القول في تأويل قوله تعالى ذكره: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قال الشعراوي : بعد أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم وأمر الملائكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد الله جل جلاله أن يمارس آدم مهمته على الأرض. ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله الله في تجربة عملية عن المنهج الذي سيتبعه الإنسان في الأرض، وعن الغواية التي سيتعرض لها من إبليس.
فالله سبحانه وتعالى رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري، لأن هناك فرقا بين الكلام النظري والتجربة.
قد يقال لك شيء وتوافق عليه من الناحية النظرية ولكن عندما يأتي الفعل فإنك لا تفعل شيئا.
إذن فالفترة التي عاش فيها آدم في الجنة كانت تطبيقا عمليا لمنهج العبودية، حتى إذا ما خرج إلى مهمته لم يخرج بمبدأ نظري، بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه لا فعل ولا تفعل ،والحلال والحرام، وإغواء الشيطان والمعصية.
ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلى الله. وليعرف بنو آدم أن الله لا يغلق بابه في وجه العاصي، وإنما يفتح له باب التوبة . أ،هـ
قال الله عز وجل { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأُسكنها آدمُ قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض ، ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول:”وقلنا يا آدمُ اسكنْ أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رَغدًا حيثُ شئتما ولا تَقربا هذه الشجرةَ فتكونا منَ الظالمين فأزلهما الشيطانُ عنها فأخرَجهما مما كانا فيه”.
فقد تبين أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لُعِن وأظهرَ التكبر، لأن سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نُفخ فيه الروح، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له، وعند الامتناع من ذلك حلَّت عليه اللعنة.أ،هـ
ثم ذكر الطبري روايات على ذلك ولكنها ضعيفه الا انني وجدت عند ابن حاتم نحو رواية من رواياته بسند مقبول
ذكر بسنده عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ، فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ: تَسْكُنُ إِلَيَّ قَالَتُ لَهُ الْمَلائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ؟ قَالَ: حَوَّاءُ. قَالُوا: وَلِمَ حَوَّاءُ؟ قَالَ: إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. (1)
قال ابو كندا : واني اعجب من الطبري كيف يقول ” وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأُسكنها آدمُ قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض “. مع ان الله عز وجل لم يذكر هنا اخراج ابليس من الجنة ، واعجب منه ايضا عندما استخدم اثار ضعيفة السند عن الصحابة والتابعين في شي غيبي .
فهذه الاية ليس فيها دلالة واضحة ان ابليس اخرج من الجنة بعد الاستكبار ، فلو استدل بقول الله عز وجل { قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) } ففي هذه الاية دلالة واضحه على خروج ابليس من الجنة قبل دخول ادم الجنة.
قال الطبري : ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خُلقت لآدم زوجته، والوقت الذي جعلت له سكنًا.أ،هـ
ثم ذكر الطبري روايات على ذلك ولكنها ضعيفة
قال ابو كندا ولا اعلم ان هناك خبر من الله عز وجل او من رسوله ﷺ يبين لنا الوقت الذي جعلت له سكناً ، اما الصفة التي خلقت لآدم زوجته فقد بين الله عز وجل في كتاب كيفية خلق زوجه ، فقال الله سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء }
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا }
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون }
اذن، فالمرأة خلقت من آدم ، اما كيفية خلقها فلا اعلم قول لله عز وجل او قول لرسوله ﷺ ، اما مارواة البخاري في صحيحه في كتاب : أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم. باب قول الله تعالى : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. حدثنا أبو كريب وموسى بن حزام، قالا : حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ميسرة الأشجعي، عن أبي حازم عن ابي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : ” استوصوا بالنساء ؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء “.
المقصود به كالضلع الاعوج ، والدليل على ذلك مارواه البخاري نفسه في صحيحه ايضا في كتاب النكاح . باب المداراة مع النساء. حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله قال : حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : ” المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج “. وهذه الرواية اصح اسنادا من الرواية التي قبل لأنها عن مالك عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة – قال البخاري وهذا اصح اسناد الى ابي هريرة- وايضا مسلم قدم هذا اللفظ في صحيحة على لفظ “إن المرأة خلقت من ضلع “، وايضا رواه احمد فقال حدثنا يحيى عن ابن عجلان قال : سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : ” المرأة كالضلع، فإن تحرص على إقامته تكسره، وإن تتركه تستمتع به وفيه عوج “. (2)
ورواه ايضا احمد فقال حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن ابي هريرة ،قال : قال رسول الله ﷺ : ” لا تستقيم لك المرأة على خليقة واحدة، وإنما هي كالضلع إن تقمها تكسرها، وإن تتركها تستمتع بها وفيها عوج “. (3)
واما ما رواه ايضا البخاري في صحيحه كتاب النكاح. باب الوصاة بالنساء. حدثنا اسحاق بن نصر ، حدثنا حسي الجعفي عن زائدة عن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره “” واستوصوا بالنساء خيرا ؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا “. فهذه الرواية وان رواها البخاري فهي عن اسحاق بن نصر وهو من الطبقة الحادية عشر ولم يوثقه الا ابن حبان في كتاب الثقات ورواية البخاري عنه ، لذلك قال عنه ابن حجر صدوق ،- لرواية البخاري عنه فقط – ، – ملاحظة هذا الكلام لا يصلح للعامة ان يخوضوا فيه ، ولا الفقهاء ولا الاصوليون ولا علماء العقيدة ، هو خاص بأهل الحديث واهل الحديث سيعلمون ويتفهمون ما اقول –
اذن، هذه الرواية لا تقارن بروايته البخاري بسنده عن مالك عن ابي الزناد عن الاعرج .
واما روايتا مسلم التي فيها لفظة ( من ضلع ) فيكفي ان مسلم نفسه قدم رواية لفظ ( كالضلع ) فمسلم ذكر انه قدم الروايات الاصح على الروايات الاقل صحة .
واما رواية احمد التي قال فيها حدثنا عبدالملك بن عبدالرحمن الذماري ، أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال : ” إن النساء خلقن من ضلع لا يستقمن على خليقة، إن تقمها تكسرها، وإن تتركها تستمتع بها وفيها عوج “. فهذه الرواية ضعيفة فعبدالملك قال عنه البخاري منكر الحديث
واما رواية احمد والترمذي عن ابي ذر ففي اسنادهم نعيم بن قعنب وهو لا يعرف ، وايضا مرة كان اللفظ ( من ضلع ) ومرة ( المرأة ضلع ) ومرة ( كالضلع )
واما رواية عائشة التي عند احمد فلفظها ( كالضلع ) ولكن في سندها عامر بن صالح قال عنه ابن حجر متروك الحديث .
واما رواية سمرة ففيها رجل مبهم .
