في صباح الخميس فتحت رسائل الواتساب فأتتني رسالة مكتوب فيها :
فكرة جميلة من الشاب …، فقد قام بوضع إضاءة في أعلى منارة المسجد تدل على دخول الامام في الصلاة ، فهي تضيء أثناء الصلاة فقط .
فظننتها طرفه فابتسمت لها ، وبدأت اتخيل هذه الطرفة وازيدها خيالا وانا في طريقي للعمل، مستمتعا بهذه الطرفة ، فتخيلت الجيل بعد القادم ، اذا رأوا هذه اللمبة اذا اضيئت اثناء صلاة الامام ، – والعرف عندنا والذي اعتادنا عليه كما تعلمون ان اللمبة اذا اضيئت في مكان ما ،يفهم منها منع الدخول اإما للخطر او لأن الامر جلل او لعدم الازعاج فهناك اجتماع –
فتخيلت المصلين في الجيل بعد القادم اذا اضاء الامام اللمبة يقفون خارج المسجد ينتظرون حتى تطفئ اللمبة فيتسنى لهم الدخول –
وتخيلت احد الأئمة اللطيفين المتسامحين يسمح بالدخول لكن بشرط ان يكتبوا تعهد في عدم العودة ، وتخيلت احد الأئمة الفلاوية يضع دفتر ويحط خط بالقلم الاحمر اذا اقام ويسمح بالدخول لمن يعرفهم واهل الحي فقط.
لا تعجبوا من هذه الافكار فقد كانت ائمة مساجد السويدي والبديعة يحضرون المصلين في صلاة الفجر واحد واحد نفر نفر وكأنهم في فصل دراسي ، والويل لك اذا ذكر اسمك ولم تجب عليه بنعم .
ثم تطور الخيال عن خزعبلات الصوفية كيف يتصل هذا الضوء بالله عز وجل عبر ايات القران التي يقرأها الإمام الصوفي اثناء الصلاة ، هنا توقفت عن التخيلات فقد اصبحت الفكرة مزعجة لي ، وحمدت الله انها طرفة وليست حقيقة.
فلما وصلت العمل اخبرني بها احدهم وهو وكأنه معجب بالفكرة ، فلم التفت له ظنا مني انها خربطة وستمضي، فإذ بالرسائل تكثر في نشر هذه الفكرة والاعجاب بها وتأييدها والثناء على من يفعلها .
هنا علمت ان العامة بدأت تتشرب الفكرة بحجة العوض ولا القطيعة .
لذلك اقول ان هذه الفكرة نابعة عن ردت فعل وفي الغالب ان ردات الفعل لا تكون صائبة ، والدليل انهم يقولون نضع ضوء حتى يعلم ان الامام اقام الصلاة ومن الطبيعي ان الناس يعلمون ان الائمام اقام الصلاة بصوت الاقامة الذي لم يمنع ، فماحاجت الضوء اذن !!!
هل الوء سيقرأ عن الائمام!!!
هل الضوء سيبعث الارتياح للناس كالقران!!!!
هل الراحة النفسية في القران او في الضوء المنبعث من منارة المسجد !!!!
هل الضوء سيحل مشكلة المكبرات !!!!
واذا كان حلا لمشكلة المكبرات كما تقولون سيفرح بعض الناس ويقول لماذا نضع مؤذن اذا كان الضوء يكفي ؟؟؟
اعلم ان صاحب الفكرة والمؤيدون له، لم ينشروها الا غيرة لدين الله ، واعلم ايضا ان الرسول ﷺ لم يزر احدا في بيته لينصحه بعد الهجرة الا عبد الله بن عمرو بن العاص عندما تشدد في الدين ، اما المنافقون فلم اعلم ان الرسول ﷺ ذهب الى بيوتهم ليناقشهم او يجادلهم .
عن أبي قلابة قال : أخبرني أبو مليح ، قال : دخلت مع أبيك زيد على عبد الله بن عمرو ، فحدثنا أن النبي ﷺ ذكر له صومي، فدخل علي، فألقيت له وسادة من أدم، حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال لي : ” أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام ؟ “. البخاري
لذلك اقول مستعينا بالله
ان اول من نبهني الى مسئلة تخفيض مكبرات الصوت في المساجد وخفض الصوت في الصلاة هو الشيخ عبدالكريم الخضير – وفقه الله لما يحب الله ويرضى -فقد اشار الى ذلك في شرح الموطأ
قبل سنتين تقريبا – كنت في نجران حينها – واذكر اني سجلت ما قال وارسلته لمن اعرف في الواتساب .
