الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
قوله { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
قال ابو كندا الواو هنا واو الحال أي : وحالنا نحن ، نسبح بحمدك ونقدس لك فنحن اصلح للارض.
قال الطبري : وأصلُ التسبيح لله عند العرب: التنزيهُ له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك، كما قال أعشى بني ثعلبة:
أَقُولُ -لمَّا جَاءَنِي فَخْرُه-: … سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
يريد: سُبحان الله من فَخر علقمة، أي تنزيهًا لله مما أتى علقمة من الافتخار، على وجه النكير منه لذلك.أ،هـ
قال ابو كندا يتضح من هذا القول واقوال اخرى ان معنى التسبيح : هو تنزيه وتبرئه مع تعظيم
وقال الواحدي : قال: وأصل التسبيح في اللغة، التبعيد من قولك: سبحت في الأرض، إذا تباعدت فيها، ومن هذا قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠]
وقال الطبري أما قوله:”ونحن نسبِّح بحمدك” فإنه يعني: إنا نعظِّمك بالحمد لك والشكر، كما قال جل ثناؤه: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [سورة النصر: ٣] ، وكما قال: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) .أ،هـ
وعن أبي ذر، أن رسول الله ﷺ سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ” ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده ” [١]
وذكر الرازي : قَوْلُهُ: بِحَمْدِكَ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِحَمْدِكَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
أَيْ نُسَبِّحُ لَكَ ، حَامِدِينَ لَكَ ، وَمُتَلَبِّسِينَ بِحَمْدِكَ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى ففيه وجهان: الأول: أنا إذا سبحانك فَنَحْمَدُكَ سُبْحَانَكَ يَعْنِي لَيْسَ تَسْبِيحُنَا تَسْبِيحًا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ بَلْ تَسْتَحِقُّ بِحَمْدِكَ وَجَلَالِكَ هَذَا التَّسْبِيحَ .
الثَّانِي: أَنَّا نُسَبِّحُكَ بِحَمْدِكَ فَإِنَّهُ لَوْلَا إِنْعَامُكَ عَلَيْنَا بِالتَّوْفِيقِ لَمْ نَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ
قال ابو كندا : قوله { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } اي نحن نشكرك ونحمدك على نعمك علينا ونبرئك وننزهك عن النقص والخطأ فلم نرى منك الا خيرا ونعمة .
{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}
وقال ابو كندا : فإذا قال المصلي في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الاعلى ، فكأنه يقول ابرئ ربي الذي رزقني واصلحني ورباني من العيوب والاخطأ والنقص ، فالنقص مني والزلل مني والخطأ مني وليس من ربي عز وجل .
————-
[١] صحيح مسلم