الوسوم

, , , , , , ,

نعود ايها الكرام الى تأويل قول القائل “اعوذ بالله من الشيطان الرجيم “

قال ابو كندا : ان القران هو كلام الله عز وجل انزله على رسوله ﷺ ليكلمنا به ، وانزله على الرسول ﷺ بلسان عربي مبين ، وقوله بلسان اشارة الى ان القران نزل بطريقة كلام العرب وسننهم وسلومهم في الحديث حتى يكون مبين ، وقوله مبين يعني ان لكل حرف معنى واضح وليس له خمسة وعشرون معنى او مائة وثلاثون معنى .
فلا يعقل ان يكون مبين ولحرف واحد عدة معاني .
لذلك اتفق العلماء المتقدمون ان اعجاز القران في نظمه ،
ولهذا اي كلمتين مختلفتي الحروف لا يمكن ان يكون لهما نفس المعنى البته ، بل لابد ان احدهما مختلف عن الاخر بزيادة معنى او نقصه .

قال ابو كندا لذلك قررت في هذا التفسير ان اجعل معنى واحد لكل كلمة ولكل حرف ، وايضا لا ابدل حرفا بالقران بحرف اخر حتى اقرب المعنى ، بل سأقرب المعنى بالحرف الاصلي وابين لماذا اختار الله عز وجل هذا الحرف وما دلالاته في الجملة، حتى أبين المعنى كما اراد الله عز وجل. والله اعلم

وعلى هذا اقول أن حرف ( الباء ) هو من حروف الجر ويدل على معنى واحد حقيقي يفهم منه الدلالة على الاصل والاهمية.
فهو حرف يشير الى معنى الاصل في الجملة .
فلو قلت ( مَسَحْتُ بِيَدَيَّ الْمِنْدِيلَ ) لفهم انك مسحت المنديل بيدك – فالباء دللت على ان اليد الماسح والممسوح المنديل – لأن الباء سبقت اليد .
واذا قلت ( مَسَحْتُ يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ ) لفهم انك مسحت يدك بالمنديل – فالباء دللت على ان المنديل الماسح واليد الممسوح – لأن الباء سبقت المنديل
فـ ( الباء ) تشير الى ان هذا الامر المقصود اصل في المعنى ويبنى عليه الفهم .

واليك مثالا اخر من القران ، اقرأ قول الله عز وجل { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا }
فقال الله عز وجل هنا { بِقِنْطَارٍ } و{ بدينار } ولم يقل ( على قنطار ) أو ( على دينار )، مع ان اكثر اهل اللغة والمفسرون يرون ان معنى ( الباء ) هنا هو الاستعلاء اي ( على ).
اما العربي اذا سمع قول الله عز وجل { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } سيعلم ان من اهل الكتاب اناس اصلهم ومبدأهم الامانة ، وسيفهم انك لو وضعت عند احدهم امانه أكثر من قنطار سيبقى على اصله ومبادئه في الامانة فلن تحصل الخيانة منه .
اما ان قلت له : ( أن من أهل الكتاب من إن تأمنه ( على ) قنطار يؤده إليك ) سيعلم العربي ان هذا الرجل امين ان امنته على قنطار وسيفهم انه قد يخون ان زدت على القنطار .
وكذلك العربي اذا سمع قول الله عز وجل { وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } سيعلم ان من اهل الكتاب أناس اصلهم ومبدأهم الخيانة فلو امنت احدهم على اقل من الدينار كالدرهم سيصعب اخراجه منه ولا يؤديه اليه الا بعد شدة .
كل هذا سيفهم العربي ولا تحتاج الى ان تشرحه له ، فقط ان سمع منك (الباء) سيفهم ما تشير اليه ، دون ان تطيل في الشرح ، وان سمع (على ) سيفهم ما تقصده وسيتصرف بناء على ذلك .
أرأيت اهمية حرف الجر هذا وكيف اختصر عدة اسطر في حرف واحد.

