الوسوم

, , , , ,

القول في تأويل {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}


قوله {عرضهم }
قال ابو كندا وقد احترت كثيرا في معنى (عرض) فهي مستخدمة كثيرا في وجوه ومعاني عدة ، حتى وجدت ابن فارس تحدث عنها في كتابة مقاييس اللغة ، وسأذكر لكم هنا مختصر ماقاله حتى يتبين لكم معنى (عرض) في القران .
قال ابن فارس :
( الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ ) بِنَاءٌ تَكْثُرُ فُرُوعُهُ، وَهِيَ مَعَ كَثْرَتِهَا تَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْعَرْضُ الَّذِي يُخَالِفُ الطُّولَ.
وَمَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ وَدَقَّقَهُ عَلِمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ شَرْحًا شَافِيًا.
وَعَرَضُوهُمْ عَلَى السَّيْفِ عَرْضًا، كَأَنَّ السَّيْفَ أَخَذَ عَرْضَ الْقَوْمِ فَلَمْ يَفُتْهُ أَحَدٌ.
وَمَا عَرَضْتُ لِفُلَانٍ وَلَا تَعْرِضْ لَهُ، وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ عَرْضَكَ بِإِزَاءِ عَرْضِهِ.
وَعَرَضَ الْفَرَسُ فِي عَدْوِهِ عَرْضًا، كَأَنَّهُ يُرِي النَّاظِرَ عَرْضَهُ.
قَالُوا: إِذَا عَدَا عَارِضًا صَدْرَهُ، أَوْ مَائِلًا بِرَأْسِهِ.

وَذَكَرَ الْخَلِيلُ: أَعْرَضْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ عَرِيضًا. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: ” أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ “. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: ” أَعْرَضْتَ الْفُرْقَةَ ” وَلَعَلَّهُ أَجْوَدُ، وَذَلِكَ لِلرَّجُلِ يُقَالُ لَهُ: مَنْ تَتَّهِمُ؟ فَيَقُولُ: أَتَّهِمُ بَنِي فُلَانٍ، لِلْقَبِيلَةِ بِأَسْرِهَا. فَيُقَالُ لَهُ: أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ، أَيْ جِئْتَ بِتُهْمَةٍ عَرِيضَةٍ تَعْتَرِضُ الْقَبِيلَ بِأَسْرِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: أَعْرَضْتُ عَنْ فُلَانٍ، وَأَعْرَضْتُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَا وَلَّاهُ عَرْضَهُ.
وَالْعَارِضُ إِنَّمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ.
وَيُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الشَّيْءُ مِنْ بَعِيدٍ، فَهُوَ مُعْرِضٌ، وَذَلِكَ إِذَا ظَهَرَ لَكَ وَبَدَا.
وَالْمَعْنَى أَنَّكَ رَأَيْتَ عَرْضَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
وَأَعْرَضَتِ الْيَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ … كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا

وَتَقُولُ: عَارَضْتُ فُلَانًا فِي السَّيْرِ، إِذَا سِرْتَ حِيَالَهُ. وَعَارَضْتُهُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، إِذَا أَتَيْتَ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَتَى إِلَيْكَ. وَمِنْهُ اشْتُقَّتِ الْمُعَارَضَةُ. – وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ- ، كَأَنَّ عَرْضَ الشَّيْءِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مِثْلُ عَرْضِ الشَّيْءِ الَّذِي أَتَاهُ.
وَيُقَالُ: اعْتَرَضَ فِي الْأَمْرِ فُلَانٌ، إِذَا أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ.
وَتَعَرَّضَ لِي فُلَانٌ بِمَا أَكْرَهُ.