اذن ، اللفظ الاقرب للصحة هو ( كالضلع ) وان اردتم ان تجمعوا بين الروايات نستطيع ان نقول ان معنى “إن المرأة خلقت من ضلع اعوج ” أي ان المرأة من اعوجاجها كأنها خلقت من ضلع اعوج.
كما في قول الله عز وجل { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ }
اي من كثرة استعجال الانسان كأنه خلق من العجل .
ولو قرأت الاية كاملة علمت ان هذا هو المقصود { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾.
فاخر الاية بين لنا ما المقصود بـ(خلق من عجل )، وهو مجاز وصف الانسان انه عجول ويستعجل ومن كثرة استعجاله كأنه خلق من العجلة ، لذلك قال {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }.
وايضا هناك ايات تدل على استعجال الإنسان ، قال الله عز وجل { وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً }
وقال جل وعلا { كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ }
وكذلك الروايات التي ذكر فيها لفظ ( من ظلع ) فيها مايدل على انها عوجاء تحتاج الى مراعة فقوله ﷺ ” واستوصوا بالنساء خيرا ؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا “.
فقوله “استوصوا بالنساء خير ” قرينة على ان المقصود من قوله “خلقن كن ضلع ” اي من طبعهم المعوج كأنهن خلقن منه ، لذلك اصبروا عليهن .
قال احمد شاكر : وفي قوله: “المرأة كالضلع” دليل على أن المراد تشبيه المرأة بالضلع في العوج، لا أنها خُلقت منه، ويفهم من هذا الحديث الندب إلى مداراة النساء وتألف قلوبهن بالعفو عنهن والصبر عليهن . أ، هـ
قال ابو كندا : اما قصة ان ادم استوحش في الجنة فخلق الله له من ضلعه امرأة يسكن لها وتسكن له فهذه اسرائليات ولم ترد عن الرسول ﷺ ، وهذا امر غيبي لا يعلمه الا الله عز وجل ولم يخبرنا به من طريق رسوله ﷺ .
قال ابن جرير : فلما زوّجه الله تبارك وتعالى، وَجعل له سكنًا من نفسه، قال له، “يا آدم اسكنْ أنتَ وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرةَ فتكونا من الظالمين” . أ،هـ
قال ابو كندا : ولا اعلم ان هناك دليل يحدد اين خلق زوجه ، هل كان في الجنة ام خارجها ، ولا اعلم ايضا ان هناك دليل يحدد مكان ادم وزجه عندما قال له الله عز وجل اسكن الجنة ، هل كان داخل الجنة ام خارجها.
فقولك لرجل اسكن البيت لا يدل على انه خارج البيت فقد يكون داخل البيت وتقول له اسكن البيت اي اتخذه مسكنا لك .
ولو كان القول ادخل الجنة انت وزوجك لقلنا حتما انه كان خارج الجنة .
هذا رأيي حتى قرأت قولا للرازي ، فإن كان قوله نحويا ولغويا صحيح ، فيبنى عليه ان الله عز وجل خلق حواء قبل دخولهم وسكنهم الجنة ،
قال الرازي : لقائل أن يقول: إنه تعالى قال هاهنا: { وكلا منها رغدا } وقال في الأعراف: { فكلا من حيث شئتما } ، فعطف ( كلا ) على قوله: ( اسكن ) في سورة البقرة بـ(الواو) وفي سورة الأعراف بـ( الفاء ) فما الحكمة؟
والجواب: كل فعل عُطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزء عطف الثاني على الأول بـ( الفاء ) دون ( الواو ) كقوله تعالى: {,وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا } [البقرة: ٥٨] فعطف ( كلوا ) على ادخلوا بـ ( الفاء ) لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخولها، فكأنه قال إن أدخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده ، يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف: { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم } ، فعطف ( كلوا ) على قوله { اسكنوا } بـ ( الواو ) دون ( الفاء ) لأن اسكنوا من السكنى وهي المقام مع طول اللبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده لأن من دخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازا فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط وجب العطف بـ( الواو ) دون ( الفاء ) ،
إذا ثبت هذا فنقول: إن ( اُسكن ) يقال لمن دخل مكانا فيراد منه الزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل عنه، ويقال أيضا لمن لم يدخل اسكن هذا المكان يعني ادخله واسكن فيه،
ففي سورة البقرة هذا الأمر إنما ورد بعد أن كان آدم في الجنة فكان المراد منه اللبث والاستقرار، وقد بينا أن الأكل لا يتعلق به فلا جرم ورد بلفظ ( الواو ) .
وفي سورة الأعراف هذا الأمر إنما ورد قبل: أن دخل الجنة فكان المراد منه دخول الجنة وقد بينا أن الأكل يتعلق به فلا جرم ورد بلفظ ( الفاء ) والله أعلم .
انتهى كلام الرازي ، واصدقكم القول لم افهم قول الرازي هذا حتى ذهبت الى نحوي وقرأته عليه وفصفصت كلامه حرفا حرفا .
ونتيجة قول الرازي هذا ان الاية في سورة البقرة { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } حكاية عن امر قد مضى وانقضى وانما يذكرهم به بصيغة الماضي.
واما الاية في سورة الاعراف { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(19)} هي وصف مرتب للقصة واحداثها حال حدوثها .
وهذا ان صح نحويا ولغويا، نخرج منه ان زوجة ادم خلقت قبل دخول الجنة بدليل اية الاعراف .
قوله { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ }
قال ابن فارس : السين والكاف والنون أصل واحد مطرد، يدل على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سكن الشيء يسكن سكونا فهو ساكن.
والسَّكْنُ: الأهل الذين يسكنون الدار .
والسَّكَنُ: كل ما سكنت إليه من محبوب.
والسكين معروف، قال بعض أهل اللغة: هو فعيل لأنه يسكن حركة المذبوح به. ومن الباب السكينة، وهو الوقار . أ،هـ
قال الراغب : السكون: ثبوت الشيء بعد تحرك، ويستعمل في الاستيطان نحو: سكن فلان مكان كذا، أي:
استوطنه، واسم المكان مسكن، والجمع مساكن،
والسكن: السكون وما يسكن إليه، قال تعالى: { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا }، وقال تعالى: {إن صلاتك سكن لهم }، { وجعل الليل سكنا }
وقوله تعالى: { أنزل السكينة في قلوب المؤمنين }
والمسكين قيل: هو الذي لا شيء له، وهو أبلغ من الفقير، وقوله تعالى: { أما السفينة فكانت لمساكين } ، فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة، أو لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة، وقوله: { ضربت عليهم الذلة والمسكنة }، فالميم في ذلك زائدة في أصح القولين. أ،هـ
قال ابو كندا : والذي اراه ان كلمة ( سكن) هي ضد الاضطراب فقط . وهي مقاربة لمعنى الهدوء.
