قال ابو كندا

فإن قال قائل هل قولنا اشهد ان محمدا رسول الله ، يدل ايضا انا حضرنا النبي ﷺ ،

الجواب نرجع الى قاعدة العرب وهي فهم الكلام على ظاهره فإن لم يستقم الفهم على ظاهره علمنا انه مجاز

فكلمة (شهد ) تدل على اربعة امور مجتمعه : الحضور البصيرة النصرة والاخبار .

وقول الله عز وجل { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(11)}

وقوله جلا وعلا { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) }

والحديث الذي ذكرنا انه صحيح لغيرة وفيه “فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ : اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ : اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهَا، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ مَا هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالَ : هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَءُهُمْ أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ، قَالَ : يَا رَبِّ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً،” رواه الترمذي .

كلها تدل على ان البشر خُلقوا في ذاك الوقت والرسول ﷺ بشر، اذا نحن واياه اجتمعنا في قبضة الله واجتمعنا مع ادم لمقابلة الملائكة عندما قال الله عز وجل للملائكة {انبئوني بأسماء هؤلاء}

وتكون هذه الاية { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } قد حضرناها .

لكن ليس هناك نص صريح اننا قابلنا الرسول ﷺ عندما اشهدنا الله عز وجل على انه لا إله الا الله،

لذلك اقول

ان كنا قد حضرنا الرسول ﷺ في هذا الموقف فقد تحققت معنى الشهادة على ظاهرها

وإن كنا لم نحضر هذا الميثاق ولم نشهده ، فنفهم المعنى بالمجاز ونقول الشهادة تستلزم أن ننصر الرسول ﷺ بفعل اوامره والتمسك بها وتعلمها حتى نبصرها في قلوبنا ونصدقها كأننا حضرناه ونخبر عنه ماصح عنه.

وهذه مثل شهادة ابراهيم عليه السلام على خلق السموات والارض مع انه لم يشهدها ، وشهادة ابن خزيمة للرسول ﷺ وهو لم يحضره.

قال ابو كندا : فإذا كان كل ذرية بني ادام الذين سيولدون في الارض اشهدهم الله عز وجل في ذاك الوقت ، -سواء كانوا في اصلاب ابائهم او كانوا في قبضة الله ، او كانوا في ظلمة-، الحاصل انه اشهدهم كلهم لذلك سيولدون احناف،

فما معنى قول الله عز وجل { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) }

كلنا نعلم ان وعد الله حق ، ونعلم ان الله على كل شي قدير ولا يعجزه شي، ونعلم ايضا ان الله عز وجل وضع قوانين في هذه الحياة قضاها فلايبدل القول لديه .

فهل نقول ان الله عز وجل اذا قضى عليك ان تكون عقيما ، فإذا اكثرت الاستغفار يخلق الله (ولد ) جديد لم يحضر ذاك الوقت ولم يُشْهِده الله عز وجل على وحدانيته مع ذرية بني ادم ؟!!!!

أقول لك حتما ان وعد الله سيأتي لا محالة .

⁃ ومن اصدق من الله قيلا –

لذلك ينبغي لك ان تتنبه لأمرين :

اولا : قد يكون الله عز وجل قد كتب لك ولد وقد اخرج من صلبك في ذاك الوقت ولكن لم يأتي اجله في الدنيا لذلك حكم الاطباء عليك بالعقم، على حسب علمهم القاصر.

{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)}

ثانيا : ينبغي لنا ان نتعرف على كلمة ( ابن ) التي وعدنا الله بها ، وماتحمله كلمة (ابن ) من دلالات ومعاني غير معنى الولد.

لأن وعد الله حق ولا يخلف وعده ، فهل نحن لم نفهم ماتعنيه كلمة (ابن) كما أن نوح عليه السلام لم يفهم كلمة ( اهلك) قال الله عز وجل {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

لذلك ينبغي لنا معرفة كلمة (ابن) وما تحمله من دلالات ، وما الفرق بينها وبين كلمة (ولد).

فالولد هو ماتلده زوجتك ، فإن كان في طوعك وانت تحبه، يرتقي الى اسم (ابن).

