-6-

قال ابو كندا

ومن عد الله عز وجل أن حفظ لنا (الذكر) فكيف يأمرنا بإتّباع نبيه ولم يحفظ لنا نطقه ،

والله عز وجل يعلم ان هناك كذابين على اختلاف احوالهم -فمنهم من يكذب حسدا في قلبه ليخرجنا من الاسلام بإثارة الشبهات وهناك من يكذب للسياسة وهناك من يكذب لتأييد عاداتهم وتقاليدهم وهناك من يكذب عنصرية لعرقه الفارسي او العربي وهناك من يكذب تعصبا لمذهبه وهناك من يقول انا لا اكذب على الرسول ﷺ بل اكذب للرسول ﷺ تعصبا لدينه .

ولأن الله عز وجل علم كل هذا الذي ذكرته والذي لم اذكره – لأنني لا اعلمه والله يعلمه -.

ألهم الله بعض علماء الأمة فوضعوا شروط منطقية لمعرفة مانطق به الرسول ﷺ يقينيا فكان (ذكرا )، وما نقل عنه بغير تيقن فلم يكن (ذكرا) .

فاستخدم العلماء اساس شروط الصحابة عندما جمعوا القران التي الهمها الله عز وجل لهم،

-فكما تعلمون ان الله عز وجل اختص القران من الذكر بجمعه وقرآنه وبيانه فقال { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) } لذلك لم يجمعه الرسول ﷺ ولم يفسره ، فالله عز وجل تكفل بذلك ، وها انتم الان تجدونه مجموع في كتاب واحد ويقرأ في الصلاوات والمحافل والمدارس والمستشفيات – .

وهذه الشروط وضعها الصحابة بإلهام من الله، فوجب علينا اتباعها ، فقد امرنا الرسول ﷺ باتباع سنته وسنت الخلفاء الراشدين.

والشروط هي ان يكون الجامع ثقة عالما بحفظ القران في عهد الرسول ﷺ وان يكون المجموع محفوظ في الصدور ومكتوب في السطور .

عَنِ البراء قال : لَمَّا نَزَلَتْ : ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ادْعُ لِي زَيْدًا، وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ – أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ “. ثُمَّ قَالَ : ” اكْتُبْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ } “. (١)

وعن ابن السباق أَنَّ زيد بن ثابت الأنصاري – وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ – قَالَ :

أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ ابو بكر : إِنَّ عمر أَتَانِي، فَقَالَ :

إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ ؛ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قُلْتُ لِعُمَرَ : كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ؟

فَقَالَ عُمَرُ : هُوَ وَاللَّهِ، خَيْرٌ.

فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ.

قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ :

إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.

فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ.

قُلْتُ :

كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ ﷺ ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ.

فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ،

فَقُمْتُ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ، وَالْأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ ،

حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } . إِلَى آخِرِهِمَا،

وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(٢)

قال ابو كندا:

والاية التي بقيت لم يجدها مكتوبة (سطرا ) الا عند خزيمة، فزيد بن ثابت جمع القران (صدرا) منذ زمن الرسول ﷺ ومنه هذه الاية لكنه كان يريدها مكتوبة (سطرا) حتى يتحقق الشرط وهو حفظها صدرا وسطرا .

فالرسول ﷺ في بداية الامر كان يمنعهم من كتابة منطقه حتى لا يختلط بالقران .

فعن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله ﷺ : ” لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، ومن كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه “. (٣)

أخذ المحدثون هذه الشروط وهي ( حفظ الصدر والسطر ) والتزموا بها ، لخوفهم من ضياع منطق الرسول ﷺ من كثرة الاحاديث المكذوبة او الظنية.

اذا فأحاديث الرسول ﷺ التي تعتبر ( ذكر ) هي الاحاديث الحجة فقط.

———-

١- البخاري

٢- البخاري

٣- مسند احمد ، قال أبو كندا الحديث حجة .