بين الخوف والرجاء

بودي ان احدثكم بحديث الرسول ﷺ في الرجاء ورحمة الله عز وجل ، وما يمنعني ان احدثكم الا خشية ردة فعل الناس ، فكثير من الناس من ينتمي الى فريقين إما فريق طبعه الغلو وإما فريق طبعه الانحلال .

اما فريق الغلو فتجده يعشق خطاب التخويف في كل شي ، حتى يصاب من يسمعهم بالوسوسة ، والنكد في حياتهم وحياة من حولهم ، فإذا قلت ان الله غفور رحيم ، قالوا إن الله شديد العقاب ، فإذا قلت الصلاة الى الصلاة تكفر الذنوب ، الا الكبائر، قالو لا تجزم ان الله قد غفر لك ، فإن قلت ولما لا اجزم !!!وقد وعدني الرحمن انه سيغفر لي فـ { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا }

فحتما سيقولون الم تسأل عائشة رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ أية : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ }

فقَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمُ الذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : ” لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } “. رواه احمد والترمذي.

عندها سنقول لهم هذا الحديث ضعيف لانقطاعه.

ثم لو قرأتم الاية كاملة وهي { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }

لعلمتم ان قلوبهم وجلة من الوقوف بين يدي الله .

وهذا عمل الرسول ﷺ كما قال انس كان الرسول ﷺ يكثر من قوله ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ “.

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : ” نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ “. البخاري

وهكذا يكون الرجاء والخوف للمسلم كجناحي طائر.

قال ابو كندا اتمنى تقرأون تفسير الطبري لهذه الاية فستجدون بغيتكم.

واما الفريق الاخر ، فريق الانحلال ، فتجده يعشق خطاب الرجاء في دينه، حتى ينحل من دينه ويخرج عن الاسلام ، اما ملحدا او كافرا ، فإن خوفته بالله وذكرته بالصلاة حتى يغفر له الرحمن ذنوبه ، يقول من قال لا إله الا الله دخل الجنة ، اما علم المسكين ان المنافقين قالوا لا إله الا الله ومع ذلك هم في الدرك الاسفل من النار وضمهم الله في خطابه مع المشركين والكفار!!!

الا يعلم قول الرسول ﷺ الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ “. <قال ابو كندا الحديث حجة وهو اقوى اسناد من اي رواية اخرى>

فهذا الخطاب ليس للكفار ولا المشركين ولا اهل الكتاب ، لأن هؤلاء العهد الذي بيننا وبينهم قول :لا اله الا الله ، لقول الرسول ﷺ ” أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ” . رواه مسلم

فهذا الخطاب ” العهد الذي بيننا وبينهم ” موجه للمنافقين الذين قالوا لا اله الله ولم يصلوا.

فهم معصومين النفس والاموال والدماء في الدنيا، ومآلهم في الاخرة الدرك الاسفل من النار .

نعود الى الحديث الذي ترددت عدة مرات ان اطرحه ، وعذري في ذلك ان الرسول ﷺ تردد في طرحه، فعن عثمان : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ انْصِرَافِنَا مِنْ صَلَاتِنَا هَذِهِ، قَالَ مِسْعَرٌ : أُرَاهَا الْعَصْرَ، فَقَالَ : ” مَا أَدْرِي أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ، أَوْ أَسْكُتُ ؟ ” فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا “.البخاري

قال ابو كندا يؤخذ من هذا الحديث ان هذه المعلومة خير لنا ، لأن الصحابة اشترطوا ان تكون خيرا حتى يخبرهم بها .

ومع ذلك تردد عثمان بن عفان في طرحها للناس مع انه

الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين .

لذلك عذرت نفسي في ترددها، فلما رأيت انه ذكرها للناس ، عزمت على نفسي ان تذكرها مع اخذ التعهد عليها ان لاتكون هذه المعلومة ديدنها في كل محفل وكل مجلس ، لأن تردد الرسول ﷺ وتردد عثمان يدل على التقليل من ذكر هذه المعلومة.

فعَنْ حُمْرَانَ – مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ – أَنَّ عثمانَ بن عفانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ :

” مَا مِنِ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، حَتَّى يُصَلِّيَهَا “.

قَالَ يَحْيَى : قَالَ مَالِكٌ : أُرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } رواه مالك. < قال ابو كندا الحديث صحيح وهو اقرب حديث للرسول ﷺ >

اتعرفون قصة هذه الاية؟!!!

اذكرها لكم فاذكرى تنفع المؤمنين .

فعن أبي أمامة حَدَّثَنِي ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أصبت حدا ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ قَامَ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَقَالَ : ” هَلْ تَوَضَّأْتَ حِينَ أَقْبَلْتَ ؟ “. قَالَ : نَعَمْ. فَقَالَ : ” هَلْ صَلَّيْتَ مَعَنَا حِينَ صَلَّيْنَا ؟ “. قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : ” اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْكَ “. < قال ابو كندا الحديث حجة>

وهذ الحديث بين لنا خاصية خصها الله عز وجل لمن توضئ وصلى المكتوبات مع الامام ان يغفر له مابين الصلاتين ، كما في حديث ابي هريرة عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ “. مسلم< قال ابو كندا الحديثة حجة وهذه الرواية اثبت رواية من ناحية الاسناد >

وأهل هذه الخاصية لابد ان يتوفر فيها شرطان ، ذكرهما الرسول ﷺ جميعا كما في حديث أبي أمامة

وفي هذا الحديث ، وضع رسول ﷺ شرطين حتى تغفر ذنوبك وتكون ممن انطبقت عليهم الاية ، والحديث.

الشرط الاول : الوضوء قبل الصلاة، فلو كنت توضأت لصلاة المغرب وبقيت على طهارتك حتى حضرة صلاة العشاء ولم تتوضئ لا تدخل ضمن اهل هذه الخاصية ، فلابد من شرط الوضوء قبل الصلاة التي تريد ان يغفر لك الله فيها.

والشرط الاخر : الصلاة مع الامام ، فلو كنت تتوضئ لكل صلاة لكنك لا تصليها مع الامام فلا تدخل في هذه الخاصية التي خصها الله عز وجل لمن توضأ وصلى مع الامام.

والشاهد قول الرسول ﷺ ” هَلْ صَلَّيْتَ مَعَنَا حِينَ صَلَّيْنَا “

فإن قلتم هل يغفر الله عز وجل كل الذنوب؟!!!!

اقول لكم نعم يغفر كل الذنوب من اللمم والفواحش ، إلا الكبائر فلا يغفرها ، لقول الله عز وجل { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا(31)}

فالكبائر لا يغفرها الله عز وجل الا بالتوبة والاقلاع عنها .

———-

كتبه

ماجد بن محمد العريفي