من تلك اللحظة وانا ابحث في المسئلة في نصوص اقوال الله عز وجل واقول رسوله ﷺ ، لذلك لما نشر خطاب وزير الشؤون الاسلامية – وفقه الله لما يحب الله ويرضى – لم اتفاجأ ولم تكن لدي ردة فعل بل ارى انه اختار الأولى الذي يوافق الكتاب والسنة .
وهذه فائدة من يكثر القراءة في تفسير القران وشرح احاديث الرسول ﷺ ويقلل من القراءة في كتاب العلامة والفهامة وحجة الاسلام ، لأنك اذا قرأت تفسير القران وشرح احاديث الرسول ﷺ لن يخفى عليك شيء من دين الله وستأخذ الاسلام كما اراده الله فقد تكفل بحفظ الذكر الذي هو ما اوحى الله عز وجل على نبيه ﷺ .
اما كتب العلامة والفهامة فلم يتكفل الله بحفظها ثم ان هذه الكتب مبنية على طبيعة المؤلف وبيئته وخبرته في الحياة والبيئة تتغير مع الزمن والطبع متغير بطبعة حتى بين الاخوان مع انهم من جينات واحدة.
لذلك اقول لا ينبغي رد كلام الله عز وجل وكلام رسوله ﷺ بحجة الروحانية والعاطفة والشعور والاحساس.
اعلم اني الان رفعت ضغط بعضكم واستشاط غضبا من مقدمتي،
لهذا سأتوقف هنا وسأشرع في ذكر ثلاث نصوص وجدتها في بحثي السابق هي دليل على ان اختيار الوزير كان وفق قال الله وقال رسوله شئت ام ابيت،
فإن كنت تبحث عن الحق وانت عامي ، ستطمئن نفسك لقول الله وقول رسوله ، وان كنت تبحث عن الحق وترى خلاف ذلك وعندك ادلة بقال الله وقال رسوله فحياك الله واذكرها لي ، فأنا اقدم قول الله وقول رسوله على ابي وامي .
اما ان كنت حاسدا او حاقدا او لك مآرب اخرى فهذا شأنك والحاسد لا يقتل الا نفسه ، اما الحق فسيحفظه الله بحفظ ذكره .
1- عن أبي قتادة أن النبي ﷺ قال لأبي بكر”مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك
فقال:إني أسمعت من ناجيت
قال:ارفع قليلا
وقال لعمر ” مررت بك وأنت تقرأ،وأنت ترفع صوتك”
قال:إني أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان
قال :” اخفض قليلا “
الترمذي صححه الالباني
وهنا امر الرسول ﷺ عمر بخفض الصوت في القراءة مع ان عمر بن الخطاب كان يرفع صوته ليقوم النائمون للصلاة ويعينهم على الخير
وليطرد الشيطان ، فالغاية صحيحة وهدفها نبيل خير ، والواسيلة رفع الصوت بقراءة القراءان الذي يبعث الرواحانية في القلوب وفي النفس يشعر سامعه براحة عجيبة عند سماعه.
ومع ذلك قال له الرسول ﷺ اخفض صوتك.
وتقديره اخفض صوتك ولو كنت تعين الناس على القيام للصلاة وتطرد الشيطان من المكان .
اخفض صوتك امتثالا لقول الله عز وجل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها }
اخفض صوتك لأني الان امرتك والله عز وجل امرك بالتباع اوامري .
“اخفض صوتك ” جملة صريحة صحيحة لا تحتمل اي معنى الا معنى واحد فقط وهو اخفض صوتك
فهل سيظن ظان -والعياذ بالله -في أن رسول الله لا يريد الخير للناس!!!!
ام انه لا يعرف المصلحة العامة وانتم تعرفونها اكثر منه!!!!
ام انتم اغير منه على دين الله!!!!
لماذا لم يعترض عمر الفاروق صاحب الدرة رضي الله عنه، ويناقشه ، ويحثه على رفع الصوت !!!!!
