قال ابو كندا لهذا ارجح ان ابليس من الملائكة .
وقولي انه من الملائكة لا يعني انه ليس من الجن بل هو من الملائكة من فئة تسمى الجن
ثم ان قاعدتي المعروفة في تأويل القران ، ان الله عز وجل انزل هذا القران بلسان عربي مبين ، والعرب معروف عنهم انهم اميون ، فهم يفهمون الكلام بظاهره ولا يلوونه عن ظاهره البته الا ان لم يستطيعوا فهمه على ظاهره فيبحثون عن قرينة تساعدهم على فهم الخطاب.
والله عز وجل ذكر هذه القصة في كتابه سبع مرات كلها يبتدأها بتخصيص الامر للملائكة فيقول { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(34) } البقرة
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12)}الاعراف
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) } الحجر
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا (62) } الاسراء
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا(50) } الكهف
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) } طه
{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) } ص
سبع مواضع يصدرهن بتخصيص الامر للملائكة لو قرأت على حجر لعلم الحجر ان الامر خاص بالملائكة .
ومع ذلك يأتي احد من البشر ويقول ان الامر للملائكة ولمن دون الملائكة ممن حضر الموقف .
سبع ايات قالها الله عز وجل كلها يخصص الامر بالملائكة ولا مرة فيها استخدم الضمير وقال: قلت لهم ، حتى نقول هذه الاية فيها اشارة ان الامر لمن حضر مع الملائكة ،
سبع مرات يذكر الله عز وجل لك ان الامر للملائكة ثم يقول مرة واحدة { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } حتى يفهم من كان ثقيل الفهم ان الامر الذي خصصه للملائكة داخل فيه ابليس لأنه من الملائكة ، ومع ذلك وجدت احدهم يقول لعل هذا الامر الذي خصه ابليس لم يذكره الله عز وجل كيفيته او متى امره بذلك . – والله المستعان –
ياثقيل الفهم اقرأ هذه السبع ايات مرة اخرى سترى متى امر الله عز وجل ابليس بالسجود ؟ وماذا قال له ؟ فابليس من الملائكة .
فإن قال اكثر المعتزلة – لان بعض منهم لم يقتنع بقولهم –
ان قول الله عز وجل { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ }
هو استثناء منقطع لا اختلاف الجنسين – جنس الملائكة وجنس الجن – لما رواه مسلم بسنده عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ :
” خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم “.
فلا يعقل ان تكون الجن ملائكة لأن الجن مخلوقين من نار والملائكة مخلوقين من نور.
قال المعتزلة ذلك لأنها تستخدم العقل في الغيبيات فظلوا وأظلوا .
قال ابو كندا : ولو استخدمنا عقلنا في الغيبيات لقلنا النور القوي ينتج نار ، والنار تنتج نور ، مثلها مثل التراب والطين والصلصال والفخار
ولو فكرنا بتفكير المعتزلة لقلنا ان المرأة خلق اخر يختلف عن البشر ، لما رواه مسلم ايضا بسنده عن ابي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ ” إن المرأة خلقت من ضلع “
ولو فكرنا مثل المعتزلة لقلنا يتحتم عليكم أن تقولوا إن ادم وعيسى خلق اخر يختلف عن خلق الانسان ، لأن الله عز وجل صرح في كتابه انه خلق ادم وعيسى من تراب ولم يصرح انه خلقهما من نطفة فقال عز وجل ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
اما الانسان فلم يصرح في كتابه انه خلقه من تراب .
وهل خلق الناس يختلف عن خلق الانسان فالله عز وجل صرح في كتابه انه خلق الناس من تراب ونطفة ولم يذكر انه خلقهم من طين قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
ولو تجعل عقلك يفكر اكثر ، كطريقة المعتزلة ، لقلت ان ادم وعيسى والناس هم خلق يختلف عن خلق الانسان ، لأن ادم وعيسى والناس بداية خلقهم من تراب ، اما خلق الانسان فبدأه من الطين قال تعالى { وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8)
والتراب ليس طين كما ان النور ليست نار .
