قال ابو كندا :

ذكرت اختلافات المفسرين واللغويين المعتبرين في كلمة ( استوى )

لأبين ان كلمة استوى تتغير بتغير موقعها في الجملة .

وبعد سبر الكلمة واستخدامها في القران وكلام الرسول ﷺ وكلام اصحابه تبين لي أن مادة ( سوى ) السين والواو والياء تدل على اي فعل فيه التصيير او التعديل بما يناسب ماقصده الفاعل.

وحتى اثبت كلامي اذكر لكم الامثله ، وقبل ان اذكر الامثلة ، ينبغي أن نعلم أن العرب تأخذ الكلام على ظاهره الا ان تأتي قرينة تصرفه عن ذلك .

قوله تعالى ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)

في هذه الاية كلمتين تحمل مادة (س،و،ي ) وهي ( استوى ) و (سواهن )

فجملة ( ثم استوى الى السماء ) تدل ان الله عز وجل فعل فعل ( إما قصد او عمد او اقبل ) إلى السماء .

أما لماذا حددت هذه الافعال ؟

فالجواب ان حرف (إلى ) يدل على ذلك ، ونحن ناخذ بظاهر المعنى الذي يتضمنه ما عدي بـ( إلى )، ولا نصرفها الى حرف ( على ) الا بقرينة تدعونا الى صرفها وليس هناك قرينة تدل على استحالة ماذكرناه من المعنى حتى نبحث عن معنى اخر فنصرفها الى مايتضمنه معنى ما عدي بـ(على )

وهذا ما قاله ابن قتيبة تـ( ٢٧٦هـ) في كتابه غريب القران : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} عَمَدَ لها .

وهذا ما رجحه الثعلبي تـ(٤٢٧هـ) والزمخشري تـ(٥٣٨هـ)وابن كثير تـ(٧٧٤هـ) وابن عثيمين تـ(١٤٢١هـ)

قال الثعلبي : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي قصد وعمد .أ،هـ

قال ابن كثير أَيْ: قَصَدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَالِاسْتِوَاءُ هَاهُنَا تَضَمَّن مَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِقْبَالِ؛ لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِـ( إِلَى ) .أ،هـ

قال ابن عثيمين : فللعلماء في تفسير {استوى إلى} قولان: الأول: أن الاستواء هنا بمعنى القصد؛ وإذا كان القصد تاماً قيل: استوى؛ لأن الاستواء كله يدل على الكمال، كما قال تعالى: {ولما بلغ أشده واستوى} [القصص: ١٤] أي كمل؛ فمن نظر إلى أن هذا الفعل عُدّي بـ {إلى} قال: إن {استوى} هنا ضُمِّن معنى قصد؛ ومن نظر إلى أن الاستواء لا يكون إلا في علوّ جعل {إلى} بمعنى “على”؛ لكن هذا ضعيف؛ لأن الله تعالى لم يستوِ على السماء أبداً؛ وإنما استوى على العرش؛

فالصواب ما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله وهو أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، والإرادة الجازمة؛ أ،هـ

واما كيف هذا الاستواء فالجواب الله اعلم { وما يعلم تأويله الا الله }

وذكر ابن قدامة تـ(٦٢٠هـ) في كتابة إثبات صفة العلو بسنده الى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قَالَتْ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالإِقْرَارُ بِهِ إِيَمَانٌ، وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ

روى اللالكائي تـ( ٤١٨هـ) بسنده الى ابن عيينه قَالَ: سُئِلَ رَبِيعَةُ عَنْ قَوْلِهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: «الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُوَلٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ , وَمِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ , وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ»

وروى ابن المقرئ تـ(٣٨١هـ) في كتابه معجم ابن المقرئ بسنده الى زَكَرِيَّا بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْحَاجِّ عَنْ مَسْأَلَةِ الشَّامِيِّينَ، مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: ” نَعَمْ، كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٍ إِذِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِيِّينَ فَأَذِنَ لَهُ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: اشْفِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، شَفَاكَ اللَّهُ قَالَ: وَمَا وَرَائِكَ؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كَيْفَ اسْتَوَى قَالَ: فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «الِاسْتُوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، قُمْ عَنِّي، لَا أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَيْكَ، فَمَا أَرَاكَ إِلَّا ضَالًّا»

قال الإمام ابن تيمية تـ(٧٢٨هـ) معلقاً على قول مالك: وكلام مالك صريح في إثبات الإستواء، وأنه معلوم، وأن له كيفية، لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن، ولهذا بَدّع السائل الذي سأله عن هذه الكيفية، فإن السؤال إنما يكون عن أمر معلوم لنا، ونحن لا نعلم استواءه، وليس كل ما كان معلوماً وله كيفية تكون تلك الكيفية معلومة لنا. مجموع الفتاوى

قال الذهبي تـ(٧٤٨هـ) في كتابه ( العلو )عن قول مالك : فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم على ما يليق بالله لما قال: (الكيف مجهول) ، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى.

والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما بل هو مجهول ، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية؛ لأنه أثبت الصفة وأراد بقوله الاستواء معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن فعلى هذا يكون معلوماً في القرآن.

وقال الشعراوي تـ( ١٤١٩هـ) :

حينما يقول الله جل جلاله. استوى. . يجب أن نفهم كل شيء متعلق بذات الله على أنه سبحانه ليس كمثله شيء. فالله استوى والملوك تستوي على عروشها. وأنت تستوي على كرسيك. ولكن لأننا محكومون بقضية «ليس كمثله شيء» لابد أن نعرف أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.

والله حي. وأنت حي. هل حياتك كحياته؟

والله سبحانه وتعالى يعلم وأنت تعلم. هل علمك كعلمه؟

والله سبحانه وتعالى يقدر. وأنت تقدر. هل قدرتك كقدرته؟

طبعا لا.

ولا يمكن أن تحيط أنت بعقلك بفعل يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى. فعقلك قاصر عن أن يدرك ذلك. لذلك قل سبحان الله. ليس كمثله شيء في كل فعل يتصل بذات الله: {استوى إِلَى السمآء} هذا الكلام هو كلام الله. فالمتحدث هو الله عَزَّ وَجَلَّ.أ،هـ

————

كتبه

ماجد بن محمد العريفي