وَمِنَ الْبَابِ الْعِرْضُ: عِرْضُ الْإِنْسَانِ. قَالَ قَوْمٌ: هُوَ حَسَبُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَفْسُهُ. وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنَ الْبَابِ: مَعَارِيضُ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي مِعْرَضٍ غَيْرِ لَفْظِهِ الظَّاهِرِ، فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِعْرَضِ لَهُ كَمِعْرَضِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ لِبَاسُهَا الَّذِي تُعْرَضُ فِيهِ، وَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ. وَقَدْ قُلْنَا فِي قِيَاسِ الْعَرْضِ مَا كَفَى.
وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: عَرَفْتُ ذَاكَ فِي عَرُوضِ كَلَامِهِ، أَيْ فِي مَعَارِيضِ كَلَامِهِ.

وَمِنَ الْبَابِ الْعَرْضُ: الْجَيْشُ الْعَظِيمُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْعَرْضِ مِنَ السَّحَابِ، وَهُوَ مَا سَدَّ بِعَرْضِهِ الْأُفُقَ. قَالَ:
كُنَّا إِذَا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا
أَيْ جَيْشًا كَأَنَّهُ جَبَلٌ أَوْ سَحَابٌ يَسُدُّ الْأُفُقَ، وَقَالَ دُرَيْدٌ:
نَعِيَّةُ مِنْسَرٍ أَوْ عَرْضُ جَيْشٍ … تَضِيقُ بِهِ خُرُوقُ الْأَرْضِ مَجْرِ

وَمِنَ الْبَابِ: عُرْضُ الْحَائِطِ، وَعُرْضُ الْمَالِ، وَعُرْضُ النَّهْرِ، وَيُرَادُ بِهِ وَسَطُهُ. وَذَلِكَ مِنَ الْعَرْضِ أَيْضًا. وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَالْعَرَضُ مِنْ أَحْدَاثِ الدَّهْرِ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، سُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْتَرِضُ، أَيْ يَأْخُذُهُ فِيمَا عَرَضَ مِنْ جَسَدِهِ.
وَالْعَرَضُ: طَمَعُ الدُّنْيَا، قَلِيلًا [كَانَ] أَوْ كَثِيرًا. وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُعْرِضُ، أَيْ يُرِيكَ عُرْضَهُ. وَقَالَ:
مَنْ كَانَ يَرْجُو بَقَاءً لَا نَفَادَ لَهُ … فَلَا يَكُنْ عَرَضُ الدُّنْيَا لَهُ شَجَنَا
وَقَالَ الْخَلِيلُ: فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ: لَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِيهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ عُرْضَهُ.
وَالْمِعْرَاضُ: سَهْمٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ دِقَاقٍ، وَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ.
قَالَ اللَّهُ – تَعَالَى: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤] . وَالْعَارِضُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مَا يَسْتَقْبِلُكَ، كَالْعَارِضِ مِنَ السَّحَابِ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَارِضُ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْرِضُ فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَشِيِّ ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ حَبَا وَاسْتَوَى. وَيُقَالُ لَهُ: الْعَانُّ بِالتَّشْدِيدِ.
وَمِنَ الْمُشْتَقِّ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: مَرَّ بِي عَارِضٌ مِنْ جَرَادٍ، إِذَا مَلَأَ الْأُفُقَ.


القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}

قال أبو جعفر: وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله:”ثم عَرضَهم على الملائكة” نحو اختلافهم في قوله:”وعلم آدمَ الأسماء كلها”.
قال ابن زيد: أسماء ذريته كلِّها، أخذهم من ظَهره. قال: ثم عرضهم على الملائكة .[١]

وعَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: «عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ , هَذَا بَحْرٌ , وَهَذَا جَبَلٌ , وَهَذَا كَذَا , وَهَذَا كَذَا , لِكُلِّ شَيْءٍ , ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ» فَقَالَ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١] [٢]

عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَُ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا آدَمَ. [٣]

عن الحسن قال : علّمه اسم كل شيء: هذه الخيلَ، وهذه البغال، وما أشبه ذلك. وجعل يُسمي كل شيء باسمه، وعُرضت عليه أمة أمة . [٤]

وعن السُّدِّيِّ قال : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْقَ على الملائكة. [٥]

