الوسوم

, , , , , , , , , , , , , , ,

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) }

قوله تعالى {إِبْلِيسَ}
قال ابو كندا : هذا ما سماه الله به ، فنؤمن انه اسمه ، اما من قال ان اسمه عزازيل او الحارث ، فهذه روايات ضعيفة عن السلف ، وهو امر غيبي لا ينبغي ان نصدقه الا اذا اخبر به الله عز وجل او رسوله ﷺ فقط .

قوله تعالى { أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) }

قال الراغب : والإباء: الامتناع من الشيء مع الإرادة، فكل إباء امتناع، وليس كل امتناع إباء، قال الله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} .أ،هـ
قال الرازي : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا اسْتَثْنَى إِبْلِيسَ مِنَ السَّاجِدِينَ فَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ السُّجُودِ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَزَوَالِ الْعُذْرِ بِقَوْلِهِ {أَبَى} لِأَنَّ ( الْإِبَاءَ ) هُوَ الِامْتِنَاعُ مَعَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ لَا يُقَالُ لَهُ إِنَّهُ ( أَبَى ). أ،هـ

قال الراغب: والاستكبار: طلب ذلك بالشبع والكبر، والتيه، والبغي، والزهو، والاستطالة، والخيلاء، والصلف تتقارب، وبينها فرق، فالتيه: التحير في معرفة قدر النفس، والبغي: طلب منزلة فوق ما يستحقه، والزهو: سرعة الحكم لنفسه بالفضل، من: ” زهاه كذى ” إذا استحقه، والاستطالة: إظهار طول، أي فضل على الغير.
والخيلاء: ظن بالنفس كاذب، من قولهم: خلت، والصلف: قلة التلفت إلى الغير من قولهم: صلف: إذا اشتكى صليفه.

ذكر ابن ابي حاتم بسنده عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ حَسَدَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ آدَمَ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَهَذَا طِينِيٌّ. فَكَانَ بَدْءُ الذُّنُوبِ الْكِبْرَ، اسْتَكْبَرَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْ يَسْجُدَ لآدَمَ. [1]

قوله { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) }
قال ابو كندا : اي وكان في علم الله مكتوب في اللوح المحفوظ انه سيكون من الكافرين ، فسياق الايات يدل على ذلك.
فقول الله عز وجل { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30 } اشارة الى ان الله عز وجل يعلم انه سيكون من الملائكة من لا يسبح بحمده، ولا يقدس له .
ثم ان جمعه لكلمة (كافر) فقال ( كافرين ) مع انه لم يكن من الملائكة حينئذ كفار ، اشارة الى ان المقصود كان في علم الله انه سيكون من ضمن الكافرين الذين علمهم الله عز وجل وكتبهم في اللوح المحفوظ .
ثم اني تتبعت كلمة ( وكان ) في القران وهي كثيرة فوجدتها تتحدث عن الماضي ، اما كلمة (فكان) فوجدتها تعني في بعض الايات فصار وهي قليلة وبعض الايات غير ذلك .
قال ابن عطية : وقال جمهور المتأولين: معنى وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.أ،هـ
قال ابو كندا : اما القول الثاني فقيل ان معنى كان صار وهو ضعيف .
وقال القرطبي : وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُتَأَوِّلِينَ: الْمَعْنَى أَيْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكْفُرُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ حَقِيقَةً وَالْمُؤْمِنَ حَقِيقَةً هُوَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الْمُوَافَاةَ.
قُلْتُ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ).
وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ.” كَانَ” هُنَا بِمَعْنَى صَارَ خَطَأٌ تَرُدُّهُ الْأُصُولُ.أ،هـ
قال ابو حيان : وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ قِيلَ: كَانَ بِمَعْنَى صَارَ، وَقِيلَ: عَلَى بَابِهَا أَيْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ قَبْلَ كُفْرِهِ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَيَكُونُ مِنَ الْكَافِرِينَ. أ،هـ

—————-
[1]