اما تعريف ابن فارس والراغب فلا يعجبني قولهم لأن السكون ليس له صلة بالحركة ، والدليل هذه الاية { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } فكيف يقول اسكن اي لا تتحرك ثم يقول له كلا منها رغدا حيث شئت .
ولو تأملت الايات التي فيها السكن لوجدت ان المقصود هو ضد الاضطراب وليس الثبوت من الحركة .
{ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا } ايكون المعنى ان الليل ثابت لا يتحرك او ان الليل لباسا وهدوء وليس كالنهار معاشا واسواق واعمال .
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)} هل يكون المعنى ان صلاتك تثبتهم فلا يتحركوا لا زيادة ولا نقصان ، ام ان المعنى هو ان صلاتك تطمنهم وتمنع عنهم الاضطراب وتزيد هدوء النفس وتبعث الوقار في النفس .
{ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(33) } فإن قلت يثبت الريح ، انتفى معنى الريح لأن الريح لا تكون الا بالحركة والاضطراب ، فإن اسكن الاضطراب بقيت ريح ، لكن لو اثبت الريح انتفى معنى الريح.
وايضا لم يعجبني قول الراغب ، عندما ادخل معنى المسكين في السكون ، مع اني ارى ان جذرهما مختلف ، فجذر سكون ( س ك ن ) وجذر مسكين ( م س ك )
وجذر ( مسك ) يبين لنا معنى المسكين في اصناف الزكاة والفرق بينه وبين الفقير .
فالفقير هو الذي ليس عنده حاجته من الفقر وهو المفهوم المتعارف عليه ، ام المسكين هو الذي ُمسك عن حاجته لجائحة ما ، مما جعله في وقت الصدقة عليه بمثل معنى الفقير ، مع انه قد يكون له مال لكن ممسوك عنها .
اتمنى انني افصحت عن ما قصدت .
اعلم انكم ستقولون ان كلمة مسكين اضافها الخليل بن احمد مع كلمة ( س ك ن) وان اول من قال ان السكون ذهاب الحركة هو ايضا الخليل ابن احمد ، والخليل بن احمد هو داهية الزمان فكيف تتعقبه وانت جاهل .
لذلك اقول أحسنتم، الخليل بن احمد من اعلم العلماء بعد الصحابة رضوان الله عليم وهو داهية الدواهي بين العلماء ، واعلم اني لا اقدر شسع نعل الخليل بن احمد ، ولكن عذري في ذلك اني رجل انعزالي وليس لي معرفة بالعلماء حتى استطيع ان اسألهم بدون تكلف، وان سألت على برامج التواصل لا يجيبونني ، واما علماء اللغة فبعضهم معتز بنفسه ويرى الناس جهال ولا يستحقون التعليم ، وبعضهم مشغول ليس عنده وقت لمناقشة امر بت فيه الخليل بن احمد ،
وانا الان قاربت الخمسين وليس لي طاقة بملاطفة بعض العلماء ومداراتهم حتى يجيبونني ، لذلك ذكرت هنا ما اراه صحيح حتى يتحمس احد الناس ، اما رحمة بي فيشرح خطأي ويخبرني بما هو الصواب.
او شخص اخر يرد ردا مفصلا يسفهني فيه، فأكسب الحسنى وأجد الجواب الصحيح المقنع الذي يجعلني اتراجع عن مارأيته صوابا ، او اتمسك به .
قال الواحدي : قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أي: اتخذها مأوى ومنزلا ، وليس معناه: استقر في مكانك ولا تتحرك .
وقوله: (أنت) تأكيد للضمير الذي في الفعل ، وإنما أكد به ليحسن العطف عليه، فإن العرب لا تكاد تعطف إلا على ظاهر، يقولون: اخرج أنت وزيد، ولا يكادون يقولون: اخرج وزيد، إلا في الضرورة، ومثله قوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} . أ،هـ
قال الزمخشري : وأَنْتَ تأكيد للمستكن في: (اسْكُنْ) ليصح العطف عليه. أ،هـ
قال الرازي :، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ أَسْكَنْتُكَ دَارِي لَا تَصِيرُ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ، فَهَهُنَا لَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى:
وَهَبْتُ مِنْكَ الْجَنَّةَ بَلْ قَالَ أَسْكَنْتُكَ الْجَنَّةَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَقَهُ لِخِلَافَةِ الْأَرْضِ فَكَانَ إِسْكَانُ الْجَنَّةِ كَالتَّقْدِمَةِ عَلَى ذَلِكَ.أ،هـ
قال القرطبي : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:” اسْكُنْ” تَنْبِيهٌ عَلَى الْخُرُوجِ، لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ مِلْكًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: السُّكْنَى تَكُونُ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ تَنْقَطِعُ، فَدُخُولُهُمَا فِي الْجَنَّةِ كَانَ دُخُولَ سُكْنَى لَا دُخُولَ إِقَامَةٍ أ،هـ
تأويل قول الله عز وجل { وَزَوْجُكَ } في قوله { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ }
قال الطبري : قال أبو جعفر: ويقال لامرأة الرجل: زَوْجُه وزَوْجتُه، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء. والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزْد شَنوءة.
فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب، فهو زوجُ المرأة . أ،هـ
وقال ايضا : وأمّا الزَّوْجُ، فَإنَّ أهْلَ الحِجازِ يَقُولُونَ لِامْرَأةِ الرَّجُلِ: هِيَ زَوْجُهُ، بِمَنزِلَةِ الزَّوْجِ الذَّكَرِ؛ ومِن ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى ذِكْرُهُ: ﴿أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب ٣٧] وتَمِيمٌ وكَثِيرٌ مِن قَيْسٍ وأهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: هِيَ زَوْجَتُهُ.أ،هـ
قال الواحدي : وقوله: {وَزَوْجُكَ} لفظه مذكر، ومعناه مؤنث، وذلك أن الإضافة تلزم هذا الاسم في أكثر الكلام، وكانت مبينة له فكان طرح الهاء أخف مع الاستغناء بدلالة الإضافة.
وكان الأصمعي يؤثر ترك الهاء في الزوجة، ويرى أن أكثر كلام العرب عليه.
