كتاب الطهارة
من باب التخلي عند قضاء الحاجة
1- (2) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ»

-صححه الألباني-

  • قال الخطابي-
    البراز : اسم للفضاء الواسع من الأرض كنوا به عن حاجة الإنسان كما كنوا بالخلاء عنه يقال تبرز الرجل إذا تغوط وهو أن يخرج إلى البراز كما يقال تخلى إذا صار إلى الخلا
    وفيه من الأدب استحباب التباعد عند الحاجة عن حضرة الناس إذا كان في براح من الأرض.
    ويدخل في معناه الاستتار بالأبنية وضرب الحجب وإرخاء الستور وإعماق الآبار والحفائر في نحو ذلك في الأمور الساترة للعورات.

——————
ومن باب الرجل يتبوأ لبوله

2- (3) قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى: إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: ﷺ «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا»
-ضعفه الالباني-

  • قال الخطابي-
    الدمث : المكان السهل الذي يُخد فيه البول فلا يرتد على البائل.
    وقوله (فليرتد) أي ليطلب وليتحر.
    وفيه دليل على أن المستحب للبائل إذا كانت الأرض التي يريد القعود عليها صلبة أن يأخذ حجراً أو عوداً فيعالجها به ويثير ترابها ليصير دمثاً سهلاً فلا يرتد بوله عليه.
    قلت: ويشبه أن يكون الجدار الذي قعد إليه النبي ﷺ جداراً عادياً غير مملوك لأحد من الناس فإن البول يضر بأصل البناء ويوهي أساسه وهو عليه السلام لا يفعل ذلك في ملك أحد إلاّ بإذنه، أو يكون قعوده متراخياً عن جذمه!!! فلا يصيبه البول فيضر به.

———————
ومن باب ما يقول إذا دخل الخلاء

3-(6) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ “
-صححه الالباني-

-قال الخطابي-
الحشوش : الكنف وأصل الحش جماعة النخل الكثيفة وكانوا يقضون حوائجهم إليها قبل أن يتخذوا الكنف في البيوت وفيه لغتان .
ومعنى (محتضرة )أي تحضرها الشياطين وتنتابها. – والخُبث جماعة الخبيث.
والخبائث :جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم،
وقال ابن الأعرابي أصل الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من المِلل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار.

———————

ومن باب كراهة استقبال القبلة عند الحاجة

4- (7) عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ لَقَدْ «نَهَانَا ﷺ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ»
-صححه الالباني-

قال الخطابي
الخِراءة : أدب التخلي والقعود عند الحاجة.
ونهيه عن الاستنجاء باليمين في قول أكثر العلماء نهي تأديب وتنزيه وذلك أن اليمين مرصدة في أدب السنة للأكل والشرب والأخذ والإعطاء ومصونة عن مباشرة السفل والمغابن وعن مماسة الأعضاء التي هي مجاري الأثفال والنجاسات.
وامتهنت اليسرى في خدمة أسافل البدن لإماطة ما هنالك من القذارات وتنظيف ما يحدث فيها من الدنس والشعث.
نهيه عن الاستنجاء باليمين نهي تأديب وعن الرجيع نهي تحريم، والمعاني هي المصرفة للأسماء والمرتبة لها.
وفي قوله وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ، بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها
وفي قوله أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ، البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها. وليس هذا كالماء إذا أنقى كفى لأن الماء يزيل العين والأثر فحل محل الحس والعيان ولم يحتج فيه إلى استظهار بالعدد، والحجر لا يزيل الأثر وإنمّا يفيد الطهارة من طريق الاجتهاد،
فصار العدد من شرطه استظهاراً كالعدة بالأقراء.
وأما نهيه عن الاستنجاء بالعظم فقد دخل فيه كل عظم من ميتة أو ذكيّ لأن الكلام على إطلاقه وعمومه،
وقد حرم الاستنجاء بالمطعوم والرجيع والعذرة. وسُمي رجيعاً لرجوعه عن حالة الطهارة إلى الاستحالة والنجاسة.

———————
5- (8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ»
-حسنه الالباني-

-قال الخطابي-
قوله (إنمّا أنا لكم بمنزلة الوالد) ، كلام بسط وتأنيس للمخاطبين لئلا يحتشموه ولا يستحيوا عن مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم كما لا يستحي الولد عن مسألة الوالد فيما عنّ وعرض له من أمر.
وفي هذا بيان وجوب طاعة الآباء وأن الواجب عليهم تأديب أولادهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين.
وقوله (ولا يستطب بيمينه) ، أي لا يستنجي بها وسمى الاستنجاء استطابة لما فيه من إزالة النجاسة وتطهير موضعها من البدن .
وأصل الاستنجاء في اللغة : الذهاب إلى النجوة من الأرض لقضاء الحاجة والنجوة المرتفعة منها كانوا يستترون بها إذا قعدوا للتخلي فقيل على هذا قد استنجى الرجل أي أزال النجو عن بدنه. والنجو كناية عن الحدث كما كنى عنه بالغائط وأصل الغائط المطمئن من الأرض كانوا ينتابونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه. ومن عادة العرب التعفف في ألفاظها واستعمال الكناية في كلامها وصون الألسنة عما تصان الأسماع والأبصار عنه.
وفي قوله (يأمرنا بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) ، دليل على أن أعيان الحجارة غير مختصة بهذا المعنى دون غيرها من الأشياء التي تعمل عمل الحجارة وذلك أنه لما أمر بالأحجار ثم استثنى الروث والرمة فخصهما بالنهي دل على أن ما عدا الروث والرمة قد دخل في الإباحة وأن الاستنجاء به جائز ولو كانت الحجارة مخصوصة بذلك وكان كل ما عداها بخلاف ذلك لم يمكن لنهيه عن الروث والرمة وتخصيصها بالذكر معنى، وإنما جرى ذكر الحجارة وسبق اللفظ إليها لأنها كانت أكثر الأشياء التي يستنجى بها وجوداً وأقربها متناولاً،
والرمة : العظام البالية ويقال إنها سميت رمة لأن الإبل ترمها أي تأكلها.

———————
6 – (9) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، رِوَايَةً قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَكُنَّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

-صححه الالباني-

-قال الخطابي-
قوله (شرقوا وغربوا )1~ هذا خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته عنى ذلك السمت فأما من كانت قبلته إلى جهة المغرب أو المشرق فإنه لا يغرب ولا يشرق،
والمراحيض : جمع المرحاض وهو المغتسل يقال رحضت الثوب إذا غسلته.
وقد اختلف الناس في تأويل ما اختلف من الأخبار في استقبال القبلة وتخريجها فذهب أبو أيوب إلى تعميم النهي والتسوية في ذلك بين الصحارى والأبنية وهو مذهب سفيان الثوري.
وذهب عبد الله بن عمر إلى أن النهي عنه إنمّا جاء في الصحارى، فأما الأبنية فلا بأس باستقبال القبلة فيها، وكذلك قال الشعبي وإليه ذهب مالك والشافعي ،
وقد قيل إن المعنى هو أن الفضاء من الأرض موضع للصلاة ومتعبد للملائكة والإنس والجن فالقاعد فيه مستقبلا للقبلة ومستدبرا لها مستهدف للأبصار، وهذا المعنى مأمون في الأبنية.
قلت الذي ذهب إليه ابن عمر ومن تابعه من الفقهاء أولى لأن في ذلك جمعا بين الأخبار المختلفة واستعمالها على وجوهها كلها، وفي قول أبي أيوب وسفيان تعطيل لبعض الأخبار وإسقاط له.
وقد روى أبو داود عن ابن عمر أنه قال: ارتقيت على ظهر البيت فرأيت رسول الله ﷺ على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.
وروي أيضاً عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺ أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها.
قلت وفي هذا بيان ما ذكرناه من صحة مذهب من فرق بين البناء والصحراء غير أن جابراً توهم أن النهي عنه كان على العموم فحمل الأمر في ذلك على النسخ.

هامش
1~ في نسخة المؤلف ( شرقوا وغربوا ) وفي سنن ابي داود ( شرقوا أو غربوا)

———————

7- (10) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ»

  • قال الالباني منكر –
  • قال الخطابي-

أراد بالقبلتين الكعبة وبيت المقدس وهذا يحتمل أن يكون على معنى الاحترام لبيت المقدس إذ كان مرة قبلة لنا.
ويحتمل أن يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة.

———————

ومن باب كراهية الكلام على الخلاء.2~

8-(15) حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» 3~

  • ضعفه الالباني ثم تراجع وصححه –
  • قال الخطابي –
    قوله ( يضربان الغائط ) قال أبو عمر صاحب أبي العباس يقال ضربت الأرض إذا أتيت الخلا وضربت في الأرض إذا سافرت.

