القول في تأويل قوله تعالى ذكره: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته، بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبرِّيهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره.أ،هـ
ذكر ابن ابي حاتم في تفسيره : عن النَّضْر بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عَنْ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقَالَ: اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاشَى بِهِ مِنَ السُّوءِ. (1)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ اسْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ يَنْتَحِلُوهُ. (2)
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أنت العليم الحكيم أَيْ إِنَّمَا أَجَبْنَاكَ فِيمَا عَلَّمْتَنَا، فَأَمَّا مَا لَمْ تُعَلِّمْنَا فَإِنَّكَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا.(3)

قال الطبري : وسُبحان مصدر لا تصرُّف له .
ومعناه: نسبِّحك، كأنهم قالوا: نسبحك تسبيحًا، وننزهك تنزيهًا، ونبرّئك من أن نعلم شيئًا غير ما علمتنا.
قال السمرقندي وقال بعض أهل اللغة:
اشتقاقه من السباحة، لأن الذي يسبح يباعد ما بين طرفيه، فيكون فيه معنى التبعيد.
قال ابو كندا : ومعنى التسبيح التعظيم بالتبرأءة من العيب اوالنقص اوالخطأ على حسب حال الجملة وما اتصل بالكلمة ، فإذا قلت سبحان الله – كأنك تقول أُعظم الله وأبرأه من ان يأتيه النقص او العيب او الخطأ-
قال الله عز وجل { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)}
وقال عز وجل { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) }
وقال سبحانه وتعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68) }
وكل هذه الايات تثبت هذا المعنى

واما اذا قلت سبحانك فيختلف المعنى قليلا ، فمعناها ابرأ الى الله من الخطأ او العيب او النقص تعظيما له او مستعظما هذا الامر
او ابرأ امام الله عز وجل من هذا الفعل – خطأ او نقص او عيبا – مستعظما له
قال الله عز وجل { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ }

وقال عز وجل { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) }

وقال سبحانه وتعالى { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) }

وقال تعالى { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) }

وقال الحكيم العليم { قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا(18) }

وكل هذه الايات تثبت ان معنى سبحانك ما قلناه من قبل .
لذلك اقول ان قول الطبري ( ونبرّئك من أن نعلم شيئًا غير ما علمتنا ) لا يعجبني .
والذي يعجبني هو : ونبرأ اليك من ان نزكي انفسنا فندعي علم شيئ غير ما علمتنا .
فقول (سبحانك ) فيه اشارة بأنهم عرفوا خطأهم واعترفوا به .

قال ابو كندا : وينبغي ان يتنبه المصلين اذا دعا الامام في القنوت فأثنى على الله وحمده ، لا يقولوا سبحان الله، لأنهم اذا قالوا سبحان الله فهم ينزهون الله من الثناء والحمد وهذا لا ينبغي ، اما اذا ارادوا ان يقول شيئا بعد الثناء عليه فاليقولوا سبحانك.
فسبحانك معناه اتبرأ من العيوب والذنوب لعظمتك.

وقد قال لي شيخي عندما كنا نقرأ تفسير الطبري ، ان الشيخ صالح الفوزان نبه على عدم قول سبحان الله بعد الثناء على الله.

قال الواحدي :
قال المفسرون وأهل المعاني: هذا اعتراف من الملائكة بالعجز عن علم ما لم يعلموه فكأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا، وليس هذا مما علمتنا [في الكلام مختصرًا] .
ولو قالوا: (لا علم لنا بهذا) كان جواباً، ولكن لا يكون متضمناً تعظيم الله والاعتراف بأن جميع علمهم من عنده.

وقال الراغب :
قيل: القصد بذلك إظهار أن ليس سؤالهم على وجه الاعتراض، بل على سبيل الاستفادة وإظهار العجز، وأنه قد بدا لهم ما كان خفي عليهم من فضيلة الإنسان وإظهار الشكر لنعمته وتعظيم منته بما عرفهم
————-

1] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبولة .
2] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا مقبولة.
3] اخرجه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية اقبلها .