فـ ( الباء ) تشير الى ان هذا الامر المقصود اصل في المعنى ويبنى عليه الفهم .
وكذلك لو سمع العربي قول الله عز وجل { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } لعلم العربي ان الاصل في الرأس هو المسح عند الوضوء ويفهم انه لو وجد شيء لاصق في الشعر لا يلزمه ان يزيله وانه لو زرع شعر فلا يلزمه ان يوصل الماء لعروق الشعر انما يكفي فقط المسح ، لذلك لبد الرسول ﷺ رأسه عندما احرم واهل للحج في ميقات المدينة اي قبل ذي الحجة بعدة أيام ولم يحلق شعره الا يوم العاشر من ذي الحجة ، فعَنْ حفصة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ ؟ فَقَالَ : ” إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ “.
قال القنازعي : وَصِفَةُ التَّلْبيدِ: هُوَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الصَّمْغَ فَيَحِلُّهُ في المَاءِ ثُمَّ يَحْمِلُهُ عَلَى شَعْرِ رَأْسِهِ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ الصَّمْغُ عَلَى الشَعْرِ، ويَصِيرُ كالسَّطْحِ يَمْنَعُ الغُبَارَ أَنْ يَصِلَ إلى جِلْدَةِ الرَّأْسِ.أ،هـ
قال ابن بطال والتلبيد أن يجعل الصمغ فى الغسول، ثم يلطخ به رأسه عند الإحرام، ليمنعه ذلك من الشعث .أ،هـ
قال ابو كندا ومع ذلك التلبيد مسح الرسول ﷺ رأسه عند الوضوء وصلى ولم يُزل التلبيد إلا بعد عدة ايام .
لذلك قال الله عز وجل { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } بـ(الباء) ولم يقل امسحوا رؤوسكم .
واما قول بعضهم ان ( الباء ) هنا للتبعيض مثل حرف ( من) فهذا خطأ والدليل انه لم يرد عن الرسول ﷺ انه مسح بعض رأسه في الوضوء ولو مرة واحدة .
واما من قال ان معناها الاصلي هو الالصاق فحديث التلبيد يبين انه اخطأ ، فالرسول ﷺ مسح على التلبيد والصمغ يعزل الماء عن الرأس فيمنعه من الملاصقة .
والغريب في الامر ان الشافعي يرى الباء هنا للتبعيض فيكفي مسح بعض الرأس ، بينما يوجب اتمام الوجه كامل في التيمم مع ان الله عز وجل قال { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ }

اذن، ( الباء ) تدل على ان هذا الامر المقصود اصل في المعنى ويبنى عليه الفهم .
وعلى هذا المعنى يفهم العربي اذا سمع من يقول اعوذ بالله ، ان هذا القائل ينسب اصل الاستعاذه بالله .
وسيعلم ان هذا القائل يلجئ الى الله طالبا الامان بدفع الضرر . – قد لا يتضح قولي في حرف الجر( الباء )في الاستعاذة ، لأن الاستعاذة لا يطلبها العربي الا من الله ، وسيتضح قولي في البسملة ان شاء الله –

قال ابو كندا ويبقى سؤال لا اعرف اجابته وهو لماذا امرنا الله عند قراءة القران ان نستعيذ بالالوهية – فقال {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } وفي سورة الفلق بالربوبية – { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } – وفي حديث الاستعاذة عند النزول بصفات الله – اعوذ بكلمات الله -.
اللذي اعرفه ان هناك مفهوم ادركه العرب في ذلك الوقت ولم ندركه نحن الان ، واعلم ايضا انه سيأتي احدا سيدركه لكثرة قراءته في معاني القران ومعاني الاحاديث وسنن كلام العرب في ذاك الزمان .لذلك سأشارككم نتاج تأملي في هذه المسألة فقد تكون خطأ وقد تكون صوابا ،
أقول والله اعلم ، أن الاستعاذة في الالوهية في قوله { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } لأن الشيطان شغله الشاغل ان يخرجك من عبادة الله إما لعبادة البشر او الكفر بالله فناسب الاستعاذة بالالوهية .
وأما الاستعاذة بالربوبية في سورة الفلق والناس هي الاستعاذة من الضرر في الدنيا ، فناسب الاستعاذة بالربوبية لان الرب هو الرازق المصلح الشافي.