هامش
2~ في سنن ابي داواد ( باب كراهية الكلام عند الحاجة )
3~ اللفظ في معالم السنن ( فإن الله يمقت ) ليس فيها عز وجل

———————

ومن باب أيرد السلام وهو يبول

9- (16) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ»

  • حسنه الالباني-

10- (17) عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ ” إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ “

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    قلت وفي هذا دلالة على أن السلام الذي يحيي به الناس بعضهم بعضا اسم من أسماء الله عز وجل.
    وقد روي ذلك في حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ «إن السلام اسم من أسماء الله فأفشوه بينكم» .
    وفي الحديث من الفقه أنه قد تيمم في الحضر لغير مرض ولا جرح.
    وإلى هذا ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف إن اغتسل أن تطلع الشمس قال يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت.
    وقال أصحاب الرأي إذا خاف فوات صلاة الجنازة والعيدين يتيمم وأجزأه.
    وفيه أيضاً حجة للشافعي فيمن كان محبوسا في حش أو نحوه فلم يقدر على الطهارة بالماء أنه يتيمم ويصلي على حسب الإمكان إلاّ أنه يرى عليه الإعادة إذا قدر عليها، وكذلك قال في المصلوب وفيمن لا يجد ماءً ولا ترابا أنه يصلي ويعيد.

———————

ومن باب الاستبراء من البول

11- (20) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: ” إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا “

  • صححه الالباني-
  • قال الخطابي –
    قوله ( وما يعذبان في كبير ) معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلاه وهو التنزه من البول وترك النميمة ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين وأن الذنب فيهما هين سهل.
    وفي قوله ﷺ ( أما هذا فكان لا يستنزه من البول ) دلالة على أن الأبوال كلها نجسة مجتنبة من مأكول اللحم وغير مأكوله لورود اللفظ به مطلقاً على سبيل العموم والشمول وفيه إثبات عذاب القبر،
    وأما غرسه شق العسيب على القبر وقوله ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي ﷺ ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه ﷺ جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس ،
    والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله أعلم.

———————

ومن باب البول قائماً

12- (23) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُبَاطَةَ قَوْمٍ «فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ: فَذَهَبْتُ أَتَبَاعَدُ فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ

  • صححه الألباني –
  • قال الخطابي –
    السباطة : مُلقى التراب والقِمام ونحوه تكون بفناء الدار مرفقا للقوم ويكون ذلك في الأغلب سهلاً منثالاً يخد فيه البول فلا يرتد على البائل.
    وأما بوله قائماً فقد ذكر فيه وجوه منها أنه لم يجد للقعود مكانا فاضطر إلى القيام إذ كان ما يليه من طرف السباطة مرتفعا عاليا وقيل إنه كان برجله جرح لم يتمكن من القعود معه وقد روي ذلك في حديث حدثت به عن محمد بن عقيل.
    عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ بال قائماً من جرح كان بمأبضه.
    وحدثونا عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائماً فنرى أنه لعلة. كان به إذ ذاك وجع الصلب والله أعلم.
    وروي عن عمر أنه بال قائماً وقال البول قائماً أحصن للدبر يريد به أنه إذا تفاج قاعداً استرخت مقعدته، وإذا كان قائماً كان أحصن لها،
    والثابت عن رسول الله ﷺ والمعتاد من فعله أنه كان يبول قاعداً وهذا هو الاختيار وهو المستحسن في العادات، وإنما كان ذلك الفعل منه نادرا لسبب أو ضرورة دعته إليه وفي الخبر دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة لما فيه من الضرر والأذى،
    وفيه جواز المسح من الحدث على الخفين.
    وأما قوله فدعاني حتى كنت عند عقبه فالمعنى في إدنائه إياه مع إبعاده في الحاجة إذا أرادها أن يكون سترا بينه وبين الناس، وذلك أن السباطة إنمّا تكون في الأفنية والمحال المسكونة أو قريبة منها ولا تكاد تلك البقعة تخلو من المارة.

———————

ومن باب المواضع التي نهي عن البول فيها

13- (25) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ»
-صححه الالباني-

14- (26) حَدَّثَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ “
-حسنه الالباني-

  • قال الخطابي –
    قوله ( اتقوا اللاعنين ) يريد الأمرين الجالبين للّعن الحاملين الناس عليه والداعِيَين إليه، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم فلما صارا سببا لذلك أضيف إليهما الفعل فكان كأنهما اللاعنان،
    وقد يكون اللاعن أيضاً بمعنى الملعون فاعل بمعنى مفعول.
    والملاعن مواضع اللعن
    والموارد طرق الماء وأحدها موردة
    والظل هنا يراد به مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة تحته فقد قعد النبي ﷺ لحاجته تحت حايش من النخل وللحايش لا محالة ظل، وإنما ورد النهي عن ذلك في الظل يكون ذرىً للناس ومنزلاً لهم.

———————

باب البول في المستحم

15- (27) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ “

  • صححه الالباني- دون قول احمد
  • قال الخطابي –
    المستحم المغتسل وسمي مستحماً باسم الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن المكان جَددا صلبا أولم يكن مسلك ينفذ فيه البول ويسيل فيه الماء فيوهم المغتسل أنه أصابه من قطره ورشاشه فيورثه الوسواس.

———————

ومن باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

16- (30) حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ»

  • صححه الالباني-
  • قال الخطابي –
    الغفران : مصدر كالمغفرة، كأنه يقول اللهم إني أسألك غفرانك كما تقول اللهم عفوك ورحمتك تريد هب لي عفوك ورحمتك
    وقيل في تأويل ذلك وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء قولان
    أحدهما أنه قد استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء، وكان ﷺ لا يهجر ذكر الله إلاّ عند الحاجة فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيرا وعده على نفسه ذنبا فتداركه بالاستغفار.
    وقيل معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ حق هذه النعم ففزع إلى الاستغفار منه والله أعلم.

———————

ومن باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

17- (31) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    إنما كره مس الذكر باليمين تنزيها لها عن مباشرة العضو الذي يكون منه الأذى والحدث وكان ﷺ يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه ويسراه لما عداها من مهنة البدن.
    وأما نهيه عن الشرب نفساً واحداً فنهي تأديب وذلك أنه إذا جرعه جرعاً واستوفى ريه نفساً واحداً تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل معدته.
    وقد روي أن الكُباد من العب وهو إذا قطع شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع لريه وأخف لمعدته وأحسن في الأدب وأبعد من فعل ذوي الشره.

———————

ومن باب الاستتار في الخلاء

18- (35) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقْدَ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .

  • ضعفه الالباني-
  • قال الخطابي –
    قوله ( من استجمر فليوتر ) الاستجمار الاستنجاء بالأحجار
    وقوله ﷺ (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ) معناه التخيير بين الماء الذي هو الأصل في الطهارة وبين الأحجار التي هي للترخيص والترفيه يريد أن الاستنجاء ليس بعزيمة لا يجوز تركها إلى غيره لكنه إن استنجى بالحجارة فليجعلها وتراً ثلاثاً وإلا فلا حرج إن تركه إلى غيره،
    وليس معناه رفع الحرج في ترك التعبد أصلا بدليل حديث سلمان الذي رويناه متقدما وهو قوله نهانا أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار،
    وفيه وجه آخر وهو رفع الحرج في الزيادة على الثلاث، وذلك أن ما جاوز الثلاث في الماء عدوان وترك للسنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعا .
    وقوله ﷺ ( إن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم ) ، فمعناه أن الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله وتكشف فيها العورات، وهو معنى قوله إن هذه الحشوش محتضرة فأمر عليه السلام بالتستر ما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان في براح من الأرض تقع عليه أبصارالناظرين فيتعرض لانتهاك الستر أو تهب عليه الريح فيصيبه نشر البول عليه والخلاء فيلوث بدنه وثيابه وكل ذلك من لعب الشيطان به وقصده إياه بالأذى والفساد.
    وفي قوله: ( من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ) ، دليل على أن أمر النبي ﷺ على الوجوب واللزوم ولولا أن ذلك حكم الظاهر منه ما كان يحتاج فيه إلى بيان سقوط وجوبه وإزالة الإثم والحرج فيه.