لهذا قال الله عز وجل في الولد { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) }

ولهذا ايضا قال الله عز وجل { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)}

ولم يقل واولاده، <قال ابو كندا في هذه الايات بين الله عز وجل اولويات محبة النفس فجعل اقرب شي الصاحبة والابن ومن ثم الأم والاب ومن ثم الأخ، فلا تتعجبوا ان حدثت الخلفات واعذروا بعضكم ، وايضا لم يقل الله عز وجل زوجة بل قال صاحبة ، لذلك حتى تكسب الزوجة زوجها ينبغي ان تكون له صاحبة –

واما معنى كلمة (ابن ) عند العرب ودلالاتها فمعناها: الذي في طوعك وتحبه ويحبك، ومن المبالغة في الحب سمحت العرب يتسمى به ، فإذا تسمى به اصبح مثل الولد فيرث مع اولاده ، فالابن في اللغة لا يشترط ان تلده زوجتك.

والدليل قول الله عز وجل { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } وهذا يدل ان كلمة (ابن) يدخل فيها من هو في صلبك ومن هو من غير صلبك ، اما كلمة ولد فهو من صلبك ولا تحتمل من غير صلبك.

لذلك ترى العرب تتبنى من غير صلبها ويسمونهم ابناءنا وهم من غير اصلابهم، بل أن الرسول ﷺ تبنى زيد بن حارثه وكان يسمى زيد بن محمد ، حتى نزل قول الله عز وجل { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) }

{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ, مِن رِجالِكُم وَلَكِن رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيماً}

فبعدها ، منع الله عز وجل في شرعنا هذا التبني الذي كان عند العرب، والمنع شرعا فقط ، ولا يعني ان اللغة العربية لا تحتمله.

فلم يبقى من معنى التبني الا ان الشخص الذي يكون اصغر منك وفي طوعك وتحبه ويحبك .

وايضا هناك دليل اخر على استعمال العرب لكلمة ( ابن وبنت) من غير اصلابنا ، فعَنْ عائشة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كُنْتُ أَلْعَبُ بالبناتِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي”. رواه البخاري

وعائشة هنا قالت بالبنات ولم تقل بالأولاد ، وتقصد بالبنات العاب الدمى.

وتقول العرب : بنت الارض: وهي الحصاة. وابنُ الأرض: وهو ضربٌ من البقْل.

وبُنَيَّاتُ الطريق هي الطُرُقُ الصِغار تتشعّب من الجادَّةِ، وهى الترهات.

الحاصل ، اصل كلمة (ولد) تدل على مايولد وتستخدم في ذلك المفهوم بتصاريفها ، واصل كلمة (ابن) تدل على مايبنى وتستخدم في ذلك في تصاريفها .

وعلى هذا يكون معنى قول الله عز وجل { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) }

أن من أكثر الاستغفار سيمده الله عز وجل بالاموال والبنين فإن كان الله قد قضى له الولد فسيسهلها الله عز وجل دون تعب من ذهاب الى اطباء او اخذ علاجات تضايقه ، فإن لم يقضي الله له الولد سيجعل احد الابناء يخدمه وكأنه ابنه او ابنها ، سواء كان ذلك الابن من ابناء الخوات او ابناء الاخوان او ابناء الجيران، المهم سيفي الله بوعده بما تحتمله كلمة (ابن).

وقد يقول قائل، هذا خطاب نوح يخبرهم بوعد الله لقومه وليس لنا ، اقول قد يكون ذلك، فلا اعلم.

فكل رسول له شرع لقومه ووعود يوجبها الله على نفسه رحمة بعبادة.

فإن قال قائل اذا كانت الذرية كلها مخلوقة فما تقول في الرواية التي ذكرها ابو داود في سننه بسنده عَنْ معقل بن يسار قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ قَالَ : ” لَا “. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : ” تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ . < قال ابو كندا هذا الحديث ليس بحجة>

وعَنْ أنس بن مالك قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُ بالباءة، وَيَنْهَى عَنِ التبتل نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ : ” تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “. رواه احمد <قال ابو كندا هذا الحديث ليس بحجة >

اقول هذه الاحاديث ليست بحجة ولا صحيحة انما هي حسنة والحسن لا يحتج به.

بل ان الحديث الصحيح الذي في البخاري يؤيد أن مسألة الولد قد بت فيها وجف القلم ويخالف رواية تزوجو الولود الودود

فعَنْ أبي هريرة قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِيَ العنت، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ : ” يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ “. البخاري

ورى البخاري ايضا بسنده أَنَّ أبا سعيد الخدري أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، وَنُحِبُّ الْمَالَ، كَيْفَ تَرَى فِي العزل ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ ؟ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ “.

————-

كتبه

ماجد بن محمد العريفي