ولو فكرنا كما تفكر المعتزلة لقلنا عندما خاطب الله عز وجل المشركين بأنهم خلق من طين لازب فقال تعالى ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11].
ان خلق الانسان يطلق على المشركين والشياطين لأن الله عز وجل بدء خلقهم من طين .
فيخرج من هذا التفكير في الغيبيات ان هناك خلق اسمه:
١- البشر : وهم ادم وعيسى ومن مثلهم من من لم يذكرهم الله عز وجل لنا وقد يكونون في ارض اخرى غير ارضنا ، لقول الله عز وجل { { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) }
٢- الناس : وخلقوا من تراب وماء
٣- الانسان : بدء خلقهم من طين
٤- المرأة : خلقت من ضلع
٥- الانس : وهم خلق مجهول لم يذكر الله عز وجل كيف خلقهم .
وهذا كله نتاج تحريك العقل في الغيبيات وهو يؤدي الى الضلال والعياذ الله .
قال ابو كندا : ما ضركم لو صدقتم وآمنتم بظاهر كلام الله عز وجل بالغيبيات .
الا تذكروا قول الله عز وجل عندما قال { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7 ) }
الا يسعكم ما فهم ابن عباس وابن المسيب وصرحا بأن ابليس من الملائكة وهما القرشيان وقد نزل القران بلسان قومهما ولم ينازعهما صحابي او تابعي من جيلهما .
لماذا تركتم قول الله عز وجل الذي فيه التصريح بتخصيص الامر للملائكة وانصراف الامر لابليس لأنه منهم وهو قوله عز وجل { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12)}الاعراف
وذهبتم الى متشابه من القول وهو قوله عز وجل { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا(50) }
فإن قلتم ما دليلك ان هذه الاية متشابه ؟
قلت لانكم اختلفتم عليها ام الايات الست الباقية لم تختلفوا عليها فهي اذا محكمات .
اما قولهم استثناء منقطع ، قلنا لا نسلم بذلك
لأن الاسناد المنقطع عند العرب قديما لابد ان يتوفر فيه شرطان ، الاول النفي والثاني اختلاف الجنس .
كما حكاه ابن السراج المتوفي ٣١٦هـ في كتابه الاصول في النحو وهو اول كتاب رأيته يتحدث عن الاسناد المنقطع بهذا المصطلح.
اما سيبوية فتحدث عنه في كتابه في باب ما لا يكون ( إلا) على معنى ( ولكن) ، ولم يسمع باصطلاح الاسناد المنقطع .
فهذا الذي تعرفه العرب قديما ،
اما من قال ان لا الاسناد المنقطع في اختلاف الجنسين فقط فهذا ليس من كلام العرب .
ولو نظرنا الى قول الله عز وجل { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50) }
نجد انه (واجب) وليس (منفي) اذا لا يكون مستثنى منقطع لانه لا يستوفي الشروط ، فثبت انه مستثنى متصل .
وايضا لا نسلم بختلاف الجنسين لأن العرب تطلق كلمة جن على ما استتر ، فالطفل في بطن امه يسمونه جنين ، والحديقة التي اشجارها تستر من فيها تسمى جنة .
قال مكي : وقيل: سمي من الجن لأنه لا يرى، كما سمى الله الملائكة جناً، فقال: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً} [الصافات: ١٥٨]. وأصله كله الاستتار.أ،هـ
قال السمعاني : وَأما قَوْله: {كَانَ من الْجِنّ} قيل: إِن فرقة من الْمَلَائِكَة سموا جنا خلقهمْ الله تَعَالَى من النَّار. وَعَلِيهِ دلّ قَوْله تَعَالَى: {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} .
حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله. فسماهم جنَّة. وَإِنَّمَا سموا جنا لاستتارهم عَن الْأَعْين.
قال ابن عطية : وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ نصب على الاستثناء المتصل، لأنه من الملائكة على قول الجمهور، وهو ظاهر الآية. أ،هـ