القول في تأويل قوله تعالى ذكره: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قوله { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ }
قال ابن فارس : السين والكاف والنون أصل واحد مطرد، يدل على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سكن الشيء يسكن سكونا فهو ساكن.
والسَّكْنُ: الأهل الذين يسكنون الدار .
والسَّكَنُ: كل ما سكنت إليه من محبوب.
والسكين معروف، قال بعض أهل اللغة: هو فعيل لأنه يسكن حركة المذبوح به. ومن الباب السكينة، وهو الوقار . أ،هـ
قال الراغب : السكون: ثبوت الشيء بعد تحرك، ويستعمل في الاستيطان نحو: سكن فلان مكان كذا، أي:
استوطنه، واسم المكان مسكن، والجمع مساكن،
والسكن: السكون وما يسكن إليه، قال تعالى: { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا }، وقال تعالى: {إن صلاتك سكن لهم }، { وجعل الليل سكنا }
وقوله تعالى: { أنزل السكينة في قلوب المؤمنين }
والمسكين قيل: هو الذي لا شيء له، وهو أبلغ من الفقير، وقوله تعالى: { أما السفينة فكانت لمساكين } ، فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة، أو لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة، وقوله: { ضربت عليهم الذلة والمسكنة }، فالميم في ذلك زائدة في أصح القولين. أ،هـ
قال ابو كندا : والذي اراه ان كلمة ( سكن) هي ضد الاضطراب فقط . وهي مقاربة لمعنى الهدوء.
اما تعريف ابن فارس والراغب فلا يعجبني قولهم لأن السكون ليس له صلة بالحركة ، والدليل هذه الاية { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } فكيف يقول اسكن اي لا تتحرك ثم يقول له كلا منها رغدا حيث شئت .
ولو تأملت الايات التي فيها السكن لوجدت ان المقصود هو ضد الاضطراب وليس الثبوت من الحركة .
{ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا } ايكون المعنى ان الليل ثابت لا يتحرك او ان الليل لباسا وهدوء وليس كالنهار معاشا واسواق واعمال .
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)} هل يكون المعنى ان صلاتك تثبتهم فلا يتحركوا لا زيادة ولا نقصان ، ام ان المعنى هو ان صلاتك تطمنهم وتمنع عنهم الاضطراب وتزيد هدوء النفس وتبعث الوقار في النفس .
{ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(33) } فإن قلت يثبت الريح ، انتفى معنى الريح لأن الريح لا تكون الا بالحركة والاضطراب ، فإن اسكن الاضطراب بقيت ريح ، لكن لو اثبت الريح انتفى معنى الريح.
وايضا لم يعجبني قول الراغب ، عندما ادخل معنى المسكين في السكون ، مع اني ارى ان جذرهما مختلف ، فجذر سكون ( س ك ن ) وجذر مسكين ( م س ك )
وجذر ( مسك ) يبين لنا معنى المسكين في اصناف الزكاة والفرق بينه وبين الفقير .
فالفقير هو الذي ليس عنده حاجته من الفقر وهو المفهوم المتعارف عليه ، ام المسكين هو الذي ُمسك عن حاجته لجائحة ما ، مما جعله في وقت الصدقة عليه بمثل معنى الفقير ، مع انه قد يكون له مال لكن ممسوك عنها .
اتمنى انني افصحت عن ما قصدت .
اعلم انكم ستقولون ان كلمة مسكين اضافها الخليل بن احمد مع كلمة ( س ك ن) وان اول من قال ان السكون ذهاب الحركة هو ايضا الخليل ابن احمد ، والخليل بن احمد هو داهية الزمان فكيف تتعقبه وانت جاهل .
لذلك اقول أحسنتم، الخليل بن احمد من اعلم العلماء بعد الصحابة رضوان الله عليم وهو داهية الدواهي بين العلماء ، واعلم اني لا اقدر شسع نعل الخليل بن احمد ، ولكن عذري في ذلك اني رجل انعزالي وليس لي معرفة بالعلماء حتى استطيع ان اسألهم بدون تكلف، وان سألت على برامج التواصل لا يجيبونني ، واما علماء اللغة فبعضهم معتز بنفسه ويرى الناس جهال ولا يستحقون التعليم ، وبعضهم مشغول ليس عنده وقت لمناقشة امر بت فيه الخليل بن احمد ،
وانا الان قاربت الخمسين وليس لي طاقة بملاطفة بعض العلماء ومداراتهم حتى يجيبونني ، لذلك ذكرت هنا ما اراه صحيح حتى يتحمس احد الناس ، اما رحمة بي فيشرح خطأي ويخبرني بما هو الصواب.
او شخص اخر يرد ردا مفصلا يسفهني فيه، فأكسب الحسنى وأجد الجواب الصحيح المقنع الذي يجعلني اتراجع عن مارأيته صوابا ، او اتمسك به .
قال الواحدي : قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أي: اتخذها مأوى ومنزلا ، وليس معناه: استقر في مكانك ولا تتحرك .
وقوله: (أنت) تأكيد للضمير الذي في الفعل ، وإنما أكد به ليحسن العطف عليه، فإن العرب لا تكاد تعطف إلا على ظاهر، يقولون: اخرج أنت وزيد، ولا يكادون يقولون: اخرج وزيد، إلا في الضرورة، ومثله قوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} . أ،هـ
قال الزمخشري : وأَنْتَ تأكيد للمستكن في: (اسْكُنْ) ليصح العطف عليه. أ،هـ
قال الرازي :، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ أَسْكَنْتُكَ دَارِي لَا تَصِيرُ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ، فَهَهُنَا لَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى:
وَهَبْتُ مِنْكَ الْجَنَّةَ بَلْ قَالَ أَسْكَنْتُكَ الْجَنَّةَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَقَهُ لِخِلَافَةِ الْأَرْضِ فَكَانَ إِسْكَانُ الْجَنَّةِ كَالتَّقْدِمَةِ عَلَى ذَلِكَ.أ،هـ
قال القرطبي : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:” اسْكُنْ” تَنْبِيهٌ عَلَى الْخُرُوجِ، لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ مِلْكًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: السُّكْنَى تَكُونُ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ تَنْقَطِعُ، فَدُخُولُهُمَا فِي الْجَنَّةِ كَانَ دُخُولَ سُكْنَى لَا دُخُولَ إِقَامَةٍ أ،هـ