ومن باب ما ينهى أن يستنجى به

19- (36) عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ، قَالَ: إِنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِ، قَالَ شَيْبَانُ: فَسِرْنَا مَعَهُ مِنْ كَوْمِ شَرِيكٍ، إِلَى عَلْقَمَاءَ أَوْ مِنْ عَلْقَمَاءَ إِلَى كَوْمِ شَرِيكٍ يُرِيدُ عَلْقَامَ فَقَالَ رُوَيْفِعٌ: «إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَأْخُذُ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ، وَلَنَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ، وَلِلْآخَرِ الْقِدْحُ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ، أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْهُ بَرِيءٌ»،

  • صححه الالباني-
  • قال الخطابي –
    النضو : ههنا البعير المهزول، وهو الذي أنضاه العمل وهزله الكد والجهد،
    وفي هذا حجة لمن أجاز أن يعطي الرجل فرسه أو بعيره على شطر ما يصيبه المستأجر من الغنيمة، وقد أجازه الأوزاعي وأحمد ولم يجز أكثر الفقهاء، وإنما رأوا في مثل هذا أجرة المثل.
    وقوله ( وإن كان أحدنا ليطير له النصل ) أي يصيبه في القسمة يقال طار لفلان النصف ولفلان الثلث إذا وقع له ذلك في القسمة
    والقدح : خشب السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل،
    وفيه دليل على أن الشيء المشترك بين الجماعة إذا احتمل القسمة وطلب أحد الشركاء المقاسمة كان له ذلك ما دام ينتفع بالشيء الذي يخصه منه وان قل ونزر وذلك لأن القدح قد ينتفع به عريا من الريش والنصل، وكذلك قد ينتفع بالنصل والريش وإن لم يكونا مركبين في قدح.
    فأما ما لا ينتفع بقسمته أحد من الشركاء وكان في ذلك الضرر والإفساد للمال كاللؤلؤة تكون بين الشركاء ونحوها من الشيء الذي إذا فرق بين أجزائه بطلت قيمته وذهبت منفعته فإن المقاسمة لا تجب فيه، لأنها حينئذ من باب إضاعة المال ويبيعون الشيء ويقتسمون الثمن بينهم على قدر حقوقهم منه.
    وأما نهيه عن عقد اللحية فإن ذلك يفسر على وجهين:
    أحدهما ما كانوا يفعلونه من ذلك في الحروب كانوا في الجاهلية يعقدون لحاهم وذلك من زي الأعاجم يفتلونها ويعقدونها، وقيل معناه معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد وذلك من فعل أهل التوضيع والتأنيث.
    وأما نهيه عن تقليد الوتر فقد قيل إن ذلك من أجل العوذ التي يعلقونها عليه والتمائم التي يشدونها بتلك الأوتار وكانوا يرون أنها تعصم من الآفات وتدفع عنهم المكاره فأبطل النبي ﷺ ذلك من فعلهم ونهاهم عنه وقد قيل إن ذلك من جهة الأجراس التي يعلقونها بها.
    وقيل أنه نهى عن ذلك لئلا تختنق الخيل بها عند شدة الركض.

———————

20- (39) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ: انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ: «فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ»

  • صححه الاباني –
  • قال الخطابي-
    الحمم : الفحم وما أحرق من الخشب والعظام ونحوهما،
    والاستنجاء به منهي عنه لأنه جعل رزقاً للجن فلا يجوز إفساده عليهم،
    وفيه أيضاً أنه إذا مس ذلك المكان وناله أدنى غمز وضغط تفتت لرخاوته فعلق به شيء منه متلوثاً بما يلقاه من تلك النجاسة .
    وفي معناه الاستنجاء بالتراب وفتات المدر ونحوهما.

———————

ومن باب الاستنجاء بالماء

21- (43) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ حَائِطًا، وَمَعَهُ غُلَامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ، وَهُوَ أَصْغَرُنَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ السِّدْرَةِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    الميضأة : شبه المطهرة تسع من الماء قدر ما يتوضأ به .
    وفيه من العلم أن حمل الخادم الماء إلى المغتسل غير مكروه وأن الأدب فيه أن يليه الأصاغر من الخدم دون الكبار.
    وفيه استحباب الاستنجاء بالماء وإن كانت الحجارة مجزية.
    وقد كره قوم من السلف الاستنجاء بالماء وزعم بعض المتأخرين أن الماء نوع من المطعوم فكرهه لأجل ذلك، والسنة تقضي على قوله وتبطله، وكان بعض القراء يكره الوضوء في مشارع المياه الجارية وكان يستحب أن يؤخذ له الماء في ركوة أو ميضأة، وزعم أنه من السنة لأنه لم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على نهر أو شرع في ماء جار، قلت وهذا عندي من أجل أنه لم يكن بحضرته المياه الجارية والأنهار المطردة، فأما من كان في بلاد ريف وبين ظهراني مياه جارية فأراد أن يشرع فيها ويتوضأ منها كان له ذلك من غير حرج في حق دين ولا سنة.

———————

ومن باب السواك
22- (46) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ، وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»

  • قال الالباني صحيح دون جملة العشاء –
  • قال الخطابي –
    فيه من الفقه أن السواك غير واجب وذلك أن لولا كلمة تمنع الشيء لوقوع غيره فصار الوجوب بها ممنوعا ولو كان السواك واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق.
    وفيه دليل أن أصل أوامره على الوجوب ولولا أنه إذا أمرنا بالشيء صار واجبا لم يكن لقوله لأمرتهم به معنى وكيف يشفق عليهم من الأمر بالشيء وهو إذا أمر به لم يجب ولم يلزم فثبت أنه على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه.
    وأما تأخيره العشاء فالأصل أن تعجيل الصلوات كلها أولى وأفضل وإنما اختار لهم تأخير العشاء ليقل حظ النوم وتطول مدة انتظار الصلاة وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم في صلاة مادام ينتظر الصلاة.

———————

23- (48) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ تَوَضُّؤَ ابْنِ عُمَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا، وَغَيْرَ طَاهِرٍ، عَمَّ ذَاكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَتْنِيهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، حَدَّثَهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ»،

  • حسنه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قال يحتج بهذا الحديث من يرى أن المتيمم لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد وأن عليه أن يتيمم لكل صلاة فريضة.
    قال وذلك لأن الطهارة بالماء كانت مفروضة عليه لكل صلاة وكان معلوماً أن حكم التيمم الذي جعل بدلا عنها مثلها في الوجوب فلما وقع التخفيف بالعفو عن الأصل ولم يذكر سقوط التيمم كان باقيا على حكمه الأول وهو قول علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهما والنخعي وقتادة وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
    فإن سئل على هذا فقيل فهلا كان التيمم تبعاً له في السقوط كهو في الوجوب؟
    قيل الأصل أن الشيء إذا ثبت وصار شرعاً لم يزل عن محله إلا بيقين نسخ وليس مع من أسقطه إلاّ معنى يحتمل ما ادعاه ويحتمل غيره، والنسخ لا يقع بالقياس ولا بالأمور التي فيها احتمال.

———————

ومن باب الرجل يستاك بسواك غيره

24- (50) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ، أَنْ كَبِّرْ أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا»، قَالَ أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ حَزْمٍ: قَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: «هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قوله ( يستن ) معناه يستاك وأصله مأخوذ من السن، وهو إمرارك الشيء الذي فيه حزونة على شيء آخر ومنه المسن الذي يشحذ به الحديد ونحوه يريد أنه كان يدلك أسنانه.
    وفيه من الأدب تقديم حق الأكبر من جماعة الحضور وتبديته على من هو أصغر منه وهو السنة في السلام والتحية والشراب والطيب ونحوها من الأمور.
    وفي معناه تقديم ذي السن بالركوب والحذاء والطست وما أشبه ذلك من الإرفاق.
    وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه على ما يذهب إليه بعض من يتقزز إلاّ أن السنة فيه أن يغسله ثم يستعمله.

———————
بَابُ السِّوَاكِ مِنَ الْفِطْرَةِ

25- (53) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ – يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ – “، قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ «الْمَضْمَضَةَ»

  • صححه الالباني –

26- (54) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ، وَزَادَ «وَالْخِتَانَ»، قَالَ: «وَالِانْتِضَاحَ» وَلَمْ يَذْكُرِ انْتِقَاصَ الْمَاءِ – يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ

  • حسنه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قوله ﷺ عشر من الفطرة فسر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة وتأويله أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم لقوله سبحانه {فبهداهم اقتده} [الأنعام: ٩٠]
    وأول من أُمر بها إبراهيم صلوات الله عليه وذلك قوله تعالى {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: ١٢٤] . قال ابن عباس أمره بعشر خصال ثم عددهن فلما فعلهن قال إني جاعلك للناس إماما أي ليقتدي بك ويستن بسنتك وقد أمرت هذه الأمة بمتابعته خصوصا وبيان ذلك في قوله تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} [النحل: ١٢٣] ويقال إنها كانت عليه فرضاً وهن لنا سنة.
    وأما إعفاء اللحية فهو إرسالها وتوفيرها كره لنا أن نقصها كفعل بعض الأعاجم وكان من زي آل كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب فندب صلى الله عليه وسلم أمته إلى مخالفتهم في الزي والهيئة.
    وأما غسل البراجم فمعناه تنظيف المواضع التي تتشنج ويجتمع فيها الوسخ وأصل البراجم العقد التي تكون في ظهور الأصابع، والرواجب ما بين البراجم وواحدة البراجم بُرجمة.
    وأما الختان فإنه وإن كان مذكورا في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب وذلك أنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر، وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختتنين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين.
    وحكي، عَن أبي العباس بن شريح أنه كان يقول لا خلاف أن ستر العورة واجب فلولا أن الختان فرض لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته.
    وأما انتضاح الماء الاستنجاء وأصله من النضح وهو الماء القليل، وانتقاص الماء الاستنجاء به أيضاً كما فسروه.
    وقد يستدل بهذا الحديث من يرى المضمضة والاستنشاق غير واجبين في شيء من الطهارات ويراهما سنه كنظائرهما المذكورة معهما، إلاّ أنه قد يجوز أن يفرق بين القراين التي يجمعها نظم واحد بدليل يقوم على بعضها فيحكم له بخلاف حكم صواحباتها.
    وقد روي أنه كره من الشاة سبعا: الدم، والمرارة، والحيا، والغدة، والذكر والأنثيين، والمثانة. والدم حرام بالإجماع وعامة المذكورات معه مكروهه غير محرمة.

———————
بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ

27- (55) عَنْ حُذَيْفَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قوله ( يشوص ) معناه يغسل يقال شاصه يشوصه، وماصه يموصه بمعنى واحد إذا غسله.

———————

ومن باب فرض الوضوء

28- (59) عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ»

  • صححه الالباني –

فيه من الفقه أن الصلوات كلها مفتقرة إلى الطهارة وتدخل فيها صلاة الجنازة والعيدين وغيرهما من النوافل كلها.

وفيه دليل أن الطواف لا يجزي بغير طهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة فقال الطواف صلاة إلاّ أنه أبيح فيه الكلام.

وفي قوله ولا صدقة من غلول بيان أن من سرق مالاً أو خانه ثم تصدق به لم يجز وإن كان نواه عن صاحبه وفيه مستدل لمن ذهب إلى أنه إن تصدق به على صاحب المال لم تسقط عنه تبعته.
وإن كان طعاما فأطعمه إياه لم يبرأ منه ما لم يعلمه بذلك.
وإطعام الطعام لأهل الحاجة صدقة ولغيرهم معروف وليس من أداء للحقوق ورد الظلامات.

———————

29- (61) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

  • قال الالباني حسن صحيح –
  • قال الخطابي –
    فيه من الفقه أن تكبيرة الافتتاح جزء من إجراء الصلاة وذلك لأنه أضافها إلى الصلاة كما يضاف إليها سائر أجزائها من ركوع وسجود، وإذا كان كذلك لم يجز أن تعري مباديها عن النية لكن تضامها كما لا يجزيه إلاّ بمضامة سائر شرائطها من استقبال القبلة وستر العورة ونحوهما.
    وفيه دليل أن الصلاة لا يجوز افتتاحها إلاّ بلفظ التكبير دون غيره من الأذكار وذلك لأنه قد عينه بالألف واللام اللتين هما للتعريف والألف واللام مع الإضافة يفيدان السلب والإيجاب وهو أن يسلبا الحكم فيما عدا المذكور ويوجبان ثبوت المذكور، كقولك فلان مبيته المساجد أي لا مأوى له غيرها، وحيلة الهم الصبر أي لا مدفع له إلاّ بالصبر ومثله في الكلام كثير.
    وفيه دليل على أن التحليل لا يقع بغير السلام لما ذكرنا من المعنى ولو وقع بغيره لكان ذلك خُلْفا في الخبر.

———————
ومن باب الماء يكون في الفلاة

30- (63) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ ﷺ «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ»،

  • صححه الالباني –

31- (64) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ .
-قال الالباني حسن صحيح-

32- (65) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ»
-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    قلت قد تكون (القلة ) الإناء الصغير الذي تقله الأيدي ويتعاطى فيه الشرب كالكيزان ونحوها،
    وقد تكون ( القلة ) الجرة الكبيرة التي يقلها القوي من الرجال .
    إلاّ أن مخرج الخبر قد دل على أن المراد به ليس النوع الأول لأنه إنما سئل عن الماء الذي يكون بالفلاة من الأرض في المصانع والوهاد والغدرَان ونحوها.
    ومثل هذه المياه لاتحمل بالكوز والكوزين في العرف والعادة لأن أدنى النجس إذا أصابه نجسه فعلم أنه ليس معنى الحديث.
    وقد روي من غير طريق أبي داود من رواية ابن جريج إذا كان الماء قلتين بقلال هجر.
    وقلال هجر مشهورة الصنيعة معلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف المكائل والصيعان والقرب المنسوبة إلى البلدان المحدودة على مثال واحد وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها لأن الحد لا يقع بالمجهول ولذلك قيل قلتين على لفظ التثنية ولوكان وراءها قلة في الكبر لأشكلت دلالته فلما ثناها دل على أنه أكبر القلال لأن التثنية لا بد لها من فائدة وليست فائدتها إلاّ ما ذكرناه،
    وقد قدر العلماء القلتين بخمس قرب، ومنهم من قدرها بخمسمائة رطل.
    ومعنى قوله لم يحمل الخبث أي يدفعه عن نفسه كما يقال فلان لا يحتمل الضيم
    إذ كان يأباه ويدفعه عن نفسه ،
    وإنما ورد هذا مورد الفصل والتحديد بين المقدار الذي ينجس والذي لا ينجس ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينجس من رواية عاصم بن المنذر.
    وممن ذهب إلى هذا في تحديد الماء، الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث، منهم محمد بن إسحاق بن خزيمة.
    وقد تكلم بعض أهل العلم في إسناده من قبل أن بعض رواته، قال عن عبد الله بن عبد الله، وقال بعضهم عبيد الله بن عبد الله، وليس هذا باختلاف يوجب توهينه لأن الحديث قد رواه عبيد الله وعبد الله معا.
    وكفى شاهدا على صحته أن نجوم الأرض من أهل الحديث قد صححوه وقالوا به وهم القدوة وعليهم المعول في هذا الباب.
    وقد يستدل بهذا الحديث من يرى سؤر السباع نجسا لقوله وما ينوبه من الدواب والسباع فلولا أن شرب السباع منه ينجسه لم يكن لمسألتهم عنه ولا لجوابه إياهم بهذا الكلام معنى، وقد يحتمل أن يكون ذلك من أجل أن السباع إذا وردت المياه خاضتها وبالت فيها وتلك عادتها وطباعها وقل ماتخلو أعضاؤها من لوث أبوالها ورجيعها، وقد ينتابها أيضاً في جملة السباع الكلاب وأسْآرها نجسة ببيان السنة.

———————
ومن باب في بئر بضاعة

33- (66) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»،

-صححه الالباني –

  • قال الخطابي –
    قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث ان هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا وهذا ما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلا عن مسلم ولم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين.
    والماء في بلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له،
    وقد لعن رسول الله ﷺ من تغوط في موارد الماء ومشارِعِه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا لأنجاس ومطرحا للأقذار، هذا ما لا يليق بحالهم،
    وإنما كان هذا من أجل أن هذه البئر موضعها في حَدور من الأرض وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيره فسألوا رسول الله ﷺ عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة فكان من جوابه لهم أن الماء لا ينجسه شيء يريد الكثير منه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة جمامه لأن السؤال إنمّا وقع عنها بعينها فخرج الجواب عليها، وهذا لا يخالف حديث القلتين إذ كان معلوماً أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين فأحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقضه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا ينسخه.

———————

  • باب الماء لا يجنب-

34- (68) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلَ، فَقَالَتْ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    قوله ( لا يجنب )، معناه لا ينجس
    وحقيقته أنه لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حال يجتنب فلا يستعمل،
    وأصل الجنابة البعد، وسمي المجامع ما لم يغتسل جنبا لمجانبته الصلاة وقراءة القرآن كما سمي الغريب جنبا لبعده عن أهله ووطنه.
    وقد روي أربع لا يجنبن: الثوب والإ نسان والأرض والماء، وفسروه أن الثوب إذا أصابه عرق الجنب والحائض لم ينجس.
    والإنسان إذا أصابته الجنابة لم ينجس وإن صافحه جنب أو مشرك لم ينجس.
    والماء إن أدخل يده فيه جنب أو اغتسل فيه لم ينجس.
    والأرض إن اغتسل عليها جنب لم تنجس.

———————
ومن باب البول في الماء الراكد

35- (70) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ»

-قال الالباني حسن صحيح-

  • قال الخطابي –
    الماء الدائم : هو الراكد الذي لا يجري،
    ونهيه عن الاغتسال فيه يدل على أنه يسلبه حكمه كالبول فيه يسلبه حكمه إلاّ أن الاغتسال فيه لا ينجسه لأن بدن المؤمن ليس بنجس والبول ينجسه لنجاسته في نفسه.
    وفيه دليل على أن الوضوء بالماء المستعمل غير جائز وإنما ينجس الماء بالبول فيه إذا كان دون القلتين بدليل ما تقدم من الحديث.
    وفيه دليل على أن حكم الماء الجاري بخلاف الراكد لأن الشيء إذا ذكر بأخص أوصافه كان حكم ما عداه بخلافه.
    والمعنى فيه أن الماء الجاري إذا خالطه النجس دفعه الجزء الثاني الذي يتلوه فيه فيغلبه فيصير في معنى المستهلك ويخلفه الطاهر الذي لم يخالطه النجس والماء الراكد لا يدفع النجس عن نفسه إذا خالطه لكن يداخله ويقارُّه فمهما أراد استعمال شيء منه كان النجس فيه قائماً والماء في حد القلة فكان محرما.

