الوسوم
قدوس, نقدس, آدم, الملائكة, التفسير, الحكمة, الحكيم, الخليفة, العليم, ابليس, جاعل, سورة البقرة, سبحان
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) }
قال ابو كندا قوله { وَأعلم مَا تبدون } اختلف المفسرون في تأويله ، فقال بعضهم : أَي قَوْلكُم: { أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا } .
وقال بعضهم { وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ } من الخضوع والطاعة.
قال ابو كندا كنت سأقول ان الجمع بين القولين يعجبني فكل ما يبدونه الملائكة يعلمه الله الا ان القول الثاني اضطربوا فيه وفي مقصد الخضوع والطاعة واغربوا في ذلك فقالوا الخضوع لـ آدم وبعضهم قال الطاعة لابليس – كما قاله مقاتل – وقال بعضهم قصة مرور ابليس على جسد ادم ، وقال بعضهم خضوعهم لله .
وهذا الاضطراب يضعف هذا القول .
فالقول الاول اعجب الي من القول الثاني خاصة انه ثبت انهم قالوه لله عز وجل وابدوه له .
قال ابو كندا ولو قال رجل ان الذي ابدوه خضوعهم لله عز وجل في قولهم { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32)}
لقلت وهذا ايضا يعجبني .
ولو قال رجل ان الذي ابدوه هو { أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا } وهو ايضا { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32)}
لقلت هذا الصواب والاصح
لأن كلمة ( تبدون ) مضارع فتدل على التجدد فكل مايبدوه يعلمه الله عز وجل وخصصنا هذين الايتين بالمقصد لأن الله عز وجل اخبرنا انهم ابدوه في هذا الموقف .
وقوله ايضا { وما كنتم تكتمون } دليل على ان المقصود بما ابدوه هما هذان القولان ، لأنهم في القول الاول عندما ابدوا وقالوا { اتجعل فيها } كان مغايرا لما كتموه وهو انهم افضل من ادم فهم الاحق بالخلافة ، والإبداء الثاني قولهم { سبحانك } كان مطابق لما كتموه وهو الخضوع لحكم الله فهو اعلم واحكم .
والله اعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك،
فعن سفيان في قوله:”وأعلم ما تُبدون وما كنتم تكتمون”، قال: ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبْر ألا يسجد لآدم . أ،هـ (٣).
قال ابو كندا وقول سفيان هو قول ابن عباس الذي اعتمده الطبري ورواه في تفسيره لكني لا اقبل سند الطبري لذلك سأذكر مارواه ابن ابي حاتم في تفسيره فسنده لرواية ابن عباس مقبول فعَنِ الضَّحّاكِ، قالَ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ لِلْمَلائِكَةِ: ﴿إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ السَّمَواتِ والأرْضِ وأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ «يَعْنِي ما أسَرَّ إبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الكِبْرِ» (٤)
ثم اورد الطبري القول الثاني بسنده عن الحسن بن دينار، قال للحسن – ونحن جُلوس عنده في منزله-: يا أبا سَعيد، أرأيتَ قول الله للملائكة:”وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون”، ما الذي كتمت الملائكة؟ فقال الحسن: إن الله لمّا خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجيبًا، فكأنهم دَخلهم من ذلك شيء، فأقبل بعضهم إلى بعض، وأسرّوا ذلك بينهم، فقالوا: وما يُهمكم من هذا المخلوق! إن الله لن يخلق خَلقا إلا كنا أكرمَ عليه منه . (٥)
وعن قتادة، في قوله”وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون”، قال: أسرّوا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاءُ أن يخلُق، فلن يخلُق خلقًا إلا ونحن أكرم عليه منه . أ،هـ (٦)
وايضا عن روى عبدالرزاق في تفسيره بسنده عَنْ قَتَادَةَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: ٣٣] قَالَ: «أَسَرُّوا بَيْنَهُمْ» فَقَالُوا: «يَخْلُقُ اللَّهُ مَا شَاءَ , فَلَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا إِلَّا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ». أ،هـ (٧)
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن معنى قوله:”وأعلم ما تُبدون”، وأعلم – مع علمي غيبَ السموات والأرض – ما تُظهرون بألسنتكم،”وما كنتم تكتمون”، وما كنتم تخفونه في أنفسكم، فلا يخفى عليّ شيء، سواءٌ عندي سرائركم وعلانيتكم.
