الوسوم

, , , , , , , , , , , ,

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) }

قال أبو جعفر: أمّا قوله:”وإذ قلنا” فمعطوف على قوله:”وإذ قال ربّك للملائكة”، كأنه قال جل ذكره لليهود – الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَرِ رسول الله ﷺ من بني إسرائيل، معددًا عليهم نعَمه، ومذكِّرهم آلاءه، على نحو الذي وصفنا فيما مضى قبل-: اذكروا فعلي بكم إذ أنعمت عليكم.
فخلقت لكم ما في الأرض جميعًا، وإذ قلت للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، فكرمت أباكم آدمَ بما آتيته من عِلمي وفضْلي وكرَامتي، وإذْ أسجدت له ملائكتي فسجدوا له. ثم استثنى من جميعهم إبليس، فدلّ باستثنائه إياه منهم على أنه منهم، وأنه ممن قد أمِر بالسجود معهم . أ،هـ
قال ابو كندا : لماذا لا نقول ان الخطاب للناس اجمعهم وليس مخصصا لليهود ، وان قوله { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } خطاب للناس من باب الاقناع فبعد ان امرهم بعبادته في قوله { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وبين استحقاقه العبادة ، بين لهم ايضا انه لا يستحق المفر به فهو الذي احياهم وعزهم وشرفهم ؟!!

قال ابو حيان : وَفِي قَوْلِهِ: { قُلْنا } الْتِفَاتٌ .
وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ، إِذْ كَانَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ بِصُورَةِ الْغَائِبِ،
ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، وأتى بـ(نا ) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ وعلوّ القدر وَتَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْجَمْعِ، لِتَعَدُّدِ صِفَاتِهِ الْحَمِيدَةِ وَمَوَاهِبِهِ الْجَزِيلَةِ.
وَحِكْمَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ وَكَوْنُهُ بِـ(نُونِ ) الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ الْأَمْرُ لِلْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي غَايَةٍ مِنَ التَّعْظِيمِ،
لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَدْعَى لِامْتِثَالِ الْمَأْمُورِ فِعْلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ وَلَا تَأَوُّلٍ ، لِشَغْلِ خَاطِرِهِ بِوُرُودِ مَا صَدَرَ مِنَ الْمُعَظَّمِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ لِهَذَا، منها: { وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ } ، {وَقُلْنَا اهْبِطُوا } ، { قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً }، { وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ } ، { وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ } ، { وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا }.
فَأَنْتَ تَرَى هَذَا الْأَمْرَ وَهَذَا النَّهْيَ كَيْفَ تَقَدَّمَهُمَا الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ، لِأَنَّ الْآمِرَ اقْتَضَى الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْمَأْمُورِ، فَظَهَرَ لِلْمَأْمُورِ بِصِفَةِ الْعَظَمَةِ، وَلَا أَعْظَمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أ،هـ

قال ابو كندا : وإظهار لفظ الملائكة هنا دون الإتيان بضميرهم كما في قوله { قالُوا سُبْحانَكَ } [الْبَقَرَة: ٣٢]
دليل ان الامر بالسجود خاص بالملائكة فقط وليس لغيرهم
اظهر الله عز وجل اسم (الملائكة ) حتى لا يظن احدا ان الله عز وجل لما امر الملائكة بالسجود سجدت الملائكة ومن حضر الموقف من غير الملائكة .
فلو ان الله عز وجل اضمر ولم يذكر الملائكة فقال: وإذ قلنا لهم اسجدوا ، لقلنا لمن قال : – ان الامر بالسجود للملائكة ولمن حضر الموقف من غير الملائكة- قد يكون ذلك ، ولكن بعدما اظهر الله عز وجل اسم الملائكة ولم يضمرهم في قوله { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا } سنقول له قولك وظنك مردود عليك ، فالله عز وجل خص الملائكة بالسجود فقط لذلك اظهر اسمهم ولم يضمره.