———————
ومن باب الوضوء بسؤر الكلب

36- (71) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مِرَارٍ، أُولَاهُنَّ بِتُرَابٍ»،

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    في هذا الحديث من الفقه أن الكلب نجس الذات ولولا نجاسته لم يكن لأمره بتطهير الإناء من ولوغه معنى.
    والطهور يقع في الأصل إما لرفع حدث أو لازالة نجس والإناء لا يلحقه حكم الحدث فعلم أنه قصد به إزالة النجس
    وإذا ثبت أن لسانه الذي يتناول به الماء نجس يجب تطهير الإناء منه علم أن سائر أجزائة وأبعاضه في النجاسة بمثابة لسانه فبأي جزء من أجزاء بدنه ماسه وجب تطهيره.
    وفيه البيان الواضح أنه لا يطهره أقل من عدد السبع وأن تعفيره بالتراب واجب.
    وإذا كان معلوماً أن التراب أنمّا ضم إلى الماء استظهارا في التطهير وتوكيدا له لغلظ نجاسة الكلب فقد عقل أن الأشنان وما أشبهه من الأشياء التي فيها قوة الجلاء والتهير بمنزلة التراب في الجواز.
    وفي دليل على أن الماءالمولوغ فيه نجس لأن الذي قد مسه الكلب هو الماء دون الإناء فلولا أن الماء نجس لم يجب تطهير الإناء منه.
    ويؤيد ذلك قوله في رواية أخرى إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبعا .
    ولو كان المولوغ فيه باقيا على طهارته لم يأمر بإراقته، وقد يكون لبنا وزيتا ونحو ذلك من المطعوم وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
    وفي الخبر دليل على أن الماء القليل إذا حلته نجاسة فسد،
    وفيه دليل على تحريم بيع الكلب إذ كان نجس الذات فصار كسائر النجاسات.

ومن باب في سؤر الهرة

37- (75) عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ – وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ – أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ»

-قال الالباني حسن صحيح-

  • قال الخطابي –
    فيه من الفقه أن ذات الهرة طاهرة وأن سؤرها غير نجس وأن الشرب منه والوضوء به غير مكروه.
    وفيه دليل على أن سؤر كل طاهر الذات من السباع والدواب والطير وإن لم يكن مأكول اللحم طاهر.
    وفيه دليل على جواز بيع الهر إذ قد جمع الطهارة والنفع.
    وقوله إنها من الطوافين أو الطوافات عليكم يتأول على وجهين أحدهما أن يكون شبهها بخدم البيت وبمن يطوف على أهله للخدمة ومعالجة المهنة كقوله تعالى {طوافون عليكم بعضكم على بعض} [النور: ٥٨] ، يَعني المماليك والخدم وقال تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون} [الواقعة: ١٧] وقال ابن عمر إنمّا هي ربيطة من ربائط البيت
    والوجه الآخر أن يكون شبهها بمن يطوف للحاجة
    والمسألة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة ويتعرض للمسألة.

———————
ومن باب الوضوء بفضل وضوء المرأة

38- (77) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَنَحْنُ جُنُبَانِ»

-صححه الالباني-

39- (82) عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الْأَقْرَعُ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

فيه دليل على أن الجنب ليس بنجس، وأن فضل وضوء المرأة طاهركفضل وضوء الرجل.
وروى أبو داود في هذا الباب حديثا آخر في النهي عن فضل طهور المرأة.
وروى أبو داود في هذا الباب حديثا آخر في النهي عن فضل طهور المرأة، عن الحكم بن عمرو وهو الأقرع أن رسول الله ﷺ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة.
فكان وجه الجمع بين الحديثين أن ثبت حديث الأقرع أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهر به دون الفضل الذي تسئره في الإناء، وفيه حجة لمن رأى أن الماء المستعمل لا يجوز الوضوء به.
ومن الناس من يجعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب،
وكان ابن عمر يذهب إلى النهي عن فضل وضوء المرأة، إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرا فلا بأس به.
وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي.
وقال محمد بن إسماعيل: خبر الأقرع لا يصح. والصحيح في هذا الباب حديث عبد الله بن سرجس وهو موقوف ومن رفعه فقد أخطأ.

———————
ومن باب الوضوء بماء البحر

40- (83) أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ – وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ – أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

-صححه الالباني-

-قال الخطابي –

في هذا الحديث أنواع من العلم
منها أن المعقول من الطهور والغسول المضمنين في قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: ٦] الآية إنما كان عند السامعين له والمخاطبين به الماء المفطور على خلقته السليم في نفسه الخلي من الأعراض المؤثرة فيه ألا تراهم كيف ارتابوا بماء البحر لما رأوا تغيره في اللون وملوحة الطعم حتى سألوا رسول الله ﷺ واستفتوه عن جواز التطهير به.
وفيه أن العالم والمفتي إذا سئل عن شيء وهو يعلم أن بالسائل حاجة إلى معرفة ما وراءه من الأمور التي يتضمنها مسألته أو تتصل بمسألته كان مستحبا له تعليمه إياه والزيادة في الجواب عن مسألته ولم يكن ذلك عدوانا في القول ولا تكلفا لما لا يَعني من الكلام ، ألا تراهم سألوه عن ماء البحر حسب، فأجابهم عن مائه وعن طعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد في البحر كما يعوزهم الماء العذب، فلما جمعتهم الحاجة منهم انتظمهما الجواب منه لهم.
وأيضاً فإن علم طهارة الماء مستفيض عند الخاصة والعامة، وعلم ميتة البحر وكونها حلالا مشكل في الأصل، فلما رأى السائل جاهلا بأظهر الأمرين غير مستبين للحكم فيه علم أن أخفاهما أولاهما بالبيان ونظير هذا قوله للرجل الذي أساء الصلاة بحضرته فقال له صل فإنك لم تصل فأعادها ثلاثا كل ذلك يأمره بإعادة الصلاة إلى أن سأله الرجل أن يعلمه الصلاة فابتدأ فعلمه الطهارة ثم علمه الصلاة وذلك والله أعلم لأن الصلاة شيء ظاهر تشتهره الأبصار، والطهارة أمر يستخلي به الناس في ستر وخفاء فلما رآه صلى الله عليه وسلم جاهلا بالصلاة حمل أمره على الجهل بأمر الطهارة فعلمه إياها.
وفيه وجه آخر وهوأنه لما أعلمهم بطهارة ماء البحر وقد علم أن في البحر حيوانا قد يموت فيه والميتة نجس احتاج إلى أن يعلمهم أن حكم هذا النوع من الميتة حلال بخلاف سائر الميتات لئلا يتوهموا أن ماءه ينجس بحلولها إياه.
وفيه دليل على أن السمك الطافي حلال وأنه لا فرق بين ما كان موته في الماء وبين ما كان موته خارج الماء من حيوانه.
وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا ماتت فيه الطهارة، وذلك بقضية العموم إذا لم يستثن نوعا منها دون نوع.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ما كان له في البر مثل ونظير مما لا يؤكل لحمه كالإنسان المائي والكلب والخنزير فإنه محرم، وما له مثل في البر يؤكل فإنه مأ كول.
وذهب آخرون إلى أن هذا الحيوان وإن اختلف صورها فإنها كلها سموك، والجريث يقال له حية الماء وشكله شكل الحيات ثم أكله جائز فعلم أن اختلافها في الصور لا يوجب اختلافها في حكم الإباحة، وقد استثنى هؤلاء من جملتها الضفدع لأن النبي ﷺ نهى عن قتل الضفدع.

———————
ومن باب أيصلي الرجل وهو حاقن

41- (89) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ – قَالَ ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ: ابْنُ أَبِي بَكْرٍ – ثُمَّ اتَّفَقُوا أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ – قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعَامِهَا، فَقَامَ الْقَاسِمُ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

إنما أمر ﷺ أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه فيدخل المصلي في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوة الطعام فيعجله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها وكذلك إذا دافعه البول فإنه يصنع به نحوا من هذا الصنيع، وهذا إذا كان في الوقت فضل يتسع لذلك، فأما إذا لم يكن فيه متسع له ابتدأ الصلاة ولم يعرج على شيء سواها.

