، ويرحمهم في الآخرة، ويدخلهم الجنة”
22- قال ابن كثير” وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكد به والتأكيد لا يكون إلا أقوى من المؤكد، والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه” . قال الراجحي وهذا قول ضعيف
23- قال الواحدي “فإن قيل: على هذا كان الرحمن أشد مبالغة، فلم بدئ بذكره ؟ وإنما يبدأ في نحو هذا بالأقل ثم يتبع الأكثر كقولهم: (فلان جواد يعطي العشرات والمئين والألوف).
والجواب: أنه بدئ بذكر الرحمن، لأنه صار كالعلم، إذ كان لا يوصف به إلا الله عز وجل، وحكم الأعلام وما كان من الأسماء أعرف أن يبدأ به، ثم يتبع الأنكر، وما كان في التعريف أنقص. هذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين، فجاء هذا على منهاج كلام العرب “.
24- قال صاحب المنار “ما قاله الأستاذ الإمام من أن صيغة (فعلان) -(رحمن)- تدل على الصفة العارضة، ولا تدل على الدائمة، فاحتيج إلى صيغة أخرى تدل على الصفة الثابتة الدائمة وهي صيغة (فعيل)-(رحيم)-“. واشار المراغي إلى هذا المعنى،
ومع ذلك اشار صاحب المنار الى أن قول ابن القيم اقوى.
25- قال صاحب الهداية الى بلوغ النهاية ” وقيل: الرحيم، ولم يقل: الراحم، لأن فعيلا فيه مبالغة أيضا تقارب مبالغة الرحمن، فقرن بالرحمن دون الراحم إذ الراحم لا مبالغة في بنيته لأنه يوصف بالراحم من رحم مرة في عمره، ولا يوصف بالرحيم إلا من تكررت منه الرحمة” .
26- قال صاحب بحر العلوم ” وقيل أيضا: إنما سمى نفسه رحيما، لأنه لا يكلف عباده جميع ما يطيقون، وكل ملك يكلف عباده جميع ما يطيقون، فليس برحيم” . وهو قول لطيف عجيب
27- قال الكرماني ” عن الحسن: الله والرحمن اسمان ممنوعان لا يجوز لأحد من الخلق أن
ينتحلهما، وهذا إجماع” .
28- ذكر الثعلبي اقوال عدة في(الرحمن الرحيم) لم يذكرها المفسرون ، ومنها قول للمحاسبي وكعادة المحاسبي كان يعمه في خياله فليت الثعلبي لم يقفينا بذكر اقواله.
29- ذكر الواحدي قول لابي العباس ثعلب في سبب جمع الرحمن والرحيم لان الرحمن عبراني وهذا قول غريب وعجيب ، وذكر ايضا ان العرب لا تعرف اسم الرحمن .
30- قال الطبري ” وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف “الرحمن”، ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: (وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا) [سورة الفرقان: ٦٠] ، إنكارا منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أو: لا وكأنه لم يتل من كتاب الله قول الله (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه) – يعني محمدا – (كما يعرفون أبناءهم) [سورة البقرة: ١٤٦] وهم مع ذلك به مكذبون، ولنبوته جاحدون! فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته، واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها … ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال سلامة بن جندل السعدي:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم … وما يشإ الرحمن يعقد ويطلق
قال الثعلبي”وأما ما احتج به أبو العباس من قوله: {وما الرحمن} [الفرقان: ٦٠] فهو سؤال عن الصفة، ولذلك قالوا: {وما الرحمن}، ولم يقولوا: ومن، والقوم جهلوا
صفته، والاسم كان معلوما لهم في الجملة.
وقيل: هذا على جهة ترك التعظيم منهم.
قال ابن العربي: إنما جهلوا الصفة دون الموصوف، واستدل على ذلك بقولهم: وما الرحمن؟ ولم يقولوا: ومن الرحمن؟ قال ابن الحصار: وكأنه رحمه الله- أي أبو العباس- لم يقرأ الآية الأخرى:” وهم يكفرون بالرحمن”. أ.هـ
31 – نقلت عن الشعراوي كثيرا في شرح معنى البسملة ، واستفدت من درس لخالد السبت في توضيح ما أشكل علي.
كتبه ماجد بن محمد العريفي
يوم الاحد 16-9-1438هـ
11-6-2017