-1-

الحمدلله ربنا الرحمن الرحيم القائل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) }

فلولا ربنا ما حُفظت هذه النعمة لنا ،

فـ(الذكر) نعمة لم نشعر بها ، لأننا لم نفقدها ،

ولو افتقدناها كما افتقدها أبناء أمة إسماعيل لقلنا كما قالوا : { وَإِن كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) }

قال ابن جرير : كان هؤلاء المشركين من قريش يقولون قبل ان يبعث محمد ﷺ نبيا { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ (168) } يعني كتاب أنزل من السماء كالتوراة والانجيل ، او نبيا أتانا مثل الذي أتى اليهود والنصارى { لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) } الذين أخلصهم لعبادته ، واصطفاهم لجنته .

وعن السدي في قوله { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ }

قال : هؤلاء ناس من مشركي العرب قالوا : لو أن عندنا كتابا من كتب الأولين ، أو جاءنا علم من علم الأولين.

وبنو اسماعيل يا كرام منَّ الله عليهم فخلقهم على الصدق في القول والوعد وعلى حفظ العهد ، فقل ما تجد أحدا يكذب في القول أو يخلف الوعد .

وهم نقيض بني اسرائيل .

لذلك لم يرسل الله عز وجل فيهم بعد إسماعيل نبيا إلا محمد ﷺ .

ومضت الاف السنين منذ أن بعث الله لهم إسماعيل وهم ملتزمون بقولهم ووعدهم وعهدهم لنبيهم إسماعيل وابيه إبراهيم ، يتناقلونه كابرا عن كابر ، محفور في صدورهم وليس في سطورهم لأنهم أمة أمية .

وقبل مبعث رسولنا بثلاث مائة سنة ذهب سيد اهل مكة وكان من خزاعة – وليس من من قريش بني إسماعيل – إلى الشام يتطبب فخالط الكنعانيين والروم ، فأعجب بأصنامهم وفادخلها مكة فبدل دين بني اسماعيل .

وبعد ما استردت قريش سيادتها على مكة ، رأت ان دين نبيها تبدل ، فتمنت لو كان عندها ذكر مكتوب فيه تعاليم نبيهم وأخباره .

فعن أبي هلال أنه بلغه أن قريشا كانت تقول : أن الله بعث منا نبيا ماكانت أمة من الأمم أطوع لخالقها ولا أسمع لنبيها ولا أشد تمسكا بكتابها منا ، فأنزل الله : { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ } { لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ} { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ} (١)

لذلك خص الله عز وجل العرب بخاتم النبيين وانزل إليهم الذكر حتى لا يكونوا أمة أمية ، ليتذكروا اوامر ربهم التي ارسل بها نبيه ، حتى لا يأتي شخص اخر ويبدل دينهم .

فحفظ الذكر نعمة من ربنا ، منَّ الله بها علينا ، لتكون سببا في اصلاح انفسنا ، ومرجعنا الحكم بيننا عند اختلافنا ، وتذكيرا لنا بشريعة ربنا ،

فالحمدلله ربنا الرحمن الرحيم القائل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) }

————-

١- عزاه السيوطي إلى تفسر ابن أبي حاتم.