والذي أظهروه بألسنتهم ما أخبرَ الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه، وهو قولهم:”أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدس لك”؛ والذي كانوا يكتمونه، ما كان منطويًا عليه إبليس من الخلاف على الله في أمره، والتكبُّر عن طاعته.
لأنه لا خلاف بين جميع أهل التأويل أن تأويل ذلك غيرُ خارج من أحد الوجهين اللذين وصفت، وهو ما قلنا، والآخرُ ما ذكرنا من قول الحسن وقتادة، ومن قال إن معنى ذلك كتمانُ الملائكة بينهم لن يخلق الله خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه.
فإذ كان لا قول في تأويل ذلك إلا أحد القولين اللذين وصفت، ثم كان أحدهُما غيرَ موجودةٍ على صحته الدّلالةُ من الوجه الذي يجب التسليم له – صح الوجهُ الآخر.
فالذي حكي عن الحسن وقتادة ومن قال بقولهما في تأويل ذلك، غيرُ موجودةٍ الدلالةُ على صحته من الكتاب، ولا من خبر يجب به حجة.
والذي قاله ابن عباس يدلّ على صحته خبرُ الله جل ثناؤه عن إبليس وعصيانه إياه، إذْ دعاه إلى السجود لآدم فأبى واستكبر، وإظهارُه لسائر الملائكة من معصيته وكبره، ما كان له كاتمًا قبل ذلك.
فإن ظن ظانٌّ أنّ الخبر عن كتمان الملائكة ما كانوا يكتمونه، لمّا كان خارجًا مخرج الخبر عن الجميع، كان غيرَ جائز أن يكون ما رُوي في تأويل ذلك عن ابن عباس – ومن قال بقوله: من أن ذلك خبر عن كتمان إبليس الكبْرَ والمعصية – صحيحًا، فقد ظن غير الصواب.
وذلك أنّ من شأن العرب، إذا أخبرتْ خبرًا عن بعض جماعة بغير تسمية شخص بعينه، أن تخرج الخبر عنه مخرج الخبر عن جميعهم، وذلك كقولهم:”قُتل الجيش وهُزموا”، وإنما قتل الواحد أو البعض منهم، وهزم الواحد أو البعض.
فتخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم، كما قال جل ثناؤه: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [سورة الحجرات: ٤] ، ذُكر أن الذي نادَى رسولَ الله ﷺ – فنزلت هذه الآية فيه – كان رجلا من جماعة بني تميم، كانوا قدموا على رسول الله ﷺ فأخرج الخبر عنه مُخرج الخبر عن الجماعة. فكذلك قوله:”وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون”، أخرج الخبر مُخرج الخبر عن الجميع، والمراد به الواحد منهم.
قال ابو كندا وترجيح الطبري هذا لا يعجبني ، لان كلمة ( كنتم ) في قوله { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } دليل على ان ما كتموه قد مضى وتغير ، ولو كان يقصد ابليس لما قال ( كنتم ) لانه لم يغير مافي قلبه والدليل انه لم يسجد ، ولو كان الله عز وجل يقصد ابليس لقال ( ما تبدون وما تكتمون ) من دون ( كنتم ) كما قالها عز وجل في سورة اخرى ويقصد بها الناس عامة { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(99) } وقوله { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}
وايضا كلمة (تكتمون) اتت بصيغة المضارع وهو يفيد التجدد اي ان الكتمان تجدد ذلك منهم ولم يبقى على حاله مثل كتمان ابليس .
واما ما كتمه ابليس فالله اعلمنا انه يعلمه بقوله { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}
ثم ان ظاهر الكلام للجماعة وليس للفرد والموقف الذي حكى عنه الله عز وجل لم يتغير وفيه كان يخاطب جماعة من الملائكة فلماذا نصرف ظاهر الكلام الى الخطاب عن واحد فقط، فلا ينبغي ان صرف الكلام عن ظاهرة الا ببينة يستحيل فيها مخاطبة الجماعة او يقصدهم بها.
——-
١) قال ابو كندا الرواية صحيحة .
٢) قال ابو كندا رواية مقبولة .
٣) قال ابو كندا الرواية مقبولة.
٤) قال ابو كندا الرواية اقبلها .
٥) قال ابو كندا الرواية مقبوله ، لأن مهدي بن ميمون حضر السؤال ولم يسمعه من الحسن بن دينار .
٦) قل ابو كندا روايته مقبوله .
٧) قال ابو كندا الرواية اقبلها .