اتدرون لماذا خضع عمر لامر الله وامر رسوله مع ان فكرته كانت جميلة وغايتها نبيلها ووسيلتها القران!!!!
لانه يحب الله ورسوله اكثر من نفسه.
ووصيتي لكم حب الله ورسوله اكثر من انفسكم وكونوا واقفين عند قول الله وقول رسوله.
٢- عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال :
نزلت ورسول الله ﷺ مختف بمكة ؛
كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به،
فقال الله تعالى لنبيه ﷺ : { ولا تجهر بصلاتك } ، أي : بقراءتك فيسمع المشركون، فيسبوا القرآن،
{ ولا تخافت بها } : عن أصحابك فلا تسمعهم، { وابتغ بين ذلك سبيلا } .
البخاري
في هذا الحديث يتبين فيه ان الله عز وجل راعى نفسية الكفار وهم كفار فأمر رسول ﷺ بإخفاض قراءته في الصلاة مراعاة لهم ، فلماذا لا تراعو المسلمين يامسلمون.
امر الله عز وجل رسوله بخفض صوته وهو يقرأ القران في صلاته حتى لا يسمعه من كان خارج بيته ، مع ان الله يعلم ان كفار قريش كانوا يحذرون الناس من سماع القران حتى لا يسلموا.
جعل الله عز وجل القران اقوى وسيلة لهداية البشر كافرهم ومسلمهم ومع ذلك امر الرسول بأن لا يجهر به في صلاته
بل ان بعض صناديد قريش كانوا يتسللون في الليل ليستمعوا القران غضا طريا من فم رسوله ﷺ ومع ذلك قال الله له لا تجهر به في صلاتك ، لا تستخدمه في الدعوة اذا شرعت في صلاتك ، فالصلاة لي وليست لهم .
الصلاة يا كرام كلها لله عز وجل ، ولا يجوز لك صرف شيء منها لغيره ولو من باب الدعوه والتعاون.
لانك اذا صليت يتفضل الله عز وجل ويسمح لك ان تخاطبه ، فإذا خاطبته لا بد لك ان تصرف كل حركاتك وسكناتك لله ، عقلك وقلبك وصوتك لله وليس لغير الله.
3- وعن عبد الله بن عباس أنه قال : خسفت الشمس، فصلى رسول الله ﷺ والناس معه، فقام قياما طويلا، قال : نحوا من سورة البقرة “.
اخرجه مالك والشيخان
اذكر الشيخ عبد الكريم الخضير في شرحه لموطأ مالك : قال لماذا قال ابن عباس نحو سورة البقرة ؟
لماذا لم يقل انه قرأ سورة البقرة او سورة كذا ، بما ان صلاة الكسوف جهرية !!!. أ،هـ
المشكلة انه لم يجيب على ذلك.
وهذا سؤال مشروع ، فإما ان ابن عباس كان في اخر الصف – لفزع الناس في حالة الكسوف الى المسجد فمتلئ – فلم يسمع الرسول ﷺ وهو يقرأ جهري !!!
او ان الصلاة سرية وليست جهرية كما نفعل الان !!!!
وفي ظني ان الرأي الاول اولى فمن كثرة المصلين لم يسمع صوت الرسول ﷺ ، والقرينة على كثرة المصلين في المسجد هو ان عائشة صلت الكسوف مع الرسول ﷺ وهي في بيتها .
ومع ذلك سكت الرسول ﷺ في هذا الموقف ولم يشرع بشيء فيه ، وهذا دليل على ان من لم يسمع قراءة الامام فلا شيء عليه بإقرار الرسول ﷺ لهم .
ولو كان هناك الزام بسماع صوت الامام وهو يقرأ ولا تصح الصلاة الا بها لامر الرسول ﷺ بختراع شيء يوصل الصوت للناس او لجعل احد الصحابه يعيد ما قرأ الرسول ﷺ حتى يسمعوا.
لهذا ياكرام كنت مرتاح البال عندما قرات تعميم الوزير الذي كان مجمله هو “اخفض صوتك ” ، “لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها”.
بارك الله فيك ياشيخ ماجد بن محمد العريفي ،
ونفع الله بما كتبته وجعله في ميزان حسناتكم ..
إعجابإعجاب
وفيكم رعاكم الله وعافاكم
إعجابإعجاب