———————
42- (91) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» – ثُمَّ سَاقَ نَحْوَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ قَالَ: «وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلَا يَخْتَصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ»،

  • صححه الالباني الا جملة الدعوة-
  • قال الخطابي –

قوله لا يحل لرجل أن يؤم قوما إلاّ بإذنهم يريد أنه إذا لم يكن باقرئهم ولا بافقههم لم يجز له الاستبداد عليهم بالإمامة فأما إذا كان جامعا لأوصاف الإمامة بأن يكون أقرأ الجماعة وأفقههم فإنهم عند ذلك يأذنون له لا محالة في الإمامة بل يسألونه ذلك ويرغبون إليه فيها وهو إذ ذاك أحقهم بها أذنوا له أو لم يأذنوا.
وقد قيل إن النهي عن الإمامة إلاّ بالاستئذان انما هو إذا كان في بيت غيره فأما إذا كان في سائر بقاع الأرض فلا حاجة به إلى الاستئذان وأولاهم بالإمامة أقرؤهم وأفقههم على ماجاء معناه في حديث أبي مسعود البدري.

———————
ومن باب اسباغ الوضوء

43- (97) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    فيه من الفقه أن المسح لا يجوز على النعلين وأنه لا يجوز ترك شيء من القدم وغيره من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء قل ذلك أوكثر لأنه ﷺ لا يتوعد على ما ليس بواجب.

———————
ومن باب التسمية على الوضوء

44- (101) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –

قلت قد ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر لفظ الحديث فأوجب إعادة الوضوء إذا ترك التسمية عامدا وهو قول إسحاق بن راهويه.
قال آخرون معناه نفي الفضيلة دون الفريضة كما روي لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد أي في الأجر والفضيلة،
وتأوله جماعة من العلماء على النية وجعلوه ذكر القلب.
وقالوا وذلك أن الأشياء قد تعتبر بأضدادها فلما كان النسيان محله القلب كان محل ضده الذي هو الذكر بالقلب وإنما ذكرُ القلب النية والعزيمة.

———————
ومن باب يدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها

45- (103) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»،

  • حكم الالباني : صحيح دون الثلاث –
  • قال الخطابي –

قلت: قد ذهب داود ومحمد بن جربر إلى إيجاب غسل اليد قبل غمسها في الإناء ورأيا أن الماء ينجس به إن لم تكن اليد مغسولة،
وفرق أحمد بين نوم الليل ونوم النهار. قال وذلك لأن الحديث إنما جاء في ذكر الليل في قوله إذا قام أحدكم من الليل ولأجل أن الانسان لا يتكشف لنوم النهار ويتكشف غالبا لنوم الليل فتطوف يده في أطراف بدنه فربما أصابت موضع العورة وهناك لوث من أثر النجاسة لم ينقه الاستنجاء بالحجارة فإذا غمسها في الماء فسد الماء بمخالطة النجاسة إياه، وإذا كان بين اليد وبين موضع العورة حائل من ثوب أو نحوه كان هذا المعنى مأموناً.
وذهب عامة أهل العلم إلى أنه غمس يده في الإناء قبل غسلها فإن الماء طاهر ما لم يتيقن نجاسة بيده وذلك لقوله فإنه لا يدري أين باتت يده فعلقه بشكل وارتياب، والأمر المضمن بالشك والارتياب لا يكون واجبا وأصل الماء الطهارة وبدن الإنسان على حكم الطهارة كذلك، وإذا ثبتت الطهارة يقينا لم تزل بأمر مشكوك فيه.
وفي الخبر دليل على أن الماء القليل إذا وردت عليه النجاسة وإن قلت غيرت حكمه لأن الذي يعلق باليد منها من حيث لا يرى قليل، وكان من عادة القوم في طهورهم استعمال ما لطف من الآنية كالمخاضب والمراكن والركاء والأداوي ونحوها من الآنية التي تقصر عن قدر القلتين.
وفيه من الفقه أن القليل من الماء إذا ورد على النجاسة على حد الغلبة والكثرة أزالها ولم يتنجس بها لأن معقولا ان الماء الذي أمره رسول الله ﷺ أن يصبه من الإناء على يده أقل من الماء الذي أبقاه في الإناء; ثم قد حكم للأقل بااطهارة والتطهير وللأكثر بالنجاسة فدل على الفرق بين الماء واردا على النجاسة ومورودا عليه النجاسة.
وفيه دليل على أن غسل النجاسة سبعا مخصوص به بعض النجاسات دون بعض وأن ما دونها من العدد كاف لإزالة سائر الأنجاس، والعدد الثلاثة في هذا الخبر احتياط واستظهار باليقين لأن الغالب أن الغسلات الثلاث إذا توالت على نجاسة عين أزالتها وأذهبتها، وموضع النجاسة ههنا غير مرئي العين فاحتيج إلى الاستظهار بالعدد ليتيقن إزالتها ولو كانت عينها مرئية لكانت الكفاية واقعة بالغسلة الواحدة مع الإزالة.
وفيه من الفقه أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه وأن ما عداه غير مقيس عليه.
وفي الحديث من العلم أن الأخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في طب العبادات أولى.

هامش
28~ في سنن ابي داود ( بَابٌ فِي الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا )

———————
ومن باب صفة وضوء النبي ﷺ

46- (117) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَأَصْغَى الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ فَتَرَكَهَا تَسْتَنُّ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ، وَفِيهَا النَّعْلُ فَفَتَلَهَا بِهَا، ثُمَّ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ.

-حسنه الالباني-

  • قال الخطابي –

قوله (استنثر )معناه استنشق الماء ثم أخرجه من أنفه.
وقوله (تستن على وجهه ) معناه تسيل وتنصب يقال سننت الماء إذا صببته صبا سهلا،
وفيه أن مسح باطن الأذن مع الوجه وظاهرهما مع الرأس،
وأما مسحه على الرجلين وهما في النعلين فإن الروافض ومن ذهب مذهبهم في خلاف جماعة المسلمين يحتجون به في إباحة المسح على الرجلين في الطهارة من الحدث واحتج بذلك أيضاً بعض أهل الكلام وهو الجُبائي زعم أن المرء مخير بين غسل الرجل ومسحها.
وحكي ذلك أيضاً عن محمد بن جرير محتجين بقوله تعالى {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: ٦] قالوا والقراءة بالخفض في أرجلكم مشهورة وموجبها المسح.
وهذا تأويل فاسد مخالف لقول جماعة الأمة.
فأما احتجاجهم بالقراءة في الآية فلا درَكَ لهم فيها لأن العطف قد يقع مرة على اللفظ المجاور ومرة على المعنى المجاور، فالأول كقولهم جحر ضبٍ خربٍ والخرب من نعت الجحر وهو مرفوع وكقول الشاعر: كأن نسج العنكبوت المرمل
وقول الآخر:
معاوي إننا بشر فاسجح … فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وإذا كان الأمر في ذلك على مذهب اللغة وحكم الاعراب سواء في الوجهين وجب الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه أنه قال: ويل للأعقاب من النار.
فثبت أن استيعاب الرجلين غسلا واجب.
قلت وقد يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
أخبرني الأزهري حدثنا أبو بكر بن عثمان، عَن أبي حازم، عَن أبي زيد الأنصاري. قال المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال مسح الله ما بك أي أذهبه عنك وطهرك من الذنوب.
وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه، قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه، وقال ما أدري ما هذا. وقد يحتمل أن ثبت الحديث أن يكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه وإن كان في النعل ويدل على ذلك قوله ففتلها بها ثم الأخرى مثل ذلك، والحفنة من الماء إنما كفت مع الرفق في مثل هذا. فأما من أراد المسح على بعض القدم فقد يكفيه ما دون الحفنة وقد روي في غير هذه الرواية عن علي رضي الله عنه أنه توضأ ومسح علي نعليه وقال هذا وضوء من لم يحدث. وإذا احتمل الحديث وجهاً من التأويل يوافق قول الأمة فهو أولى من قول يكون فيه مفارقتهم والخروج من مذاهبهم.
والعجب من الروافض تركوا المسح على الخفين مع تظاهر الأخبار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم واستفاضة علمه على لسان الأمة وتعلقوا بمثل هذا التأويل من الكتاب وبمثل هذه الرواية من الحديث ثم اتخذوه شعارا حتى إن الواحد من غلاتهم ربما تألى فقال برئت من ولاية أمير المؤمنين ومسحت على خفي إن فعلت كذا.

———————
47- (134) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ الْمَأْقَيْنِ»، قَالَ: وَقَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا: أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ – يَعْنِي قِصَّةَ الْأُذُنَيْنِ –

  • ضعفه الالباني-
  • قال الخطابي –

الماق : طرف العين الذي يلي الأنف،
وقوله (الأذنان من الرأس) فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري وأنه ليس باطنهما من الوجه وظاهرهما من الرأس كما ذهب إليه الشعبي.
وممن ذهب إلى أنهما من الرأس ابن المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ومالك وأحمد بن حنبل.

———-

ومن باب في الاستنثار

48- (142) عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ – أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ – إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ – وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: الْقِنَاعَ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ – ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ – أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟» قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: «مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟»، قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: «فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً»، ثُمَّ قَالَ: ” لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً ” قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا – يَعْنِي الْبَذَاءَ – قَالَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: ” فَمُرْهَا يَقُولُ: عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ ” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا».