والكسائي على خلاف ذلك، والاختيار ما قاله الأصمعي، لأن القرآن كله عليه.أ،هـ
قال الخليل بن احمد : زوج: يقال: لفُلانٍ زوجان من الحمام، أي: ذكر وأنثى. قال سبحانه: { فاسْلُكْ فِيها مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } زوجٌ من الثِّياب، أي: لونٌ منها، قال الله تعالى { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} . أ،هـ
وقال ابن فارس : زوج) الزاء والواو والجيم أصل يدل على مقارنة شيء لشيء. من ذلك [الزوج زوج المرأة. والمرأة] زوج بعلها، وهو الفصيح. قال الله جل ثناؤه: {اسكن أنت وزوجك الجنة} . ويقال لفلان زوجان من الحمام، يعني ذكرا وأنثى. أ،هـ
وقال الراغب : ( زوج ) يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضاد زوج.أ،هـ
وقال صاحب تهذيب اللغة : وَقَالَ أَبُو بكر: الْعَامَّة تخطيءُ فَتَظنّ أنّ الزّوجَ اثْنَان، وَلَيْسَ ذَلِك من مَذَاهِب الْعَرَب، إِذا كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ بِالزَّوْجِ موَحَّداً فِي مثل قَوْلهم: زوج حمام، وَلَكنهُمْ يُثنُّونَه فَيَقُولُونَ: عِنْدِي زوجان من الْحمام، يَعنون ذكرا وَأُنْثَى، وَعِنْدِي زوجان من الخِفاف، يعنون الْيَمين وَالشمَال. ويوقعون الزّوجين على الجنسين الْمُخْتَلِفين، نَحْو: الْأسود والأبيض، والحلو والحامض.
قَالَ الله: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى(45)}
وَقَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(143) وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(144)} أَرَادَ ثَمَانِيَة أَفْرَاد، دلَّ هَذَا على ذَلِك.
قَالَ: وَلَا تَقول للْوَاحِد من الطير زوجٌ كَمَا يَقُولُونَ للاثنين زوجان؛ بل يَقُولُونَ للذّكر فَرْدٌ، وللأُنْثى: فَردةٌ.
قَالَ: وَتقول: عِنْدِي زَوْجا نِعالٍ وزَوجَا حَمام، وأنْتَ تَعْنِي ذَكراً وأُنثى.
قَالَ الله: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}
قَالَ: وَكَانَ الأصمعيّ لَا يُجيزُ أَن يُقال لفَرْخَيْن من الْحمام وغَيره زَوْج. وَلَا للنّعْلين زَوْج. وَيُقَال فِي ذَلِك كلِّه: زَوْجان لكُلّ اثْنَين.
وسمَّى الْعَرَب الِاثْنَيْنِ زَكاً، وَالْوَاحد: خَساً.أ،هـ
قال ابو كندا والمتأمل في اطلاق الزواج عند العرب يجده متشعب ، وهذا يدل على ان دلالات هذا المعنى كثيرة .
لذلك سأحاول ان اجمع دلالاته هاهنا ، واناقش ماقاله العلماء .
قال الخليل بن احمد : زوج: يقال: لفُلانٍ زوجان من الحمام، أي: ذكر وأنثى. قال سبحانه: { فاسْلُكْ فِيها مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } زوجٌ من الثِّياب، أي: لونٌ منها، قال الله تعالى { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} اي لون .
فيفهم من قول الخليل ان يكون الزوجان مختلفان من جنس واحد ذكر وانثى ، ابيض واسود .
واما قول ابن فارس : وقال ابن فارس : زوج) الزاء والواو والجيم أصل يدل على مقارنة شيء لشيء. من ذلك الزوج زوج المرأة. والمرأة زوج بعلها، وهو الفصيح.
ويقال لفلان زوجان من الحمام، يعني ذكرا وأنثى.
قال ابو كندا : لم افهم مراد ابن فارس ، فهل يقصد بالمقارنة التضاد ذكر وانثى ، ام ربطهما ببعض كالقرينين !!!
واما قول الراغب : وقال الراغب : ( زوج ) يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضاد زوج.
فلا يعجبني لانه جعل دلالة معنى الزواج الاقتران بغض النظر ذكر ام انثى ايمن ام ايسر اسود او اسود غامق ، المهم عنده انه يدل على الاقتران ، فمعناه هذا ان العرب تطلق الزوج على اقتران الذكر بالذكر او الانثى بالانثى او الايمن بالايمن وهذا ليس في كلام العرب .
لذلك سمَّى الْعَرَب الِاثْنَيْنِ زَكاً، وَالْوَاحد: خَساً .
والقرين قد يكون من غير جنس المقرون به .
وهذا يبين ان الراغب قصر في شرح معنى الزوج .
واما نقل صاحب التهذيب فاعجبني ، خاصة عندما قال : وَكَانَ الأصمعيّ لَا يُجيزُ أَن يُقال لفَرْخَيْن من الْحمام وغَيره زَوْج. وَلَا للنّعْلين زَوْج.
وَيُقَال فِي ذَلِك كلِّه: زَوْجان لكُلّ اثْنَين.
قال ابو كندا والاصمعي عند اهل اللغة مثل البخاري عند اهل الحديث ، لكن الخليل بن احمد قال في كتابه العين : زوجٌ من الثِّياب، أي: لونٌ منها، قال الله تعالى { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} اي لون .
لذلك سأرجح قول الخليل على قول الاصمعي ، لأن الخليل قاله في كتابه الذي تناقلته الامة ، وايضا استدل بكلام الله عز وجل ، اما قول الاصمعي فنقله عنه الازهري وهو مولود عام 282هـ وتوفي 370 هـ . والاصمعي متوفي عام 216 اي قبل ان يولد الازهري بستين سنة ، فقد يكون متقول عليه .
قال ابو كندا : وبعد هذا النقاش ، يتبين لنا دلالات الزواج ، وهي كالتالي :
⁃ فصيلة واحده او شكل واحد او جنس واحد
⁃ مختلف من نوع الفصيلة او نوع الشكل او الجنس
⁃ لابد ان يقرن بينهم
⁃ التمازج او المطابقة الذي يولد السكون
قال ابو كندا فلو قلنا ان الزواج هو المشاكلة للسكون ، الا تحمل المشاكلة الشكل والاختلاف والامتزاج ؟
اتمنى قبل ان تقول رأيك تقرأ معنى شكل عند اهل اللغة ومنهم الخليل بن احمد فقد قال في كتابه العين :وفلان شكْلُ فلان، أي: مثله في حالاته،
وقوله عز وجل: { وآخَرُ مِن شَكْلِهِ أزْواجٌ } . يعني بالشّكل ضربًا من العذاب على شَكْل الحميم، والغساق أزواج، أي: ألوان.
والأشْكَلُ في ألوان الإبل والغنم: أن يكون مع السواد حمرة وغبرة .
كأنه قد أشْكل لونه، وتقول في غير ذلك من الألوان: إن فيه لشُكْلةٌ من لون كذا، كقولك: أسمر فيه شُكْلةٌ من سواد.
والأشْكَلُ في سائر الأشياء: بياض وحمرة قد اختلطا،
وأشْكَلَ الأمر، إذا اختلف .
وأمر مُشْكِلٌ شاكلٌ: مشتبه ملتبس .
وشاكَلَ هذا ذاك من الأمور، أي: وافقه وشابهه.
وهذا يُشكَّلُ به، أي: يشبه. وهي شكِيلةٌ، أي: شبيهة. والشِّكال: حبل يشكل به قوائم الدابة. أ،هـ
وقال الزمخشري : وهذا من شكل ذاك: من جنسه ” .
