قال ابو كندا

وبعد ان دحا الأرض استوى الى السماء، كما قال الله تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}

قال ابو كندا : هذا دليل قاطع في ان الارض دحيت قبل تسوية السماء وقبل ان يأمرهما الله عز وجل بالإتيان.

وحتى تدرك مفهوم هذه الايات يفضل ان ترتبها كالتالي

١- خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام

٢- يومان من هذه الستة ايام كان فيها خلق الارض

٣- دحا الارض في اربعة ايام – في غير الايام الستة التي خلق فيها السموات والارض وما بيتهما –

٤- خلق ادم -ولم ينفخ فيه الروح-

٥- استوى الى السماء وهي دخان

٦- قال للسموات وللارض ائتيا طوعا او كرها فقالتا اتينا طائعين.

٧- تسوية السماء في يومين -غير الايام الستة التي خلق فيها السموات والارض ومابينهما –

٨- نفخ الروح في ادم.

*****

وبعد ان ذكرت لكم هذا الترتيب ستعلمون الان أني سأتحدث عن تسوية السماء بعد ان ذكرت خلق ادم.

قال الله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}

قال ابو كندا هذا دليل ان الله عز وجل سوى السماء بعد دحو الارض

كما قال الله تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}

وهذا ايضا دليل على ان السماء سواها في يومين.

أما معنى قول الله عز وجل { ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ }

ذكر ابو جعفر الطبري (٣١٠) في تفسيره كلاما طويلا في اختلاف العرب في ترجمة كلمة استوى لذلك اسمحوا لي أن اختصره.

قال أبو جعفر: ” اختلفوا في تأويل قوله:”ثم استوى إلى السَّماء”.

فقال بعضهم: معنى استوى إلى السماء، أقبل عليها، كما تقول: كان فلان مقبلا على فلان، ثم استوَى عليّ يشاتمني – واستوَى إليّ يشاتمني. بمعنى: أقبل عليّ وإليّ يشاتمني.

وقال بعضهم: قوله:”ثم استوى إلى السماء” يعني به: استوت. كما قال الشاعر:

أَقُولُ لَهُ لَمَّا اسْتَوَى فِي تُرَابِهِ … عَلَى أَيِّ دِينٍ قَتَّلَ النَّاسَ مُصْعَبُ

وقال بعضهم:”ثم استوى إلى السماء”، عمدَ لها .

وقال: بل كلُّ تارك عملا كان فيه إلى آخر، فهو مستو لما عمد له، ومستوٍ إليه.

وقال بعضهم: الاستواء هو العلو، والعلوّ هو الارتفاع.

ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى العلوّ والارتفاع، في الذي استوى إلى السّماء.

فقال بعضهم: الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقُها ومنشئها.

وقال بعضهم: بل العالي عليها: الدُّخَانُ الذي جعله الله للأرض سماء .

قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاءُ شباب الرجل وقوّته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرّجُل.

ومنها استقامة ما كان فيه أوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمرُه. إذا استقام بعد أوَدٍ، ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حَكيم:

طَالَ عَلَى رَسْمِ مَهْدَدٍ أبَدُهْ … وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُه

يعني: استقام به.

ومنها: العلوّ والارتفاع، كقول القائل، استوى فلان على سريره. يعني به علوَّه عليه.

وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه:”ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن”، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات.

قال أبو جعفر: وإن قال لنا قائل أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟

قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات، كما قال جل ثناؤه:

(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) [سورة فصلت: ١١] . والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات.

أ،هـ

وقال البخاري في صحيحه قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٩]: «ارْتَفَعَ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى} [البقرة: ٢٩]: «عَلاَ» {عَلَى العَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]

قال القرطبي : وَالِاسْتِوَاءُ فِي اللُّغَةِ: الِارْتِفَاعُ وَالْعُلُوُّ عَلَى الشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:” فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ” [المؤمنون: ٢٨]، وقال” لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ” [الزخرف: ١٣]، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَأَوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ … وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى

أَيِ ارْتَفَعَ وَعَلَا، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَتِ الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي، بِمَعْنَى عَلَا.

قَالَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ. وَهَذَا كَقَوْلِكَ: كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ.أ،هـ

و<ذكر > أن رجلا أتى ابن الأعرابي أحد علماء اللغة فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: “هو كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضادا فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة:

إلا لمثلك أن من أنت سابقه … سبق الجواد إذا استولى على الأمد”

وقد سئل الخليل بن أحمد هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟

فقال: “هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها، والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله- فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل”١.

وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزا ثم ظهر، والله – سبحانه- لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى.أ،هـ < ذكر في كتاب العرش وما روي فيه لابن ابي شيبة العبسي (٢٩٧) ، ولست متأكد هل هذا من تصرف المحقق او من اصل الكتاب لذلك قلت (ذكر) >

******

كتبه

ماجد بن محمد العريفي