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

قوله: (أمرت لنا بخزيرة) فإن الخزيرة من الأطعمة ما اتخذ بدقيق ولحم، والخزيرة حساء من دقيق ودسم،
(والقناع )الطبق، وسمي قناعا لأن أطرافه أقنعت إلى داخل، أي عطفت.
وقوله (تيعر )من اليُعار وهو صوت الشاة،
وقوله (ما ولَّدت ) هومشددة اللام على معنى خطاب الشاهد. وأصحاب الحديث يروونه على معنى الخبر يقولون ما ولدت خفيفة اللام ساكنة التاء أي ما ولدت الشاة، وهو غلط يقال ولَّدت الشاة إذا أحضرت ولادها فعالجتها حتى يبين منها الولد وأنشدني أبو عمر في ذكر قوم:
إذا ما ولَّدوا يوماً تنادوا …أجديٌ تحت شاتك أم غلام
و(البهمة) ولد الشاة أول ما يولد يقال للذكر والأنثى بهمة.
وقوله (لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ) معناه ترك الاعتداد به على الضيف والتبرؤ من الرياء.
وقوله (ولا تحسبن )مكسورة السين إنما هو لغة عُليا مضر وتحسبن بفتحها لغة سفلاها وهو القياس عند النحويين.
وقوله (لا تضرب ) ظعينتك كضربك أميتك فإن الظعينة هي المرأة وسميت ظعينة لأنها تظعن مع الزوج وتنتقل بانتقاله.
وليس في هذا ما يمنع من ضربهن أويحرمه على الأزواج عند الحاجة إليه فقد أباح الله تعالى ذلك في قوله {فعظوهن واهجروهن في المضاجع} [النساء: ٣٤] وإنما فيه النهي عن تبريح الضرب كما يضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهم، ويستعمل سوء الملكة فيهم. وتمثله بضرب المماليك لا يوجب إباحة ضربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعالهم ونهاه عن الاقتداء بها.
وقد نهى ﷺ عن ضرب المماليك إلاّ في الحدود وأمرنا بالإحسان إليهم وقال: من لم يوافقكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله.
فأما ضرب الدواب فمباح لأنها لا تتأدب بالكلام ولا تعقل معاني الخطاب كما يفعل الإنسان، وإنما يكون تقويمها غالبا بالضرب، وقد ضرب رسول الله ﷺ وحرك بعيره بمحجنه ونخس جمل جابر رضي الله عنه حين أبطأ عليه فسبق الركب حتى مايملك رأسه.
وفي الحديث من الفقه أن الاستنشاق في الوضوء غير واجب ولو كان فرضاً فيه لكان على الصائم كهو على المفطر، ونرى أن معظم ما جاء من الحث والتحريض على الاستنشاق في الوضوء إنما جاء لما فيه من المعونه على القراءة وتنقية مجرى النفس النذي يكون به التلاوة. وبإزالة ما فيه من الثفل تصح مخارج الحروف.
وقال ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه إذا ترك الاستنشاق في الوضوء أعاد الصلاة وكذلك إذا ترك المضمضة.
وفي الحديث دليل على أن ما وصل إلى الدماغ من سعوط ونحوه فإنه يفطر الصائم كما يفطره ما يصل إلى معدته إذا كان ذلك من فعله أو بإذنه.
وفي الحديث دليل على أنه بالغ في الاستنشاق ذاكرا لصومه فوصل الماء إلى دماغه فقد أفسد صومه.
وقوله (أخبرني عن الوضوء) فان ظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء إلاّ أنه ﷺ لما اقتصر في الجواب على تخليل الأصابع والاستنشاق علم أن السائل لم يسأله عن حكم ظاهر الوضوء وإنما سأله عما يخفى من حكم باطنه وذلك لأن آخذ الماء قد يأخذه بجمع الكف وضم الأصابع بعضها إلى بعض فيسد خصاص ما بينها فربما لم يصل الماء إلى باطن الأصابع وكذلك هذا في باطن أصابع الرجل لأنها ربما ركب بعضها بعضا حتى تكاد تلتحم فقدم له الوصاة بتخليلها ووكد القول فيها لئلا يغفلها والله أعلم.

———————
ومن باب تخليل اللحية
49- (145) عَنْ أَنَسٍ يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ»، وَقَالَ: «هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ»،
-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

قلت قد أوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال إذا تركه عامدا أعاد الصلاة وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور.
وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحي على سبيل الوجوب ما رق من الشعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة.

————————
ومن باب المسح على العمامة

50- (146) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ»

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –
    العصائب العمائم سميت عصائب لأن الرأس يعصب بها والتساخين الخفاف.
    ويقال إن أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوه.
    وقد اختلف أهل العلم في المسح على العمامة فذهب إلى جوازه جماعة من السلف وقال به من فقهاء الأمصار الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود. وقال أحمد قد جاء ذلك عن النبي ﷺ من خمسة أوجه وشرط من جوز المسح على العمامة أن يعتم الماسح عليها بعد كمال الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين.
    وروي عن طاوس أنه قال لا يمسح على العمامة التي لا تجعل تحت الذقن.
    وأبى المسح على العمامة أكثر الفقهاء وتأولوا الخبرفي المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره ولا ينزع عمامته من رأسه ولا ينقضها وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له; وهوأنه وصف وضوءه ثم قال ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة. وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعاً له كما روي أنه مسح أسفل الخف وأعلاه، ثم كان الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له.
    والأصل أن الله تعالى فرض مسح الرأس وحديث ثوبان محتمل للتأويل فلا يترك الأصل المتيقن وجوبُه بالحديث المحتمل ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد لأن الخف يشق نزعه ونزع العمامة لا يشق.

———————
51- (147) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ»
-ضعفه الالباني-

  • قال الخطابي –

قلت وهذا يشهد لما تأولوه في معنى الحديث الأول والقِطر نوع من البرود فيه حمرة.

———————
ومن باب المسح على الخفين

52- (151) عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَكْبِهِ وَمَعِي إِدَاوَةٌ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ، ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَضَاقَتْ فَادَّرَعَهُمَا ادِّرَاعًا، ثُمَّ أَهْوَيْتُ إِلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنْزَعَهُمَا، فَقَالَ لِي: «دَعِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ أَبِي: قَالَ الشَّعْبِيُّ: شَهِدَ لِي عُرْوَةُ، عَلَى أَبِيهِ، وَشَهِدَ أَبُوهُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –

قوله (ادرعهما) معناه أنه نزع ذراعيه عن الكمين وأخرجهما من تحت الجبة .
وفي قوله (أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان) دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلاّ بأن يلبسا على كمال الطهارة وأنه إذا غسل إحدى رجليه فلبس عليها أحد الخفين ثم غسل رجله الأخرى ثم لبس الخف الآخر لم يجزئه لأنه جعل طهارة القدمين معاً قبل لبس الخفين شرطا لجواز المسح عليهما وعلة لذلك والحكم المعلق بشرط لا يصح إلاّ من جود شرطه وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وفيه جواز الاستعانة في الطهارة والوضوء بالخادم ونحوه.

———————
53- (153) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسْأَلُ بِلَالًا، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ»،

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

الموق نوع من الخفاف معروف وساقه إلى القصر.

———————
54- (154) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا، بَالَ، ثُمَّ «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ»، قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ

-حسنه الالباني-

  • قال الخطابي –

أراد القوم بهذا القول أن المسح على الخفين كان رخصة ثم نسخ بقوله سبحانه {وأرجلكم إلى الكعبين} في صورة المائدة. فقال جرير ما أسلمت إلاّ بعد نزول المائدة أي ما صحبت رسول الله ﷺ إلاّ بعد إسلامي. وقد رأيته يمسح على خفيه يريد به إثبات المسح على الخفين وأنه غير منسوخ، وفي هذا من قول الصحابة دلالة على أنهم كانوا يرون نسخ السنة بالقرآن.
وقد روى قوم من الشيعة عن علي رضي الله عنه أنه قال إنما كان المسح على الخفين قبل نزول المائدة ثم نهى عنه فصارت الإباحة منسوخة. هذا أمرلايصح عن على رضى الله عنه. وقد ثبت عنه أنه قال لو كان الدين بالقياس أو بالرأى لكان باطن الخف، أولى بالمسح من ظاهره، إلا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه.
وقد ذكره أبو داود حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث حدثنا الأعمش، عَن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه بمعناه.

———————
ومن باب فى التوقيت في المسح

55- (158) عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلْقِبْلَتَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: «يَوْمًا»، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَيَوْمَيْنِ»، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: «نَعَمْ وَمَا شِئْتَ»

-ضعفه الالباني –

  • قال الخطابي –

قلت والأصل في التوقيت أنه للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن هكذا روي في خبر خزيمة بن ثابت وخبر صفوان بن عسال وهو قول عامة الفقهاء غير أن مالكا قال يمسح من غير توقيت قولا بظاهر هذا الحديث.
وتأويل الحديث عندنا أنه جعل له أن يرتخص بالمسح ما شاء وما بدا له كلما احتاج إليه على مر الزمان إلا أنه لا يعدو شرط التوقيبت، والأصل وجوب غسل الرجلين فإذا جاءت الرخصة في المسح مقدرة بوقت معلوم لم يجز مجاوزتها إلا بيقين، والتوقيت في الأخبار الصحيحة إنما هو اليوم والليلة للمقيم والثلاثة الأيام ولياليهن للمسافر.
فأما رواية منصور عن إبراهيم التيمي، عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت أنه قال ولو استزدناه لزادنا. فإن الحكم وحمادا قد روياه عن إبراهيم فلم يذكروا فيه هذا الكلام ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه ظن منه وحسبان، والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي.
وقال محمد بن إسماعيل ليس في التوقيت في المسح على الخفين شيء أصح من حديث صفوان بن عسال المرادي.

———————
ومن باب المسح على الجوربين

56- (159) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالنَّعْلَيْنِ»،

-صححه الالباني-

  • قال الخطابي –

قوله (والنعلين )هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين.
وقد أجاز المسح على الجوربين جماعة من السلف وذهب إليه نفر من فقهاء الأمصار منهم سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وقال مالك والأوزاعي والشافعى لا يجوز المسح على الجوربين قال الشافعي إلا إذا كانا منعلين يمكن متابعة المشي فيهما.
وقال أبو يوسف ومحمد يمسح عليهما إذا كانا ثخينين لا يشقان.
وقد ضعف أبو داود هذا الحديث وذكر أن عبد الرحمن بن مهدي كان لا يحدث به.

———————
ومن باب في الانتضاح

57- (166) عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَوِ الحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِذَا بَالَ يَتَوَضَّأُ وَيَنْتَضِحُ»
-صححه الالباني –

-قال الخطابي –

الانتضاح : ههنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء، وقد يتناول الانتضاح أيضاً على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء به ليرفع بذلك وسوسة الشيطان.

———————
ومن باب في تفريق الوضوء

58- (173) عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –

دلالة هذا الحديث أنه لا يجوز تفريق الوضوء وذلك لأنه قال ارجع فأحسن وضوءك وظاهر معناه إعادة الوضوء في تمام، ولوكان تفريقه جائزاً لأشبه أن يقتصر فيه على الأمر بغسل ذلك الموضع أو كان يأمرة بإمساسه الماء في ذلك وأن لا يأمره بالرجوع إلى المكان الذي يتوضأ فيه.

———————
ومن باب إذا شك في الحدث

59- (176) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «لَا يَنْفَتِلْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –

قوله (حتى يسمع صوتاً او يجد ريحاً ) معناه حتى يتيقن الحدث ولم يرد به الصوت نفسه ولا الريح نفسها حسب وقد يكون أطروشاً لا يسمع الصوت وأخشم لا يجد الريح ثم تنتقض طهارته إذا تيقن وقوع الحدث منه كقوله صلى الله عليه وسلم في الطفل إذا استهل صلى عليه ومعناه أن تعلم حياته يقيناً والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم له دون الاسم.
وفي الحديث من الفقه أن الشك لا يزحم اليقين.
وقال مالك: إذا شك في الحدث لم يصل إلاّ مع تجديد الوضوء إلاّ أنه قال إذا كان في الصلاة فاعترضه الشك مضى في صلاته وأحد قوليه حجة عليه في الآخر.

———————
ومن باب الوضوء من القبله

60- (178) عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»،

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قال يحتج به من يذهب إلى أن الملامسة المذكورة في الآية معناها الجماع دون اللمس بسائر البدن إلاّ أن أبا داود ضعف هذا الحديث.

———————
ومن باب الوضوء من مس الذكر

61- (181) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»

  • صححه الالباني –

باب الرخصة في ذلك

62- (182) عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ»، أَوْ قَالَ: «بَضْعَةٌ مِنْهُ» ~1~

  • صححه الالباني –

63- (183) عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ: فِي الصَّلَاةِ .

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قد ذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر جماعة من السلف منهم عمر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة رضوان الله عليهم.
    وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق إلاّ أن الشافعي لا يرى نقص الطهارة إلاّ أن يمسه بباطن كفه٠
    وقال الأوزاعي وأحمد إذا مسه بساعده أو بظهر كفه انتقض طهره كهو إذا مسه ببطن كفه سواء.
    وكان علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار وحذيفة وأبو الدرداء رضوان الله عليهم لا يرون مسه ناقضاً للطهر.
    وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو قول سفيان الثوري.
    وكان مالك بن أنس يذهب إلى أن الأمر فيه على الاستحباب لا على الإيجاب
    وروى أبو داود في الرخصة فيه حديث قيس بن طلق،
    واحتج من رأى فيه الوضوء بأن خبر بسرة متأخر لأن أبا هُرَيْرَة رواه عن النبي ﷺ وهو متأخر الإسلام وكان قدوم طلق على رسول الله ﷺ في بدء الإسلام وهو إذ ذاك يبني مسجد المدينة أول زمن الهجرة، وإنما يؤخذ بآخر الأمرين.
    وتأولوا خبر طلق على أنه أراد به المس ودونه حائل. واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبة وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة والمصلي لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه.
    وحدثنا الحسن بن يحيى حدثنا أبو بكر بن المنذر قال بلغني عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أنهما اجتمعا فتذاكرا الوضوء من الذكر وكان أحمد يرى فيه الوضوء ويحيى لا يرى ذلك وتكلما في الأخبار التي رويت في ذلك فحصل أمرهما على أن اتفقا على إسقاط الإحتجاج بالخبرين معاً خبر بسره وخبر طلق، ثم صارا إلى الآثار المرويه عن الصحابه في ذلك فصار أمرهما ألى أن احتج أحمد بحديث ابن عمر فلم يمكن يحيى دفعه.

———————
ومن باب الوضوء من لحوم الابل

64- (184) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: ” سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ»

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –
    قلت قد ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحوم الإبل قولا بظاهر هذا الحديث وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
    وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفى الزهومة ، كما ُروي توضؤوا من اللبن فان له دسماً ، وكما قال صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل .
    وليس ذلك من أإجل أن بين الأمرين فرقاً في باب الطهارة والنجاسة لأن الناس على أحد قولين: إما قائل يرى نجاسة الأبوال كلها ، أو قائل هى طهارة بول ما يؤكل لحمه والغنم والإبل سواء عند الفريقين في القضيتين معاً.
    وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفاراً وشراداً لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار، ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه والله أعلم.

——-————
ومن باب الوضوء من مس لحم النيء

65- (185) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِغُلَامٍ وَهُوَ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ» فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ، ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى لِلنَّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ .

  • صححه الالباني –
  • قال الخطابي –

قوله ( حتى أريك ) معناه أعلمك ومنه قوله تعالى {وأرنا مناسكنا} [البقرة: ١٢٨]
وقوله ( فدحس بها إلى الإبط ) أي أدخل ملئ يده بذراعها إلى الإبط والدحس كالدس ويقال للسنبلة إذا امتلأت واشتد حبها قد دحست، ومعنى الوضوء في هذا الحديث غسل اليد والله أعلم.

——————
ومن باب الوضوء مما مست النار

66- (188) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ، وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ، قَالَ: فَجَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ، وَقَالَ: «مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ» وَقَامَ يُصَلِّ، زَادَ الْأَنْبَارِيُّ: «وَكَانَ شَارِبِي وَفَى فَقَصَّهُ لِي عَلَى سِوَاكٍ» أَوْ قَالَ: «أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ؟»
-صححه الالباني –

  • قال الخطابي –
    قول (تربت يداه ) كلمة يقولها العرب عند اللوم والتأنيب، ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم وهم يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون وقوع الأمر ، كما قالوا عقرى حلقى، وكقولهم هبلته أمه، فإن هذا الباب لما كثر في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو، كقولهم لا والله وبلى والله وذلك من لغو اليمين الذي لا اعتبار به ولا كفارة فيه، ويقال ترب الرجل إذا افتقر وأترب بالألف إذا استغنى، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: فعليك بذات الدين تربت يداك.
    قلت وليس هذا الصنيع من رسول الله بمخالف لقول إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وإنما هو للصائم الذي قد أصابه الجوع وتاقت نفسه إلى الطعام فأمر بأن يصيب من الطعام قدر ما يسكن به شهوته لتطمئن نفسه في الصلاة فلا تنازعه شهوة الطعام وهذا فيمن حضره الطعام أوان العادة غداء وعشاء وهو متماسك في نفسه لا يزعجه الجوع ولا يعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها.
    وفي الخبر دليل على أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار استحباب لا أمر إيجاب.
    وفيه جواز قطع اللحم بالسكين.