الوسوم
قدوس, نقدس, آدم, الملائكة, التفسير, الحكمة, الحكيم, الخليفة, العليم, ابليس, جاعل, سورة البقرة, سبحان
قال تعالى { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) }
قال ابو كندا : اختلف أهل التأويل في ابليس : هل هو من الملائكة، أم هو من غيرها؟ على قولين :
القول الاول :
انه من الملائكة محتجين بروايات كثيرة مسندة الا ان اصحها هي الاتي :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ الْمَلائِكَةِ مِنْ ذَوِي الأَرْبَعَةِ الأَجْنِحَةِ ثُمَّ أُبْلِسَ بَعْدُ.(١)
قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطانُ سماء الدنيا، وكان له سلطانُ الأرض. قال: قال ابن عباس: وقوله: (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) إنما يسمى بالجنان أنه كان خازنًا عليها، كما يقال للرجل مكي ومدَنيّ وكوفيّ وبصريّ. (2)
وعن سعيد بن المسيب، قال: كان إبليس رئيسَ ملائكة سماء الدنيا (3)
وعن قتادة، قوله: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) [سورة الكهف: ٥٠] ، كان من قبيل من الملائكة يقال لهم”الجن”، وكان ابن عباس يقول: لو لم يكن من الملائكة لم يُؤمر بالسجود، وكان على خِزانة سماء الدنيا، قال: وكان قتادة يقول: جَنَّ عن طاعة ربه (4)
عن قتادة، في قوله:”إلا إبليسَ كان من الجن” قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن (5)
وقال صاحب مجاز القران ابو عبيدة : في قوله { إلا إبليس }نصب إبليس على استثناء قليل من كثير،أ،هـ
وحدث ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: أما العرب فيقولون: ما الجنّ إلا كل من اجتَنَّ فلم يُرَ. وأما قوله:”إلا إبليس من كان من الجن” أي كان من الملائكة، وذلك أن الملائكة اجتنُّوا فلم يُرَوْا. وقد قال الله جل ثناؤه: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [سورة الصافات: ١٥٨] ، وذلك لقول قريش: إن الملائكة بناتُ الله، فيقول الله: إن تكن الملائكة بناتي فإبليس منها، وقد جعلوا بيني وبين إبليس وذريته نسبًا. قال: وقد قال الأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري، وهو يذكر سليمانَ بن داود وما أعطاه الله:
وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ خَالِدًا أَوْ مُعَمَّرا … لَكَانَ سُلَيْمَانُ الْبَرِيءُ مِنَ الدَّهْرِ
بَرَاهُ إِلَهِي وَاصْطَفَاهُ عِبَادَهُ … وَمَلَّكَهُ مَا بَيْنَ ثُرْيَا إِلَى مِصْرَ
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلائِكِ تِسْعَةً … قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلا أَجْرِ
قال: فأبت العربُ في لغتها إلا أنّ “الجن” كل ما اجتنَّ. يقول: ما سمَّى الله الجن إلا أنهم اجتنُّوا فلم يُرَوا، وما سمّي بني آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا. فما ظهر فهو إنس، وما اجتنّ فلم يُرَ فهو جنّ .(6)
قال ابو كندا وهذا القول هو الصواب عندي وهو قول ان ابليس من الملائكة عامة وهو من حي او من نوع او من قبيلة يقال لها الجن .
وهذا ما اصدق به وأؤمن به.
وهو اختيار الطبري ابن ابي حاتم واكثر المفسرين من اهل السنة قديما .
ويكفيك انه صح عن ابن عباس وسعيد ابن المسيب وهما قرشيان وقد نزل القران بلغتهم.
فإن قال قائل : كيف تحتج برواية ابن عباس وابن المسيب وفي روايتهما تفاصيل غيبية لم يذكرها الله عز وجل ولم يذكرها رسوله ﷺ ، وانت دائما تقول لا احتج بالامور الغيبية الا بقال الله عز وجل وقال رسوله ﷺ فقط.
قال ابو كندا : انما احتججت بمجمل مفهوم رواية ابن عباس وابن المسيب فقط وهو ان ابليس من الملائكة كما صرحا بذلك .
اما تفاصيل روايتهما في ان ابليس مِنْ أَشْرَفِ الْمَلائِكَةِ مِنْ ذَوِي الأَرْبَعَةِ الأَجْنِحَةِ ثُمَّ أُبْلِسَ بَعْدُ. او ان ابليس رئيس ملائكة سماء الدنيا، فلا اؤمن به لأنه امر غيبي لا يعلمه الا الله عز وجل ولم يخبرنا به في كتابه ولا من طريق رسوله ﷺ .
بل ان الله عز وجل نفى ذلك في قوله { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعً } فلو كان من المقربين ومن اشراف الملائكة او اسيادهم لمَ استنكف.
قال ابو كندا : اما القول الثاني الذي نصره المعتزلة قديما حتى تلاقاه اهل السنة المتأخرين، وهو قولهم ان ابليس ليس من الملائكة .
واحتجوا بروايات كثيرة اصحها ثلاث روايات فقط وهي :
عن عوف عن الحسن، قال: ما كان إبليسُ من الملائكة طرفةَ عين قطّ، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم أصل الإنس .(7)
عن قتادة، قال: كان الحسن يقول في قوله:”إلا إبليس كانَ من الجن” ألجأه إلى نسبه، فقال الله: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) [سورة الكهف: ٥٠] ، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم . (8)
وقال ابن زيد: إبليس أبو الجن، كما آدم أبو الإنس . (9)
قال ابو كندا الرواية الاولى والثانية عن الحسن وكلاهما مقاربة للصحيح ، والرواية الاولى التي رواها عنه عوف بن ابي جميلة فيها نص صريح ان الحسن يرى ان ابليس ليس من الملائكة ، ولكن الرواية الاخرى التي رواها قتادة عن الحسن ايضا، لم يصرح فيها الحسن ان ابليس ليس من الملائكة ، انما قال في قوله { كان من الجن } ان الله عز وجل الجأه الى نسبه ، وهذا ليس فيه تصريح انه ليس من الملائكة ، بل يفهم من انه من الملائكة لكن الله ذكره باسم نسبه وليس بأصله .
فإن قلتم اي الروايتين اقرب لك في الصناعة الحديثية قلت لكم رواية قتادة عن الحسن ، لان عوف ابن ابي جميلة عرف عنه مع ثقته الا انه يتفرد بالغرائب عن الحسن خاصة ، ذكر ابن سعد في الطبقات عن عوف قال: إنه ليجئ عن الحسن بشيء ما يجئ به أحد . قال : وكان يتشيع .
ولو لم يكن الا هذه الرواية لأيقنت ان الحسن قال ذلك – وتفرد بمخالفة من قبله – ، ولكن اذا روى قتادة عنه غير ذلك فالاقرب انه قال ما رواه عنه قتادة وما وافق من كان قبله ، ان ابليس من الملائكة ونسبة من الجن وهو حي او قبيلة او نوع من الملائكة يقال لهم الجن .
قال ابو كندا اما الرواية الثالثة التي روت قول ابن زيد ، ليس فيه نص صريح ان ابليس ليس من الملائكة ، والذي يفهم منه أن ابليس الان ابو الجن كما ادم ابو الانس وهذا صحيح لا غبار عليه وكل الفريقان يقولون بذلك .
قال ابو كندا لهذا ارجح ان ابليس من الملائكة .