كتاب تاريخ الطبري المسمى بـ( تاريخ الرسل والملوك ) هو أول كتاب أقرأه كامل وأنا جالس، -فأنا كما تعلمون أعشق المشي – فكل كتاب قرأته قبل تاريخ الطبري قد قرأت أكثره وأنا أمشي ، تلك السنة أخرجت مطابع الكتب فكرة جديدة وهي طباعة كتاب من عدة مجلدات في مجلد واحد، فأصبح الكتاب مجلدا كبيرا وثقيلا مما يتعب اليدين عند حمله لمدة طويلة،
اشتريت الكتاب لأعجابي بالفكرة فقط فلم أكن أنوي قراءته، فعندما يسر الله لي بالبدء بقراءته، تعبت من حمله وأنا أمشي، فلمحت فكرة في بالي كانت تبرز على استحياء بين الحين والأخر، فقررت أن أجربها، وهي الذهاب إلى مكان عام وجو هادئ ليس فيه شباب مراهقون ولا يعرفني فيه أحد،
استعنت بالله فذهبت إلى هذا المكان الذي توفرت فيه هذه الشروط وهو بهو فندق الشيرتون بالرياض ، تقاطع طريق الملك فهد مع طريق الملك عبدالله ، ولكم أن تتخيلوا شعور من كان في البهو لحظة دخولي عليهم ،
لكم أن تتخيلوا شعور صاحب السمو الامير…ومعه خدمه وسكرتاريته، وشعور التاجر المعروف رئيس الغرفه التجارية وشعور اللبنانيين الذين كانوا حولهم، لحظة دخول شاب في العشرينات ثوبه قصير وأزرت ثوبه مفتوحه وشماغه إلى نصف طاقيته ومعه صندوق اسود كبير يحمله بيديه- لايعلمون أنه كان كتاب تاريخ -،
الكل التفت إليّ ، – ولو لم تكن في تلك السنة حادثة تفجير قرب وزارة الداخلية لقلت لكم كأنها التفاتة البنات عند خروج العروس -،
دخلت البهو ومشيت لا التفت لأحد وكلما مريت من جلسه اسلم بصوت خفيف ولا أحد يرد علي مع أن عيونهم ووجوههم تلاحقني حتى توسط الجلسات فبدأت ابحث عن جلسة لايزعجني فيها أحد فوجدت جلستين متقابلتين في طرف الفندق عند مكان الحلاق كل جلسة فيها كرسيان وطاولة، علمت بعد زمن أن هذه الجلسة كانت كالمختصر للأحاديث الخاصة بين طرفين فقط، فلما جلست وفتحت كتابي رجعت الحياة في الفندق.
كنت اجلس في هذا المكان بعض الاحيان من بعد صلاة الظهر الى بعد صلاة العشاء، اقرأ الكتاب واذا مللت استمع الى سواليف اللبنانيون عند الحلاق على ارتشافة الكبتشينوا وقطعة من الحلوى ، فإذا أتى رجلان يريدان الاختصار ، احاول ان اركز في كتابي مع استراق النظر والسمع اذا كان احدهم مشهورا.
الحاصل أني ختمت كتاب تاريخ الطبري فكان من أروع الكتب التي قرأتها على صعوبته، بدأ الطبري كتابه من أخبار آدم الى أخبار زمانه، والكتاب على طريقة الأخبار بالروايات المسندة ، ولم يشترط صحة ماذكر من الروايات والأخبار بل أخذ بمبدأ من أسند فقد أحال، قال الطبري في مقدمة كتابه ” فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا”
تجنب الطبري إبداء الرأي وفكر النفوس في تاريخه الا اليسير القليل منه.
امتاز هذا الكتاب بنقل مؤلفه عن مصادر لا تزال أكثرها إلى حد اليوم في تعداد المفقودات.
تحرى المؤلف الأمانة في ذكر المعلومة من مصدرها فتاريخ الفرس أخذه من كتبهم وتاريخ بني اسرائيل من كتب التوراة.
ولتعلم أهمية هذا الكتاب أن كل من كتب في تاريخ زمان المؤلف وماقبله لابد أن يرجع إلى هذا الكتاب ويستقي من ينبوعه.
كتاب (تاريخ الرسل والملوك) من عشرة اجزاء ، ألفه محمد بن جرير الطبري ولد سنة 224 هـ وتوفي سنة 310 هـ
قال عنه الذهبي في سيره ” الإمام العلم المجتهد ، عالم العصر أبو جعفر الطبري ، صاحب التصانيف البديعة ، من أهل آمل طبرستان ” .
كتبه ماجد بن محمد العريفي
في يوم الجمعة 10-3-1438هـ