لا ادري كيف ابدأ لكني سأبد
كيف ابدأ ؟!!!
والله لا اعلم
مارأيكم لو بدأته بذكر قصتي لعل القصة توضح ما اريد

قبل شهرين من الان
اتتني رسالة صوتيه لابن باز على الواتس
وكان يقول
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر»
ف بحثت بحثا سريعا عن صحته ووجدت انه في سنن بن ماجة المتوفي ( 273 ) – اتمنى تركز على تاريخ الوفيات حتى تفهم ما اقصد –
ووجدت أن ابن باز والالباني وشعيب والحاكم وبن حبان وخلق كثير من ٣٠٣ هـ الى عصرنا هذا قد صححوه

ووجدت حديثا اخر عند ابي داود المتوفي (٢٧٥) بسنده
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى»
صححه الالباني فطمأن قلبي لصحة هذا الحديث وان الرسول ﷺ قال هذا الكلام.

ثم وجدت عن الترمذي المتوفي ( 279 ) في سننه انه قال:
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ.

هنا توقفت قليلا فقلت لماذا لم يقل روي عن النبي ﷺ !!!
لماذا قال روي عن اصحاب النبي ﷺ !!!
مع ان الترمذي وابن ماجة وابو داود في نفس الزمان !!!
وبما أن هذا القول صدر من الترمذي
إذا فهناك علة في الحديث لم انتبه لها
فالترمذي ادق في علل الحديث من ابن ماجة وابي داود ،

بدأت في تتبع الحديث فوجدت اول رواية عند عبدالرزاق المتوفي ( ٢١١) بسنده أن عليا، وابن عباس قالا: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له»، ولم يقله الرسول ﷺ .
لكن هذه الرواية ضعيفة لانقطاع السند بين شيخا عبد الرزاق وبين علي وابن عباس فهناك رجل او رجلان مجهولان.

ثم وجدت رواية في مسند ابن الجعد المتوفي (٢٣٠)
١- علي بن الجعد قال حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس قال: «من سمع النداء، فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر»
وهذا من اصح الاسانيد لهذه الرواية فكلهم ثقات وكلهم روى لهم البخاري وليس فيهم علل .
وهذا يثبت ان هذا الكلام من قول ابن عباس وليس من كلام الرسول ﷺ

ثم وجدت رواية اخرى عن ابن ابي شيبة المتوفي (٢٣٥) في مصنفة : قال
٢- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»
وهذا ايضا من اصح الاسانيد لهذه الرواية فكلهم ثقات وكلهم روى لهم البخاري وليس فيهم علل .
وهذه الرواية موقوفه على ابن عباس ولم ترفع عن النبي ﷺ ، اي ليست من كلام النبي ﷺ

ثم وجدت رواية عند ابن ماجة وهي التي ذكرتها في اول القصة – وللمعلومية لم يشترط ابن ماجة ان رواياته كلها صحيحة كما فعل البخاري ومسلم.
قال ابن ماجة المتوفي (٢٧٣) في سننه

٣- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»

اتمنى تدقق معي شوي في الرواية الاولى والثانية والثالثة التي رقمتها
ابحث عن اسم ( شعبة ) في الثلاث الاسانيد
ستجدهم متفقين في السند من شعبة الى ابن عباس
وستجدهم مختلفين فيمن قبل شعبة
فالرواية الاولى قال ( ابن الجعد حدثنا شعبة ) ثم رواه عن ابن عباس وليس عن الرسول
والرواية الثانية قال ( وكيع عن شعبة ) ثم رواه عن ابن عباس وليس عن الرسول
والرواية الثالثة ( هشيم عن شعبة ) ثم رواه عن الرسول ﷺ
هؤلاء المحدثون الثلاثة ( ابن الجعد ووكيع وهشيم ) ثقات وكلهم رووها عن شيخ واحد وهو ( شعبة ) ومع ذلك اختلفوا !!! لماذا؟؟؟
سأقول لكم الجواب
في ذاك العصر عصر المحدثين ، احمد، وابن معين، ووكيع، وابن المبارك، والمديني ، وابو حاتم، وابو زرعة ، والقطان ، والبخاري ، ومسلم ، ومن عاصرهم من شيوخ الكتب الستة .
يعلمون ان اي رواية صحيحة اذا كان فيها ( هشيم عن شعبة ) فهي ضعيفة ، اما اذا كان فيها ( هشيم حدثنا شعبة ) او ( هشيم أخبرنا شعبة )فهي صحيحة .
لأن هشيم مع ثقته الا انه ( يدلس)
ومعنى ( يدلس ) هذا مصطلح يقصدون فيه ان هذا المحدث الثقة مبتلى في انه يحب ان يروي عن الثقات الذين في عصره ولو كان بينهم ( واسطة) ، وفي الاغلب هذه الواسطة ضعيفة لذلك يخفيها ولا يذكر اسم الضعيف حتى لا يبتعد الناس عنه ولا يأخذوا منه الحديث او تسقط هيبته عند المحدثين ،
ولا يستطيع ان يكذب ويقول ( حدثني شعبة ) وهو لم يحدثه بهذه الرواية ، فلو فعلها لو مرة واحدة قضي علية ونزلت مرتبته من الثقة الى كذاب ،
وقد يكون السبب في عدم الاخذ من الشيخ نفسه وهو في عصره الانفة والكبر ،
قال عباد بن عباد ( ١٨١) : لم يمنع هشيم من أن يسمع من سعيد بن أبي عروبة إلا الكبر والأنفة .
قال يحيى بن معين المتوفي (٢٣٣) ما سمع هشيم من شعبة حرفا قط وانسان عنده قال فقال له شعبة لم لا تسلنى والناس عندى فسكت .
ومع ضخامة عدد الروايات المتداولة بين الناس والوعاظ والفقهاء والادباء لا ينتبهوا الى هذه الحركة ( التدليس) فتمشي بين الناس ويتداولونها وكأنها صحيحة – كما يتداولها العلماء الان وكأنها صحيحة بل يجزمون بصحتها –
لكن المحدثين الفطاحلة ينتبهون لذلك ،
لذلك لا تجد في البخاري ومسلم رواية ( هشيم عن شعبة )
واليك ما قالوا:
قال ابن سعد المتوفي ( ٢٣٠) في (هشيم): كان ثقة، كثير الحديث، ثبتا، يدلس كثيرا، فما قال فِي حديثه ( أَخْبَرَنَا ) فهو حجة، وما لم يقل فيه ( أَخْبَرَنَا ) فليس بشيءٍ.