ودابة بها شكال: إحدى يديه وإحدى رجليه بيضاوان. وشكل الكتاب: قيده، وهذا كتاب مشكول.أ،هـ
قال صاحب كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل في كلمة ( شكل ) : المعنى المحوري اجتماع شيئين مختلفين أو ارتباطهما معًا بتميز: كارتباط بعض القوائم إلى بعضها بشكل متميز (يدٌ مع رجل – لا يدان ولا رجلان)، والحمرة بالبياض أو السواد معًا وحزام المصدر بحزام الحقو).
ومن شَكْل الدابة: “شَكَلْت الكتابَ : قيَّدته بالإعراب. ونباتُ الأَشْكَل عيدانُ شجرته أنصافُها شديدة الصفرة، وأنصافها الأخرى سوداء “.
ومن الأصل: “شاكِلةُ الفرس: الذي بين عَرْض الخاصرة والثَفِنَه، وهو موْصل الفخذ في الساق “.
ومنه أيضًا: “شِكْل المِرأة -بالكسر والفتح: وهو تدللها بالكلام والحركات (فيه تنوُّع؛ إذ تبدى النِفار وهي راغبة، تقصد بذلك جذْب الرجل إليها).
و “الشواكل من الطرق: ما انْشَعَب عن الطريق الأعظم ” (مرتبطة به) {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: ٨٤] (كما يقال: على حَسَب مذهبه).
ومنه “الشَكل -بالفتح والكسر: الشِبْه والمِثْل (للترابط بينهما بالشَبَه. والمثلان يختلطان، {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} و “تشاكل الشيئان وشاكل كلٌّ منهما صاحبه.
وشَكْل الشيء -بالفتح: صورتُه المحسوسَة والمتوهَّمة ” (خطوط وملامح تجتمع وتتلاقى على هيئة خاصة فتكوِّن صورةً متميزة).
و “شكَّل الشيءَ : صوّره، وتشكّل: تصوّر.
وأشْكَل الأمرُ: التبس ” أي (تشابكت عناصره وتداخلت؛ فلم يتميز بعضُه من بعض). أ،هـ
اعتقد بعد ذلك انك ستؤيد ما ذكرته في تعريف الزوج او ستعذرني على مبلغ علمي .
فإن قلت لماذا اضفت السكون في معنى الزواج او في دلالاته ؟
قلت ان قول الله عز وجل { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } وقوله سبحانه وتعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) }
ولو تدبرتم كتاب الله عز وجل لوجدتم ان الله عز وجل يذكر لفظ الزوج دلالة على السكون ، والمرأة على الاضطراب بين الزوجين .
قال الله تعالى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا }
وقال سبحانه { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ }
وهذا زكريا قال الله عز وجل عن { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } سماها امرأة عندما كان بينهم اضطراب وهو انها عاقر
فلما ذهب الاظطراب ووهبه الله عز وجل ولد مع ان امرأته عاقر غير اللفظ الى زوجة فقال الله عز وجل
{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90) }
وحتى لا اطيل في البحث لن اذكر كل الايات التي قرأتها وتسند ماقلت .
قال ابو كندا : وبعد هذا النقاش تبين لي ان معنى الزواج هو المشاكلة للسكون .
قال الرازي : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجَةِ حَوَّاءُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي سَائِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .أ،هـ
تأويل قول الله عز وجل { الْجَنَّةَ } في قوله عز وجل {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
قال ابو كندا : لاحظت وقد اكون مخطئ ، ان اهل السنة لم يختلفوا في ان المقصود بالجنة هي جنة الخلد ، لأن لغة القران واضحة وصريحة فـ ( ال ) في ( الجنة ) للعهد ، وايضا لو لم يكن المقصود بها الجنة المعهوده لما قال موسى لآدم : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ رواه مالك بسند متصل .
إنما كان الخلاف بين اهل المعتزلة والقدرية الذين يعتمدون على التفكير ، حتى اتى صاحب كتاب حادي الارواح وذكر المسئلة وتوقف فيها ولم يرجح ، فبدأ بعض اهل السنة يختلفون في ما المقصود بهذه الجنة .
قال الواحدي : والمراد بقوله: {الْجَنَّةَ} جنة الخلد من قبل أن التعريف فيها بالألف واللام يجعلها كالعلم على جنة الخلد، فلا يجوز العدول عنها بغير دلالة، ألا ترى أنك لو قلت: نسأل الله الجنة، لم يكن ذلك إلا جنة الخلد . أ،هـ
قال الرازي : الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ هِيَ دَارُ الثَّوَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي لَفْظِ الْجَنَّةِ لَا يُفِيدَانِ الْعُمُومَ لِأَنَّ سُكْنَى جَمِيعِ الْجِنَانِ مُحَالٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهَا إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ وَالْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ الْمَعْهُودَةُ الْمَعْلُومَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ دَارُ الثَّوَابِ، فَوَجَبَ صَرْفُ اللَّفْظِ إِلَيْهَا . أ،هـ
قال اسماعيل حقي الحنفي – صاحب كتاب تفسير روح البيان – : الْجَنَّةَ هى دار الثواب بإجماع المفسرين خلافا لبعض المعتزلة والقدرية حيث قالوا المراد بالجنة بستان كان في ارض فلسطين او بين فارس وكرمان خلقه الله تعالى امتحانا لآدم وأولوا الهبوط بالانتقال منه الى ارض الهند كما في قوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً .
قال الثعلبي 427 هـ : (مسألة:) قالت القدريّة: إنّ الجنّة التي أسكنها الله آدم وحوّاء لم تكن جنّة الخلد وإنما كان بستانا من بساتين الدنيا، واحتجّوا بأن الجنة لا يكون فيها إبتلاء وتكليف.
(والجواب:) إنّا قد أجمعنا على أنّ أهل الجنّة مأمورون فيها بالمعرفة ومكلّفون بذلك.
وجواب آخر: إنّ الله تعالى قادر على الجمع بين الأضداد، فأرى آدم المحنة في الجنّة وأرى إبراهيم النعمة في النار لئلّا يأمن العبد ربّه ولا يقنط من رحمته وليعلم أنّ له أن يفعل ما يشاء.
واحتجّوا أيضا بأنّ من دخل الجنة يستحيل الخروج منها، قال الله تعالى: وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ .
