الوسوم

, , ,

فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

عَنْ أَبِي مالك: قوله: وإذ فقد كان. [١]

قال مكي بن ابي طالب المتـوفي 437 ؛
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } معناه: واذكر يا محمد إذ قال ربك.أ،هـ

قال ابو كندا :اي واذكر يا محمد لقومك نعمه الله عز وجل عليهم عندما جعلهم خلفاء في الارض وامر الملائكة بالسجود .

قال الطبري
إنّ الله جل ثناؤه خاطب الذين خاطبهم بقوله:(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ)، بهذه الآيات والتي بعدها،
مُوَبِّخهم مقبحًا إليهم سوءَ فعالهم ومقامهم على ضلالهم، مع النعم التي أنعمها عليهم وعلى أسلافهم؛ ومذكِّرَهم بأسَه، أن يسلكوا سبيل من هلك من أسلافهم في معصيته ، فيسلك بهم سبيلهم في عقوبته;
ومعرِّفهم ما كان منه من تعطّفه على التائب منهم استعتابًا منه لهم.
فكان مما عدّد من نعمه عليهم أنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا, وسخّر لهم ما في السموات من شمسها وقمرها ونجومها، وغير ذلك من منافعها التي جعلها لهم ولسائر بني آدم. فكان في قوله تعالى: ذكره(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، معنى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم, إذ خلقتكم ولم تكونوا شيئًا, وخلقت لكم ما في الأرض جميعًا, وسويت لكم ما في السماء. ثم عطف بقوله: ” وإذ قال رَبُّك للملائكة ” على المعنى المقتضَى بقوله:(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ)، إذ كان مقتضيًا ما وصفتُ من قوله: اذكروا نعمتي إذ فعلت بكم وفعلتُ, واذكروا فعلي بأبيكم آدم إذ قلتُ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً .

قال ابو كندا : اي ان هذه الاية متصلة بما قبلها من الخطاب
الذي ابتدأه بقوله { كيف تكفرون …}
وهذا الخطاب هو خطاب توبيخي ابتدأه باستفهام استنكاري { كيف تكفرون بالله } يستنكر كفرهم وجحودهم
وحتى يبين لهم قبح كفرهم وجحودهم عدد عليهم نعمه ليعلموا حقارة فعلهم وانهم لا شيء من دون نعم الله عز وجل .
فقال {كيف تكفرون بالله } استفهام استنكاري
{وكنتم اموات فأحياكم } نعمة الخلق فقد كنتم لا شيء ثم تفضل عليكم واحياكم .
{ثم يميتكم ثم يحيكم } اي وبعد احيائكم لا تستطيعون ان تتحكموا وتتصرفوا في اساس حياتكم، فأنتم لا شيء .
ما اشد هذا الخطاب على النفس – خطاب يخبرك بالأدلة انك لا شيء وانت كنت تعتقد انك أفضل شيء –
ثم اذا سمعت قوله { ثم إليه ترجعون } يسقط في يدها ، فلا مفر ولا مهرب .
وبعد ان اخبرهم انهم لا شيء ، ذكر لهم كيف انعم عليهم وجعلهم من افضل الكائنات فقال { هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا } فهذه نعمة هيئتكم لتكونوا من افضل الكائنات.
ثم شرع في ذكر النعمة الثانية فقال { واذا قال ربك اني جاعل في الارض خليفة } .
اتمنى اني وضحت لكم اتصال الاية بما قبلها .

قال ابو كندا : فإذا عرفنا صلة هذه الاية بما قبلها ، يتبين لنا أن خلافة ادم في الارض وانزاله الى الارض تشريفا له وليس عقوبة عليه .
وبهذا يفهم رد ادم على موسى فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” حَاجَّ آدَمُ مُوسَى،
فَقَالَ : يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ ” ؟
قَالَ : ” فَقَالَ لَهُ آدَمُ : أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ – أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ – قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ؟
” قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى “. [٢]
وعَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، آدَمُ لِلسَّمَاءِ خُلِقَ أَمِ الأَرْضِ؟ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً؟ لا بَلْ لِلأَرْضِ خُلِقَ. [٣]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يُسْكِنَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خليفة . [٤] قال مكي : يريد – ابن عباس – أن الله قدَّر ذلك وعلمه وشاءه قبل أن يخلق آدم.

فإذا فهم هذا كله ، عُلم خطأ من يحتج بالقضاء في فعل المعصية بحديث (حاجَّ ادم موسى) .

____________

[١] اخرجه ابن ابي حاتم والرواية مقبولة . معتمد
[٢] قال ابو كندا رواه احمد والحديث حجة
[٣] رواه ابن ابي حاتم ، قال ابو كندا الرواية مقبوله.
[٤] رواه ابن ابي حاتم قال ابو كندا اقبل الروايه هذه في التفسير