-3-

قال ابوكِندا :

فإن قلتم هل القرآن ذكر ؟

أقول نعم ، القران ذكر ، ولكن ليس كل الذكر ، إنما هو جزء من الذكر .

قال الله تعالى { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ (5) }

وهذا نص صريح من الله عز وجل أن القران في أم الكتاب الذي هو الذكر .

-وفي قوله جعلناه قرآنا عربيا ، فيه اشارة أن لغة السماء ليست محصورة باللغة العربية فقط -.

ثم ان الله عز وجل قال {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) }

وهذا ايضا دليل صريح على أن القران له صفة الذكر ولكنه ليس خاصا بالذكر فقط .

وايضا هناك دليل اخر وهو ان العرب تستخدم كلمة (الذكر) قبل ان ينزل القران فلا تخُص الذكر بالقران فقط ، قال الله عز وجل { وَإِن كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) }

وقال سبحانه { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) }

قال صاحب كتاب جامع البيان في تأويل القران قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) يقول لمشركي قريش: وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الأمم رجال من بني آدم مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقلتم: هم ملائكة: أي ظننتم أن الله كلمهم قبلا فاسألوا أهل الذكر ، وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنـزلها على عباده.

عن مجاهد {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ } قال اهل التوراة (١)

عن سفيان قال سألت الأعمش عن قوله { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ } سمعنا انه من أسلم من اهل التوراة والانجيل (٢)

عن مجاهد قوله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} قال هم أهل الكتاب . (٣)

عن ابن عباس { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} قال لمشركي قريش إن محمدا في التوراة والإنجيل (٤) .أ،هـ

وهذه الآية دالة على أن علماء بني إسرائيل كانوا من أهل الذكر ، و(الذكر) هو ما أوحى الله عز وجل على أنبيائهم من الكتب والأوامر والأخبار .

لذلك قال عن قوم صالح { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) }

و قال عز وجل { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) }

وهنا أكد الله عز وجل على أن ما اوحى على رسولنا الكريم لا يخرج عن الذكر ، فإما أن يكون ذكرا أو قرآنا .

وقد سمى الرسول ﷺ الخطبة ذكر ، لأن فيها كلام الله عز وجل وقول رسوله ﷺ .

فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنك ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر . البخاري

قال ابو كندا وهذا دليل على ان الخطبة لا بد أن يكون فيها قول الله عز وجل وقول رسوله ﷺ .

وأيضا عن جابر أن النبي ﷺ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة – أو نخلة – فقالت امرأة من الأنصار – أو رجل – : يارسول الله، ألا نجعل لك منبرا ؟ قال ” إن شئتم “.

فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل النبي ﷺ فضمه إليه ، تئن أنين الصبي الذي يسكن . قال كانت تبكي على ماكانت تسمع من الذكر عندها . البخاري

وهنا سمى الخطبة بالذكر .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ “إن لله ملائكة يطوفون في الطرق ، يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ، تنادوا هلموا إلى حاجتكم ” قال : ” فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ” البخاري

وعن حنظلة قال : كنا عند رسول الله ﷺ فوعظنا ، فذكر النار ، قال : ثم جئت الى البيت فضاحكت الصبيان ، ولا عبت المرأك ، قال : فخرجت فلقيت أبا بكر، فذكرت ذلك له ، فقال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكر .

فلقينا رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله ، نافق حنظلة .

فقال : “مه؟” فحدثت بالحديث ، فقال ابو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل .

فقال : “ياحنظلة ، ساعة وساعة ، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر : لصافحتكم الملائكة ، حتى تسلم عليكم في الطريق ” مسلم

ولو تأملت هذا الحديث لو جدت أن الرسول ﷺ سمى وعظه الذكر فـ(الذكر ) يا سادة في السماء وهو أم الكتاب ، والذكر في الدنيا ما انزل منه على رسله وأنبيائه عليهم السلام .

فالذكر كل ما اوحي على الرسول من قران او حديث قدسي او ما نطق به.

————

(١) قال ابو كندا الرواية لا اقبلها.

(٢) قال ابو كندا الرواية مقبولة عندي.

(٣) قال ابو كندا الرواية لا اقبلها .

(٤) قال ابو كندا الرواية مقبولة عندي