والجواب عنه: إنّ من دخلها للثواب لا يخرج منها أبدا، وآدم لم يدخلها للثواب، ألا ترى أنّ رضوان خازن الجنة يدخلها ثم يخرج منها، وإبليس أيضا كان داخل الجنّة وأخرج منها. أ،هـ
قال القرطبي : قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْجَنَّةُ) الْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا. وَلَا الْتِفَاتَ لِمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَإِنَّمَا كَانَ فِي جَنَّةٍ بِأَرْضِ عَدْنٍ. أ،هـ
ثم ذكر حججهم العقلية التي – رأيت عدم ذكرها- ، وكأنهم يحتجون على الله عز وجل في افعاله { فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ() لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }
قال ابو كندا : وهذا امر غيبي لابد ان نؤمن به على ظاهره المعروف ولا نعمل عقلنا فيه .
قال الله عز وجل { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }
القول في تأويل قوله: {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}
قال أبو جعفر: أما الرَّغَد، فإنه الواسع من العيش، الهنيء الذي لا يُعنِّي صاحبه. يقال: أرْغد فلان: إذا أصاب واسعًا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس بن حُجْر:
بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِمَا … يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ فِي عَيْشٍ رَغَدْ
عن مجاهد، في قوله:”رغدًا”، قال: لا حسابَ عليهم. (4) أ،هـ
وروى ابن ابي حاتم بسنده عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: رَغَدًا قَالَ: لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ. (5)
وروى بسنده عن السدي : وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَالرَّغَدُ الْهَنِيءُ. (6)
قال الزجاج : الرغَدُ الكثيرُ الذي لا يُعَنيك.أ،هـ
قال الروازي : وَ «رَغَدًا» وَصْفٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَكْلًا رَغَدًا وَاسِعًا رَافِهًا . أ،هـ
قال ابو كندا : هل نستطيع ان نجمع بين المعاني الثلاثة فنقول الرغد هو الهني الذي الذي لا حساب فيه ولا عناء ؟
ام ان كلمة رغد وصف للمأكول وليس لحال الآكل؟
قال الطبري : فمعنى الآية وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا من الجنة رزقًا واسعًا هنيئًا من العيش حيث شئتما.أ،هـ
قال ابو السعود : { وَكُلاَ مِنْهَا } أي من ثمارها، وانما وجِّه الخطاب إليهما تعميماً للتشريف والترفيه ومبالغة في إزالة العِلل والأعذار وإيذاناً بتساويهما في مباشرة المأمورِ به فإن حواءَ أُسوةٌ له عليهِ السَّلامُ في الأكلِ بخلاف السكنِ فإنها تابعة له .أ،هـ
قال ابو حيان : قَالُوا: وَمَعْنَى الْأَمْرِ هُنَا إِبَاحَةُ السُّكْنَى وَالْإِذْنُ فِيهَا، مِثْلُ:
وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ، فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ، لأن الاستقرار فِي الْمَوَاضِعِ الطَّيِّبَةِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ التَّعَبُّدِ، وَقِيلَ: هُوَ أَمْرُ وُجُوبٍ وَتَكْلِيفٍ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِسُكْنَى الْجَنَّةِ، وَبِأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَنَهَاهُ عَنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّكْنَى وَمَا بَعْدَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا هُوَ إِبَاحَةٌ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَعَلَى مَا هُوَ تَكْلِيفٌ، وَهُوَ مَنْعُهُ مِنْ تَنَاوُلِ مَا نُهِى عَنْهُ. أ،هـ
وقال السمين : قوله: {حَيْثُ شِئْتُمَا} حيث: ظرفُ مكانٍ، والعامِلُ فيها هنا «كُلا» أي: كُلا أيَّ مكانٍ شِئْتُما تَوْسِعَةً عليهما. أ،هـ
قال ابو كندا : وحيثُ للمكان المبهم أي أي مكان من الجنة شئتما ، فالمراد من الآية إطلاق الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة حسن لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع حتى لا يبقى لهما عذر في التناول من شجرة واحدة من بين أشجارها الكثيرة ، -هذا ماقاله الزمخشري ونقله عنه الرازي -.
تأويله قول الله تعالى قوله { وَلا تَقْرَبَا } في قوله { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قال الخليل بن احمد : والقُرْبُ ضد البعد، والاقتِرابُ الدنو، والتَقَرُّبُ: التدني والتواصل بحق أو قَرابةٍ. والقُرْبانُ: ما تَقَرَّبْتَ به إلى الله تبتغي به قُرْباً ووسيلة.
وقال ابن فارس : ( الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ ) أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْبُعْدِ.
قال ابو كندا : حاولت ان اضع ضابط للكلمة او دلالة لها لكني للأسف لم استطع ذلك ، فقلت هو المبادرة بالاقبال الى المقصود ، ومع ذلك لم اقتنع به كثيرا ، لذلك سأعتمد ما قاله الخليل بن احمد وابن فارس ، فهو اضبط معنى لكلمة ( قرب) ولا تدل الا على ضد البعد .
قال الراغب : فالقصد بالنهي عن قرب الشيء تأكيد للحظر والمبالغة في النهي . أ، هـ
قال ابو كندا :والنهي عن الاقتراب هو من باب قول الرسول ﷺ ” كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ” البخاري
فإن قال قائل اذا كانت كلمة ( قرب ) هي ضد كلمة ( بعد ) فلماذا لم يستخدم الله عز وجل الكلمة المضادة وهي ( ابعدوا ) بدلا من ( ولاتقربا ) ، او لماذا لم يستخدم كلمة ( اجتنبوا ) كما قال في الطاغوت والخمر ؟
فلعل الجواب هو : اذا تأملت كلمة لا تقرب في القران وجدت انها تستخدم في الامر الذي فيه مشقة للابتعاد عنه او تجنبه ، قال الله تعالى { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (32) }
وقال تعالى { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
وقال سبحانه وتعالى { قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ }
وقال عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }
وقال الرحمن الرحيم { وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }
وقال الله سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }
فقوله { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا } لأن الشهوة جبلة في الذكر والانثى ، والحياة لابد ان يختلط فيها الذكر والانثى ، اما اقارب او عمل او غير ذلك ، فمن الصعب ان تعزل الذكور عن الاناث في كل مكان ، لذلك وجه الامر لكليهما حتى لا لا يبادر احدهما بالتقرب للاخر – كـ ابداء الزينة او الخضوع في القول كالمزاح فتتحرك العرائز والشهوة فيقعا في الزنا .
وقوله { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فمال اليتيم لابد ان تحفظه له ولو كان الافضل تجنبه وبقائه على حاله لقال الله عز وجل تجنب مال اليتيم ، ولكن الله عز وجل ، يعلم ان تجنب مال اليتيم هو خسارة لليتيم وضياع له ، لذلك اباح الله عز وجل للقائم على اموال اليتيم ان ينميها ويصلحها ولكن لا يبادر بالتفكير في الاخذ منها الا في الحالات الضيقة .
وقوله { قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } معنى اعتزال النساء عند العرب هو مجامعتهن ، وليس عدم كلامهن او الهروب منهن ، والمرأة في بيتك ليس لها مكان الا بيتك وفراشك فإن حملتك الشهوة من مداعبتها فلا تبادر بمس محل الجماع منها حتى لا تقع فيه .
وقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } نعلم ان الخمر لم يحرم اول الاسلام ، والصلاة حتمية على المسلم ، وفرض لابد من تأديته، فلا يستطيع تجنب الصلاة ولا ابتعاد عنها ، لذلك اتى التوجيه بعدم المبادرة للاقتراب منها وهم سكرى حتى يعلموا مايقولون .
وقوله { وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الفواحش مبنية على الشهوات التي جبل عليها الانسان وجعل له طريقة لقضائها بالحلال فهو لا يستطيع ان يتجنب الشهوة لكنه يستطيع ان لا يبادر ويتقرب من الشهوات المحرمة ، قال الرسول ﷺ ” حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ “. البخاري
وقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }
كما تعلمون ان المشركين اكثر من المسلمين ولابد من مخالطتهم للتجارة والصناعة وغيرها ، لذلك عليكم ان لا تجعلوهم يبادروا ويقتربوا من المسجد الحرام .
واما اذا تأملتم كلمة (اجتنبوا ) في القران وجدت انها تستخدم في الامر الذي ليس لك فيه حاجة وانما قد يعترضك فإن اعترضك تجنبه .
قال الله تعالى { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا(31) }
وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) }
وقال الله عز وجل { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }
وقال عز وجل { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30) }
وقال سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا }
فقوله { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ } فالكبائر كما صرح بها الرسول ﷺ عندما سئله الصحابة عنها ، وهي الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقول الزور – وقد ذكرت ادلتها في بحث سابق لي وليس هذا محل ذكره هنا – ، وكما تعلمون ان هذه الكبائر ليست جبلة في الانسان ، فالانسان فطر قلبه على الحاجة لإله واحد ، فالنفس تكون مضطربة ان اشرك به.
والوالدان وضع الله عز وجل في قلوبهم الرحمة على ابنائهم لذلك يرضيهم صوتك وشوفتك وصحبتك ، واما قتل النفس فقد جعل الله عز وجل في النفس هيبة وبغض لقتلها .
واما قول الزور فتحتاج الى فريق وخطة حتى تقوم به فقول الزور هو الافتراء لأخذ حق غيرك ، وغيرك لن يرضى بأخذ حقه زورا وبهتانا ، – ولا يحتاج ان اصف حال النفس والضمير وكلام الناس ونظراتهم حينها – .
فهذه الكبائر مخالفة لطبيعة النفس التي فطرنا الله عليها ، فهي بعيدة عنها بالفطرة ، فإن اعترضتك في حال ضعفك فتجنبها ، حتى لا تقع فيها فيصعب الخروج منها .
واما قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) }
كل هذه الامور لا يحتاجها الانسان فهو بعيد عنها في الاصل فإن اعترضته في لحظة ضعفه فليتجنبها .
واما قوله تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }
وايضا الطاغوت منافي لطبيعة الانسان التي فطر عليها فليتجنبها اذا اعترضته .
واما قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا }
الظن مبني على مشاهدة تصرفات الناس وسماع اقوالهم، ومن ثم تفسيرها ، فالله عز وجل لم ينهك عن تفسيرها اذا اعترضتك ، بل نهاك عن كثرتها فقط ، فإن كثرتها تصيب الانسان بالوسوسة مما يجعله يتجسس ويغتاب ويتعرض للمسلمين .
فإن قال قائل فما تقول في قول الله عز وجل { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(37) }
وقوله سبحانه وتعالى { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ }
قلنا له هنا وصف حال المؤمنين الذين يجتنبون الكبائر ، ولا يقتربون من الفواحش ، وحتى لو اعترضتهم الفواحش يتجنبونها .
قال ابو كندا : وبعد فهمنا لدلالات كلمة قرب ، ولماذا لم يُستخدم كلمة ( بعد او اجتنب ) يتبين لنا ان هذه الشجرة في البعد عنها مشقة تمنع رغد العيش ، لذلك قال الله عز وجل { ولا تقربا } ، اذاً، من خلال هذه الكلمة نستطيع ان نتصور هذه الشجرة ،
⁃ فإما ان تكون نوع من الشجر صغير منتشر في جميع الجنة كشجرة السنبلة ،
⁃ او تكون شجرة واحدة ، اغصانها تتسلق وتنتشر في جميع انحاء الجنة كالعنب .
⁃ او تكون شجرة واحدة كبيرة وعظيمة كشجرة التين وبها شيء يجذب الرائي لها ، كمشاهدة الملائكة يأكلون منها او شيء اخر يحفزه للاكل منها .
قال ابو حيان : الشَّجَرَةَ: نَعْتٌ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيُحْتَمَلُ الْإِشَارَةُ أَنْ تَكُونَ إِلَى جِنْسٍ مِنَ الشَّجَرِ مَعْلُومٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِلَى شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِنْسِ الْمَعْلُومِ، وَهَذَا أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِشَخْصِ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ. أ،هـ
قال ابو كندا : والذي يعجبني ان اسم الاشارة ( هذه ) في قوله { هذه الشجرة } دليل انها شجرة بعينها ، وهذا يدل على ان تصور الشجرة انها شجر صغير منتشر في انحاء الجنة كالسنبلة مستبعد ، فيبقى التصوران الاخران .
قال الزجاج : ومعنى (لَأتَقْرَبا) ههنا -لا تأكلا، ودليل ذلك قوله (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) أي لا تقرباها في الأكل. (ولاتقربا) جزم بالنفي.أ،هـ
القول في تأويل { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قوله { هَذِهِ الشَّجَرَةَ }
قال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب: كلّ ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) ، يعني بالنجم ما نَجمَ من الأرض من نَبت، وبالشجر ما استقلّ على ساق.
قال ابو كندا : لا يعجبني قول ابو جعفر هذا ، فالشجر لا يختص بماقام على ساق فقط ، لقوله تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} مع أنها كالزرع والبِطِّيخ ليس له ساق، فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجراً .
وايضا فهم العباس رضي الله عنه لقول الرسول ﷺ عندما قال ” حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ “. فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِلَّا الْإذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ : ” إِلَّا الْإِذْخِرَ “. البخاري
فلو كان الشجر ماكان له ساق ، لما قال العباس الا الإذخر ، فالإذخر ليس له ساق .
