نام صاحبي وتركني في شوارع بودابست ابحث عن عشاء ، الشوارع ضيقة ومخيفة والجو بارد قارص – وقارص بمعنى قارص- ، حتى النهر لم يسلم من قرصات البرد ، فقطع الثلج التي تسبح فيه تذكرني بأثر قرصات الامهات في اجساد ابنائهم إلا أنها تختلف في اللون فقط، فأثر قرصات الامهات زرقاء او خضراء وقرصات البرد بيضاء .
اول ليلة في بودابست ، – فالشوارع ضيقة شبه خالية الا من الشحاذين – ، و البرد ، والغربة ، اليست هذه المعطيات كافية للشعور بالخوف ، هجم علي الخوف وبدأت اتوهم قصص السرقات في ازقة المدينة مما جعل رجلاي تسارع الخطا عائدة الى فندق .
جلست في بهو الفندق ، ثم حدثت نفسي واقنعتها بالخروج فكل ماجال في عقلي من توهم اختلقته من الخيال وليس حقيقية ، انما الحقيقة الثابته أن بطني يقرقر من الجوع،
خرجت مرة اخرى من الفندق ولكني هذه المرة اتجهت يسارا ، كانت الشوارع كبيرة شبه خالية لكن ليس فيها مطاعم فاليوم يوم الاحد ، بدت رجلاي تسارع الخطا نحو الفندق، دخلت بهو الفندق وطلبت كافي لاتيه ثم بدأت اتصفح كتب “تطبيق المكتبة الشاملة” فوقعت عيني على كتاب للحارث المحاسبي اسمه ” التوهم في وصف احوال الاخرة ” الكتاب يقع في 80صفحة ، أما المؤلف تحدثت عنه في حديثي عن كتابه ” اداب النفوس ” .
الكتاب فكرته قائمة على التوهم والتخيل ، من الوفاة مرورا بالقبر ويوم القيامة والصراط والنار الى الجنة.
لما قرأت الكتاب تعجبت من جرأة الكاتب في وصف الجنة ، -وصف دقيق -، وكأنه ساكن فيها منذ زمن، يصف الحور والثغور ويخبرك ماذا سيقول الله عزوجل وماذا ستقول الملائكة وبماذا ستجيب وكيف تكون هيئة الحور العين قبل أن تراها وما سيقلن لك وكيف ترد عليهن ، اطلق لعقله العنان في التوهم في ادق التفاصيل من دون ادلة ،
وصف يحرك به العاطفة ويجعلها جياشة، فإذا تحركت العاطفة تتجه القلوب لمحركها فيجتمع الناس حوله ، ويقتنعون فيه ، فيسيطر عليهم، فيتخذ منهج الصوفية حتى يستطيع ان يتحكم فيهم بحرية بحجة شرع الصوفية ودينهم، مما يضطروا لمحاربة دين السلف الصالح حتى تفضى الساحة لهم ،
فهم يريدون استعباد قلوب الناس ، والسلف الصالح يدعون الى ما دع له الرسول ﷺ وهو الحرية المطلقة الا في عبادة الله.
سئل ابو زرعة الرازي عن المحاسبي وكتبه فقال : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر تجد غُنيَةً، ووصفه الذهبي في سيره بشيخ الصوفية .
يتوهم المحاسبي الجنة، في كتابه “التوهم ” وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ”
هذا يعني أن جُل الكتاب الذي توهمه كاتبه ماراح يصير منه شي !!!!!!!
لماذا يكتب هذه الاوهام!!!! لماذا يضيع وقتنا في اوهام!!!! لماذا يدغدغ مشاعرنا بأوهام!!!!!
قبل الختام احببت ان انبه الجميع ان هناك فرق بين الحديث العاطفي والحديث الايماني ،
فالحديث العاطفي ياسادة هو الكلام الذي يحرك المشاعر كذكر مخلوقات الله وعجائبها من دون قال الله وقال رسوله.
والحديث الايماني هو قال الله قال رسوله .
هذا رأيي وكل له رأيه
كتبه ماجد العريفي
يوم الاحد 5فبراير 2017