-8-
قال ابو كندا :
ادرك المحدثون منذ النصف الثاني من القرن الثاني ان ضعفاء النفوس من النساخ وغيرهم شرعوا في ابتداع الاحاديث والاسانيد التي تقوي رواية الضعفاء في الحديث لحظوظ النفس وغيرها.
عند ذلك اخرج المحدثون كتبهم الخاصة بكتابة الاحاديث التي تلقوها بأسانيدها صدرا وسطرا بغض النظر عن حال الراوي ثقة او ضعيف- المهم انها حفظت عنه صدرا وسطرا-، ونشروها الى العامة.
مثل الزهد والرقائق لابن المبارك والاثار لابي يوسف ومسند الشافعي ومصنف عبدالرزاق ومسند الحميدي وسنن سعيد بن منصور والفتن لنعيم بن حماد ومصنف ابن ابي شيبة ومسند اسحاق بن راهويه ومسند احمد وفضائل الصحابة لاحمد بن حنبل والمنتخب من مسند عبد بن حميد وكتاب الاموال لابن زنجوية وسنن الدارمي والادب المفرد وخلق افعال العباد ، وصحيح مسلم ، وكلها حفظت صدرا وسطرا الى وقتهم الا ما نص عليه انه لم يحفظ صدرا فلم يتلقوه مشافهه.
اما موطأ مالك فزاد عليهم بتحري الثقة ، وزاد البخاري عليه بعدم قبول الروايات المرسلة
ولو عددت روايات هذه الكتب التي ذكرتها ستجدها مائة وخمسة وعشرون الف حديث بالمكرر تقريبا .
فإذا تبين لك هذا ، فاعلم انه لم يُحفظ -يقينا -الى عامنا هذا صدرا وسطرا من هذه الكتب التي ذكرتها إلا خمسة كتب وهي موطأ مالك ومسند احمد وسنن الدارمي وصحيح البخاري وصحيح مسلم ،
لذلك لا يستطيع احد ان يُعدل فيها او يحرفها الى وقتنا هذا ،
ثم اعلم ان الكتب التي بعد كتاب مسلم تراخت في حفظ الصدر واهتمت بحفظ السطر فكثر النساخ والاكتفاء بإرسال الكتب ، بدلامن الرحلة لطلب العلم .
لذلك تجد الكتب التي بعد مسلم إلى سنن النسائي رواياتها نفس الروايات التي في الكتب السابقة ، ولم يتفردوا من الروايات الا النادر كحديث ” كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ ” .
الذي رواه ابي داود والنسائي
وفي رأيي الشخصي اتقبل تفردات ابي داواد ولا اقبلها من النسائي
اما الكتب التي بعد سنن النسائي فهي لم تحفظ سطرا ولا صدرا ، فتجدها تخالف كثيرا الروايات المتقدمة سندا ومتنا .
فإن قلتم كيف نتعامل مع روايات سنن الترمذي وابو داود وابن ماجة والنسائي.
بلا شك ان هذه الكتب الاربعة حفظت منذ كتابتها الى الان صدرا وسطرا ،
فـ97% من رواياتها هي في الكتب التي ذكرناها من قبل كموطأ مالك واحمد ومصنف ابن ابي شيبة .
فهي إذن، توثق الكتب التي كتبها شيوخهم وشيوخ شيوخهم ممن لم تحفظ رواياته الا سطرا ، فأي رواية نجدها في كتبهم ولم يرويها الا مصنف ابن ابي شيبة او مصنف عبد الرزاق ، فتعتبر هذه الرواية محفوظة سطرا وصدرا
وأما الباقي من كتب الحديث بعد عهد النسائي فلم تحفظ صدرا ولا سطرا فبإمكان النساخ منذ زمن ان يزيدوا فيها او ينقص منها او يعدلوا فيها بحسب حظوظهم .
كمشكل الاثار والطبراني والبيهقي وغيرهم .
فلو اخذتنا الحمية لأحاديث الرسول ﷺ مثل مافعل الصحابة مع ايات الله ، وطبقنا هذه الشروط لأخرجنا احدى عشر الف رواية عن الرسول ﷺ تزيد او تنقص من غير التكرار وكلها من الذكر الذي حفظه الله عز وجل لنا وهيئنا لجمعه.
اعلم انكم ستستقلون ذلك بالنسبة للأحاديث المكتوبة الان ، لكن اعلم ايضا انكم اذا علمتم ان عدد ايات القران ستة الاف ومائتين وستة وثلاثون اية تقريبا لن تستقلوا هذا العدد من الاحاديث.
وفي الختام ، ذكرت هذه الشروط وهذا المنهج الذي سأعمل عليه في دراسة مسند احمد ، لأني اعلم ضعفي فقد تغيرني هذه الحياة او يسبقني الموت قبل الفراغ منه ، فلعل الذي بعدي يمضي في منهجي.
او لعل احدا من الرجال يعرض هذا المنهج على هذه الدولة الرشيدة السباقة للخير كما هو مشهود لها وتحمل هذا الثقل عني او تعينني لإخراج هذا الكتاب ، فيكون بإذن الله من اصح الكتب بعد كتاب الله .