قال الخليل بن احمد : ويقال: سُمِّيَ الشَّجَر لاختلاف أغصانِه ودخولِ بعضها في بعض، واشتقَّ من تشاجر القوم.أ،هـ
قال الرازي : قَالَ الْمُبَرِّدُ: وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ مَا تَفَرَّعَتْ لَهُ أَغْصَانٌ وَعِيدَانٌ فَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ شَجَرًا فِي وَقْتِ تَشَعُّبِهِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ كُلُّ مَا شَجَرَ أَيْ أَخَذَ يُمْنَةً وَيُسْرَةً يُقَالُ: رأيت فلاناً في شَجَرَتُهُ الرِّمَاحُ. وَقَالَ تَعَالَى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النِّسَاءِ: ٦٥] وَتَشَاجَرَ الرَّجُلَانِ فِي أَمْرِ كَذَا.أ،هـ
قال الطبري : ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم: هي السُّنبلة.
ذكر من قال ذلك:
عن أبي مالك، في قوله:”ولا تقرَبا هذه الشجرة”، قال: هي السنبلة. (7)
عن عطية في قوله:»ولا تقربا هذه الشجرة«، قال: السنبلة. (8)
عن قتادة، قال: الشجرة التي نُهي عنها آدم، هي السنبلة. (9)
قال أبو جعفر: وقال آخرون: هي الكرمة.
* ذكر من قال ذلك:
عن جعدة بن هُبيرة، قال: هو العِنَب في قوله:«ولا تقربا هذه الشجرة».(10)
عن جعدة بن هُبيرة:«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم.(11)
عن سعيد بن جبير، قوله«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم. (12)
عن السُّدّيّ، قال: العنب. (13)
وقال آخرون: هي التِّينة.
* ذكر من قال ذلك:
عن ابن جُريج، عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: تينة. (14) أ،هـ
قال ابو كندا وزاد ابن ابي حاتم قولا اخر وهو النخلة ورواه بسنده عن الْوَجْهُ الرَّابِعُ:
عَنْ أَبِي مَالِكٍ: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ قَالَ: النخلة. (15) أ،هـ
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدمَ وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يَضَع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنّى يأتي ذلك؟
وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك عِلمٌ، إذا عُلم لم ينفع العالمَ به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضرَّه جهلُه به. أ،هـ
قال ابو كندا وعلى هذا كله نقول في معنى قوله عز وجل { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
كما قال قتادة .
فعن قتادة، قوله:”يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما”، ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدمَ، كما ابتُلي الخلقُ قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رَغدا حيث شاء، غيرَ شجرة واحدة نُهي عنها، وقُدِّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نُهي عنه. (16)
تأويل قوله عز وجل { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قال ابو جعفر: وأما تأويل قوله:”فتكونا من الظالمين”، فإنه يعني به فتكونا من المتعدِّين إلى غير ما أذِن لهم وأبيح لهم فيه، وإنما عَنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة، كنتما على منهاج من تعدَّى حُدودي، وَعصى أمري، واستحلَّ محارمي، لأن الظالمين بعضُهم أولياء بعض، والله وليّ المتقين.
وأصل”الظلم” في كلام العرب، وضعُ الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
إِلا أُوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها.
ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وَضْع النحر في غير موضعه.
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى. وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه.
قال ابو كندا : والمتأمل لكلام الطبري هذا ، يفهم منه ان الطبري يعلم ان الظلم هو التعدي بوضع الشي في غير موضعه ، ولكنه عندما ذكر اصل الظلم قال “وضع الشي في غير موضعه “دون ان يذكر التعدي ، مع ان التعدي اصل في معنى الظلم ، فوضع الشي في غير موضعه فقط ، يعتبر سفاهة وليس ظلما .
فلو قال كما قال ابن فارس : وَضْعُ الشَّيْءِ غَيْرَ مَوْضِعِهِ تَعَدِّيًا. لكان اضبط في دلالة المعنى .
فإن قال قائل قول الله عز وجل { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } هل يفهم منه ان العبد يظلم الله عز وجل بالتعدي عليه !!!
قلنا لك : حتى لا تفهم هذا الفهم الخاطئ قال الله عز وجل لك { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57) }
وحتى تفهم كيف يظلمون انفسهم قال سبحانه وتعالى { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }
وهنا صرح الله عز وجل ان التعدي من دلالات الظلم .
قال ابو كندا وقد كنت مقتنع بهذا المعنى حتى قرأت تفسير بعض العلما لقول الله عز وجل { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } فقالوا اي لم تنقص منه شيئا .
هنا توقفت عن ترجيح المعنى حتى ابحث في معنى الاية ، وبدأت اتسائل اذا كان معناه النقص فقط لماذا لم يقل ولم ينقص منه شيئا ، او قال آتت اكلها وانصفته ، حتى فتح الله عز وجل علي فقرأت ما قاله صاحب تهذيب اللغة بسنده عن ابي العباس وابي الهيثم انهما قالا
ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت اللبنَ إِذا شَرِبته أَو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وَإِخْرَاج زُبدته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ظَلمْت وَطْبِي القومَ أَي سقَيْته قبل رُؤوبه وَأنْشد شمر:
وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي
وَهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ
هنا تأكدت من رجحان المعنى فقوله { ولم تظلم منه شيئا } فكلمة { ظلم } دلت على انها لم تنقصه وكل ثمرها طيب ولم تنتج ثمرة واحده ليست جيدة او لم تنضج او فاسدة ، وايضا هناك معنى زائد وهو قد تكون اثمرت بثمر اكثر من عمله فيها .
وها أنا اقول ، قال ابو كندا اصل الظلم هو التعدي بوضع شيء في غير موضعه .
والله اعلم
————
1- اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبولة –
وهذا كتاب Aa-
2- اخرجه احمد في مسنده < قال ابو كندا الحديث حجة >
3- اخرجه احمد في مسنده < قال ابو كندا الحديث حجة >
4- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا : رواية محمد بن عمرو صحيحة > – وهذا كتاب w-
5- اخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره <قال ابو كندا الرواية مقبولة > – هذا كتاب Cc-2-
6- اخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره < قال ابو كندا الرواية اقبلها > – وهذا كتاب Aa-1-
7- اخرجه الطبري في تفسيره <قال ابو كند السند الاول صحيح والسند الثاني لا اقبله > – وهذا كتاب هـ –
8- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا اسناد ابو كريب صحيح واسناد وكيع لا اقبله > – وهذا كتاب ز-
9- اخرجه الطبري في تفسيره <الاسناد مقبول مقارب للصحيح> – وهو كتاب J –
10- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا الرواية مقبولة واقرب الى الصحة > – وهذا كتاب i-1 –
11- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا الرواية صحيحة > – وهذا الكتاب S2-
12- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا هذه الرواية مقبولة > – هذا كتاب M-4-
13- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا الرواية صحيحة > – وهذا كتاب M-5-
14- اخرجه الطبري في تفسيره <قال ابو كندا الرواية مقبولة> – وهذا كتاب B –
15- اخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره < قال ابو كندا الرواية صحيحة > – وهذا كتاب Jj-7-
16- اخرجه الطبري في تفسيره <الاسناد مقبول مقارب للصحيح> – وهو كتاب J-