وقال عبد الرزاق عن بن المبارك -المتوفي( 181) قلت لهشيم: لم تدلس وأنت كثير الحديث فقال كبيراك قد دلسا الأعمش وسفيان . – يعني معترف بتدليس –

وقال الجُوزْجَانيُّ المتوفي ( ٣٢٨) : هشيم ما شئت من رجل غير أنه كان يروي عن قوم لم يَلْقَهُم.

سئل عبد الله بن احمد بن حنبل اباه فقال : كم سمع هشيم من جابر الجعفي ؟ قال : حديثين ، قلت : فالباقي ؟ قال : مدلسة .

وقال المروذي (٢٧٥) : كان يدلس تدليسا وحشا

ارأيتم ياكرام كلهم يقولون ان (هشيم ) ثقة وحافظة وامام ، لكن اخروا عنه اذا قال ( عن)
فالرواية اللي فيها ( هشيم عن) لازم تتثبتون في صحتها فهي مشكوك فيها .

دعونا الان نرجع الى الثلاث رويات التي ذكرناها
١ – (ابن الجعد حدثنا شعبة ) قال ابن عباس
٢- ( وكيع عن شعبة ) قال ابن عباس
٣- ( هشيم عن شعبة ) قال الرسول ﷺ
اذا كنت فهمت ماشرحته من قبل حتما ستقول
إن الرواية الثالثة التي رواها ابن ماجة عن الرسول ﷺ بسنده الذي فيه ( هشيم عن شعبة ) كلهم ثقات الا ان فيه ( علة ) ان اصلحنا هذه العلة فهو صحيح وان بقيت هذه العلة فهو ضعيف

لذلك بدأت اتتبع هذا الحديث لعلي اجد رواية عن الرسول ﷺ صحيحة
فوجدت ان كل طلبة شعبة يقولون هو عن ابن عباس وليس عن الرسول ﷺ ، الا ( هشيم ) يقول رواية شعبة عن الرسول ﷺ .
مما جعلني اقول ان هذه الرواية لا تصح عن الرسول ﷺ
بهذا اللفظ .
وفي اثناء البحث وجدت رواية بهذا اللفظ عن الرسول ﷺ
فيها ( هشيم حدثنا شعبة )، وهي عند الحاكم المتوفي ( 405) في كتابه (المستدرك )بسنده الى الرسول ﷺ .

هذه الرواية هي التي جعلت ابن باز والالباني واحمد شاكر وشعيب وغيرهم من العلماء المتأخرين يقولون بصحة الحديث عن النبي ﷺ .

لكن الم تلاحظوا شيء ما ، وكأنه غريب!!!!؟؟؟
دققوا في تاريخ الوفيات
انظروا كم بين ابن ماجة ( ٢٧٣) وبين الحاكم (٤٠٥) مائة عام واكثر – اي قرن من الزمن –
بل ان مابين هشيم ( ١٨٣) والحاكم (٤٠٥) مئتين سنة يتناقل العلماء والمؤلفون والطلبة والنساخ والناس هذه الرواية بقولهم ( هشيم عن شعبة ) وبعد قرنين من الزمن يأتي رجل معروف بالعلم والحديث والنزاهة ويقول وجدت رواية على شرط الشيخين بهذا اللفظ عن الرسول ﷺ !!!!
قرنين من الزمن لم يجدها احد الا (الحاكم) !!!
ثم يستدرك على البخاري ومسلم ويقول هو على شرطهما لكنهما لم يذكراه في كتبهما!!!
وازيدكم من الشعر بيت
بعد ماروى الحاكم هذا الحديث قال : ” هَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَوْقَفَهُ غُنْدَرُ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ “
قوله أوقفوه اي رووه عن ابن عباس وليس عن الرسول ﷺ
وقوله ” اصحاب شعبة ” اي طلبة شعبه الذين رووا عنه
هذه الرواية رروه عن ابن عباس وليس عن الرسول ﷺ ،
بل ان “غندر” وغندر اثبت الطلبة في (شعبة ) بل انه لازم شعبة ٢٠ عام.
أي ان غندر جلس عند شعبة ٢٠ عام ومع ذلك لم يسمع ان شعبة رواه عن الرسول ﷺ بل سمعه يرويه عن ابن عباس .
حقيقة تعجبت كثيرا من ( الحاكم ) كيف يقول هذا الكلام ، وكيف يثق بروايته مع انه يعرف ان اصحاب شعبة لايرونه مرفوعا عن النبي ﷺ .

سيأتيني احدكم وسيقول هذا الحديث بينت ضعفة لوجود علته التي ذكرت ، فما تقول بحديث ابي داود الذي ذكرته في اول القصة وذكرت ان الالباني صححه .

سأجيبك : هذا يدل على انك متابع لحديثي
فقد اخرج ابو داود بسنده عن ابن عباس عن الرسول ﷺ قال «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى»
وصححه الالباني وشعيب
لما قرأت لهما ذكرا ان هذا الحديث ضعيف لضعف احد رواته وهو ( ابو جناب ) وقد ضعفه العلماء
لكن رفعوا درجته بحديث ( الحاكم ) الذي ذكرناه قبل قليل.
فهو حديث ضعيف في نفسه صحيح بغيره .
فإذا عرفنا ان حديث ( الحاكم ) ضعيف لأنه خالف طلبة شعبة الذين عرفوا بالحفظ والاتقان ثم لم تعرف هذه الرواية الا بعد قرنيين .
تبين لك ان رواية ابي داود ضعيفه

وها أنا الان انتهيت من ذكر قصة كيف تحول قول الصحابي ابن عباس رضي الله عنه الى قول للرسول ﷺ ، واصبح يذكر في المجالس على انه قول الرسول ﷺ بلا شك في صحته ، مع انه ضعيف .

الحقيقة هذا البحث جعلني اتخذ قرار لا رجعة فيه ،
وهو اي رواية بعد وفاة ( النسائي ) ( ٣٠٣ ) لا آخذ بها .
واكتفي فقط بروايات القرون الثلاثة الاولى .
هذا البحث وضح لي دقة البخاري ومسلم في اختيار احاديثهم التي ذكروها في صحيحهما.
ثم جاء في ذهني سؤال ، لماذا علماء الحديث -الحفاظ المتشددين في الحديث والرويات والرجال – في عصرنا هذا لم يدرسوا روايات القرون الثلاث الأولى ، مثل – مصنف ابن ابي شيبة ، وموطأ مالك ،ومصنف عبدالرزاق ، ومسند الشافعي، ومسند احمد ، وابن ماجة ، وابو داود، والترمذي ،والدارمي ،والنسائي – ويخرجوا لنا كتاب يذكرون فيه الصحيح منها ، بدلا من حديثهم في السياسة ، كما فعل البخاري ومسلم .

وقبل الختام اقول
شيء جميل ان نحث الناس على الصلاة جماعة لكن لا ينبغي ان نتحمس فننسب حديث للرسول ﷺ وهو لم يقله .
البخاري وهو البخاري في كتابه الصحيح بوب على وجوب الصلاة جماعة ولكنه لم يذكر هذه الرواية لا الموقوفه ولا المرفوعة .

ولا يعني قولي ان الحاكم في المستدرك وابن باز والالباني واحمد شاكر وشعيب الارنؤوطي اخطؤا في صحة الحديث ، اني انزل من قدرهم،
لا والله فهم علماء اجلاء معروفون بالحفظ والثقة والعبادة .
وينبغي ان نقدر علماءنا .
وهذا بحث خرجت منه بتضعيف الحديث ، فإن اصبت فمن الله وان اخطأت فمن نفسي والشيطان.

كتبه
ماجد بن محمد العريفي
يوم الاثنين ٣٠-٣-٢٠٢٠
٦-٨-١٤٤١