وقال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أولى بالآية، على قراءتنا ورَسم مُصْحفنا، وأن قوله: ” ثم عَرَضهم ” ، بالدلالة على بني آدم والملائكة، أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها، وإن كان غيرَ فاسد أن يكون دالا على جميع أصناف الأمم، للعلل التي وصفنا.
قال ابو كندا : يتبين لنا من الروايات ان المفسرين اختلفوا على قولين وهما عرض كل شي او عرض ذريته على الملائكة، وزاد الطبري قول وهو عرض الملائكة والذرية .
ووجدت قول ثالث اشار له بعض المفسرين ولكنهم لم يصرحوا به وهو:
ان الملائكة المخاطبين الذين قالوا { اتجعل فيها من يفسد …} بعد ان خاطبهم الله بقول { اني جاعل …} هم الذين عُرضوا على الملائكة فقال لهم انبأوني بأسماء هؤلاء الملائكة الذين هم منكم ولكثرتهم لا تعلمون من هم.

قال ابو كندا وهذا القول يعجبني ، والقرينة هي الهاء والميم في قوله { عرضهم } فهي عائدة على الملائكة الذين قالوا { اتجعل فيها } فالحديث عنهم ليبين الله عز وجل لماذا اختار ادم عليهم في خلافة الارض .

وأيضا هناك قرينة اخرى وهي {ثم} تدل على التراخي وان هذا موقف غير موقف تعليم الاسماء ،
قال ابو حيان في تفسيره { ثُمَّ عَرَضَهُمْ }: (ثُمَّ) حَرْفُ تَرَاخٍ، وَمَهَلَةٍ، عَلَّمَ آدَمَ ثُمَّ أَمْهَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ قَالَ: { أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ } لِيَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْمَعْلُومُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَمَّا تَحَقَّقَ بِهِ وَاسْتَيْقَنَهُ.
وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّعْقِيبِ دُونَ مُهْلَةٍ أَنْبِئُونِي، فَلَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمُ لَهُمْ تَعْرِيفٌ لَمْ يُخْبِرُوا، وَلَمَّا تَقَدَّمَ لِآدَمَ التَّعْلِيمَ أَجَابَ وَأَخْبَرَ وَنَطَقَ إِظْهَارًا لِعِنَايَتِهِ السَّابِقَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ.أ،هـ
وايضا اسم الاشارة {هَٰؤُلَاءِ } لا تقال الا لعاقل او على انه عاقل .
وكما قال ابن جرير سابقا واعيده مرة اخرى “ولا تكادُ العرب تكني بـ(الهاء والميم) إلا عن أسماء بني آدم والملائكة.
وقال ابن عطية : وقوله تعالى: {هؤُلاءِ} ظاهره حضور أشخاص، وذلك عند العرض على الملائكة.
قال ابو كندا وهؤلاء الاشخاص هم الملائكة لأن ذرية بني ادم من الطبيعي ان الملائكة لا يعلمون اسمائهم لأنهم خلق جديد ولا يعلم هل رأوا الملائكة ذرية ادم كلها ام لا،
اما الملائكة فهم من جنسهم ومن الطبيعي ان يعرفوا بعض اسماءهم ، فكان الاختبار والابتلاء فيهم .
وايضا كلهم متفقون على الملائكة ومختلفون في غيرها ، فلماذا لا نأخذ ما اتفقوا عليه.


قال الطبري : وقد ذُكر أنها في حرف ابن مسعود: ” ثم عَرضهن ” ، وأنها في حرف أبَيّ: ” ثم عَرضَها “.
قال ابو كندا وقد بين الطبري ان هذه القراءات ضعيفة لأنها تخالف رسم المصحف وقد ايده المفسرون على ذلك.
————-
[١] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[٢] قال ابوكندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية صحيحة
[٣] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة
[٤] قال ابو كندا اخرجه الطبري والرواية مقبولة
[٥] قال ابو كندا اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة