مسائل معنى الرب
1- قال ابن عاشور ( رب العالمين )

وصف لاسم الجلالة فإنه بعد أن أسند الحمد لاسم ذاته تعالى تنبيها على الاستحقاق الذاتي، عقب بالوصف وهو الرب ليكون الحمد متعلقا به أيضا لأن وصف المتعلق متعلق أيضا، فلذلك لم يقل الحمد لرب العالمين كما قال: (يوم يقوم الناس لرب العالمين ) ليؤذن باستحقاقه الوصفي أيضا للحمد كما استحقه بذاته.

وقد أجرى عليه أربعة أوصاف هي: رب العالمين، الرحمن، الرحيم، ملك يوم الدين، للإيذان بالاستحقاق الوصفي فإن ذكر هذه الأسماء المشعرة بالصفات يؤذن بقصد ملاحظة معانيها الأصلية، وهذا من المستفادات من الكلام بطريق الاستتباع لأنه لما كان في ذكر الوصف غنية عن ذكر الموصوف لا سيما إذا كان الوصف منزلا منزلة الاسم كأوصافه تعالى وكان في ذكر لفظ الموصوف أيضا غنية في التنبيه على استحقاق الحمد المقصود من الجملة علمنا أن المتكلم ما جمع بينهما إلا وهو يشير إلى أن كلا مدلولي الموصوف والصفة جدير بتعلق الحمد له مع ما في ذكر أوصافه المختصة به من التذكير بما يميزه عن الآلهة المزعومة عند الأمم من الأصنام والأوثان والعناصر كما سيأتي عند قوله تعالى: ملك يوم الدين.
2- قال الشعراوي

 ” فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد لله رب العالمين. . لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن {الحمد للَّهِ} تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق. . فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده. . فكأن الحمد اولا لله. . ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على ايجادنا من عدم وامدادنا من عدم. . لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس. . لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس. . ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة. . لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل. . لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم. . فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. اذن فالنعمة الاولى هي أن المعبود ابلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين”.
3- القول في تأويل قوله: {رب} .

قال أبو جعفر: 

وأما تأويل قوله (رب) ، فإن الرب في كلام العرب منصرف على معان: 

* فالسيد المطاع فيها يدعى ربا، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة: وأهلكن يوما رب كندة وابنه … ورب معد، بين خبت وعرعر 

يعني برب كندة: سيد كندة. 

ومنه قول نابغة بني ذبيان:

تخب إلى النعمان حتى تناله … فدى لك من رب طريفي وتالدي 

* والرجل المصلح للشيء يدعى ربا، ومنه قول الفرزدق بن غالب:

كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت … سلاءها في أديم غير مربوب 

يعني بذلك: في أديم غير مصلح. 

ومن ذلك قيل: إن فلانا يرب صنيعته عند فلان؛ إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها، 

ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:

فكنت امرأ أفضت إليك ربابتي … وقبلك ربتني، فضعت ربوب 

يعنى بقوله: “أفضت إليك” أي وصلت إليك ربابتي، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلحه، لما خرجت من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك علي ، فضيعوا أمري وتركوا تفقده – وهم الربوب: واحدهم رب. 

* والمالك للشيء يدعى ربه. 

* وقد يتصرف أيضا معنى “الرب” في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة.

فربنا جل ثناؤه: السيد الذي لا شبه له، ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر.
قال السمرقندي 

* والرب في اللغة: هو السيد قال الله تعالى: (ارجع إلى ربك )[يوسف: ٥٠] ، يعني إلى سيدك. 

* والرب: هو المالك يقال: رب الدار، ورب الدابة 

* والرب هو المربي من قولك: ربى يربي. 
قال الاصفهاني

* الرب – في الأصل – التربية: يقال: ربه ورباه، فسمي الرب ربا لزيادة معنى تصور منه لرحمته ، 

قال ابن عطية

* والرب في اللغة: المعبود، قال الشاعر [غاوي بن عبد العزى] :

أرب يبول الثعلبان برأسه … لقد هان من بالت عليه الثعالب

* والسيد المالك، والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها، والملك، 

ومن معنى الملك قول صفوان بن أمية لأخيه يوم حنين: «لأن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن» .

* وهذه الاستعمالات قد تتداخل، فالرب على الإطلاق الذي هو رب الأرباب على كل جهة هو الله تعالى.
قال الثعالبي

* فالرب على الإِطلاق هو ربُّ الأرباب على كل جهة، وهو اللَّه تعالى.

4- قال الثعلبي 

“ولا يقال للمخلوق: هو الرب، معرفا بالألف

واللام، وإنما يقال على الإضافة: هو رب كذا لأنه لا يملك الكل غير الله، والألف واللام تدلان على العموم”.

قال القرطبي 

” متى أدخلت الألف واللام على” رب” اختص الله تعالى به، لأنها للعهد، وإن حذفنا منه صار مشتركا بين الله وبين عباده، فيقال: الله رب العباد، وزيد رب الدار، فالله سبحانه رب الأرباب، يملك المالك والمملوك، وهو خالق ذلك ورزقه، وكل رب سواه غير خالق ولا رازق، وكل مملوك فمملك بعد أن لم يكن، ومنتزع ذلك من يده، وإنما يملك شيئا دون شي، وصفة الله تعالى مخالفة لهذه المعاني، فهذا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين “.

5- قال الزجاج قد فسرنا أنه لا يجوز في القرآن إلا (رب العالمين الرحمن الرحيم)

وإن كان المرفع والنصب جائزين ” في الكلام، ولا يتخير لكتاب

الله عز وجل إلا اللفظ الأفضل الأجزل.
6- قال القرطبي

قال بعض العلماء: إن هذا الاسم هو اسم الله الأعظم، لكثرة دعوة الداعين به، وتأمل ذلك في القرآن، كما في آخر” آل عمران” وسورة” إبراهيم” وغيرهما، ولما يشعر به هذا الوصف من الصلاة بين الرب والمربوب، مع ما يتضمنه من العطف والرحمة والافتقار في كل حال. 
كتبه 

ماجد بن محمد العريفي

الاربعاء 8-12-1438

30-8-2017