القول في تأويل قوله تعالى ذكره: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }

تأويل قول الله عز وجل { هَذِهِ الشَّجَرَةَ } في قوله { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }

قال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب: كلّ ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) ، يعني بالنجم ما نَجمَ من الأرض من نَبت، وبالشجر ما استقلّ على ساق.

قال ابو كندا : لا يعجبني قول ابو جعفر هذا ، فالشجر لا يختص بماقام على ساق فقط ، لقوله تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} مع أنها كالزرع والبِطِّيخ ليس له ساق، فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجراً .
وايضا فهم العباس رضي الله عنه لقول الرسول ﷺ عندما قال ” حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ “. فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِلَّا الْإذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ : ” إِلَّا الْإِذْخِرَ “. البخاري
فلو كان الشجر ماكان له ساق ، لما قال العباس الا الإذخر ، فالإذخر ليس له ساق .

قال الخليل بن احمد : ويقال: سُمِّيَ الشَّجَر لاختلاف أغصانِه ودخولِ بعضها في بعض، واشتقَّ من تشاجر القوم.أ،هـ

قال الرازي : قَالَ الْمُبَرِّدُ: وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ مَا تَفَرَّعَتْ لَهُ أَغْصَانٌ وَعِيدَانٌ فَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ شَجَرًا فِي وَقْتِ تَشَعُّبِهِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ كُلُّ مَا شَجَرَ أَيْ أَخَذَ يُمْنَةً وَيُسْرَةً يُقَالُ: رأيت فلاناً في شَجَرَتُهُ الرِّمَاحُ. وَقَالَ تَعَالَى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النِّسَاءِ: ٦٥] وَتَشَاجَرَ الرَّجُلَانِ فِي أَمْرِ كَذَا.أ،هـ

قال الطبري : ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم: هي السُّنبلة.
ذكر من قال ذلك:
عن أبي مالك، في قوله:”ولا تقرَبا هذه الشجرة”، قال: هي السنبلة. (7)
عن عطية في قوله:»ولا تقربا هذه الشجرة«، قال: السنبلة. (8)
عن قتادة، قال: الشجرة التي نُهي عنها آدم، هي السنبلة. (9)
قال أبو جعفر: وقال آخرون: هي الكرمة.

  • ذكر من قال ذلك:
    عن جعدة بن هُبيرة، قال: هو العِنَب في قوله:«ولا تقربا هذه الشجرة».(10)
    عن جعدة بن هُبيرة:«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم.(11)
    عن سعيد بن جبير، قوله«ولا تقربا هذه الشجرة»، قال: الكرم. (12)
    عن السُّدّيّ، قال: العنب. (13)
    وقال آخرون: هي التِّينة.
  • ذكر من قال ذلك:
    عن ابن جُريج، عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: تينة. (14) أ،هـ

قال ابو كندا وزاد ابن ابي حاتم قولا اخر وهو النخلة ورواه بسنده عن الْوَجْهُ الرَّابِعُ:
عَنْ أَبِي مَالِكٍ: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ قَالَ: النخلة. (15) أ،هـ

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدمَ وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يَضَع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنّى يأتي ذلك؟
وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك عِلمٌ، إذا عُلم لم ينفع العالمَ به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضرَّه جهلُه به. أ،هـ

قال ابو كندا وعلى هذا كله نقول في معنى قوله عز وجل { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
كما قال قتادة .
فعن قتادة، قوله:”يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما”، ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدمَ، كما ابتُلي الخلقُ قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رَغدا حيث شاء، غيرَ شجرة واحدة نُهي عنها، وقُدِّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نُهي عنه. (16)

تأويل قوله عز وجل { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
قال ابو جعفر: وأما تأويل قوله:”فتكونا من الظالمين”، فإنه يعني به فتكونا من المتعدِّين إلى غير ما أذِن لهم وأبيح لهم فيه، وإنما عَنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة، كنتما على منهاج من تعدَّى حُدودي، وَعصى أمري، واستحلَّ محارمي، لأن الظالمين بعضُهم أولياء بعض، والله وليّ المتقين.
وأصل”الظلم” في كلام العرب، وضعُ الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
إِلا أُوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها.
ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وَضْع النحر في غير موضعه.
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى. وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه.

قال ابو كندا : والمتأمل لكلام الطبري هذا ، يفهم منه ان الطبري يعلم ان الظلم هو التعدي بوضع الشي في غير موضعه ، ولكنه عندما ذكر اصل الظلم قال “وضع الشي في غير موضعه “دون ان يذكر التعدي ، مع ان التعدي اصل في معنى الظلم ، فوضع الشي في غير موضعه فقط ، يعتبر سفاهة وليس ظلما .
فلو قال كما قال ابن فارس : وَضْعُ الشَّيْءِ غَيْرَ مَوْضِعِهِ تَعَدِّيًا. لكان اضبط في دلالة المعنى .
فإن قال قائل قول الله عز وجل { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } هل يفهم منه ان العبد يظلم الله عز وجل بالتعدي عليه !!!
قلنا لك : حتى لا تفهم هذا الفهم الخاطئ قال الله عز وجل لك { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57) }
وحتى تفهم كيف يظلمون انفسهم قال سبحانه وتعالى { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }
وهنا صرح الله عز وجل ان التعدي من دلالات الظلم .

قال ابو كندا وقد كنت مقتنع بهذا المعنى حتى قرأت تفسير بعض العلما لقول الله عز وجل { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } فقالوا اي لم تنقص منه شيئا .
هنا توقفت عن ترجيح المعنى حتى ابحث في معنى الاية ، وبدأت اتسائل اذا كان معناه النقص فقط لماذا لم يقل ولم ينقص منه شيئا ، او قال آتت اكلها وانصفته ، حتى فتح الله عز وجل علي فقرأت ما قاله صاحب تهذيب اللغة بسنده عن ابي العباس وابي الهيثم انهما قالا
ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت اللبنَ إِذا شَرِبته أَو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وَإِخْرَاج زُبدته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ظَلمْت وَطْبِي القومَ أَي سقَيْته قبل رُؤوبه وَأنْشد شمر:
وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي
وَهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ

هنا تأكدت من رجحان المعنى فقوله { ولم تظلم منه شيئا } فكلمة { ظلم } دلت على انها لم تنقصه وكل ثمرها طيب ولم تنتج ثمرة واحده ليست جيدة او لم تنضج او فاسدة ، وايضا هناك معنى زائد وهو قد تكون اثمرت بثمر اكثر من عمله فيها .

وها أنا اقول ، قال ابو كندا اصل الظلم هو التعدي بوضع شيء في غير موضعه .

والله اعلم

————
1- اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبولة –
وهذا كتاب Aa-
2- اخرجه احمد في مسنده < قال ابو كندا الحديث حجة >
3- اخرجه احمد في مسنده < قال ابو كندا الحديث حجة >
4- اخرجه الطبري في تفسيره < قال ابو كندا : رواية محمد بن عمرو صحيحة > – وهذا كتاب w-
5- اخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره