( الحمدلله رب العالمين)2والكلام على الاية من وجوه
1- الاثار الواردة في تفسير الاية:

عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد صلى الله عليهما: قل يا محمد “الحمد لله ” 

عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلّا اللّه، فما الحمد للّه؟» فقال عليٌّ:«كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه».

عن كعب، قال: من قال “الحمد لله”، فذلك ثناء على الله.

قال سفيان الثوري: «{الحمد لله} ذكر وشكر وليس شيء يكون ذكرا وشكرا غيره».

عَن أبي عبد الرَّحْمَن الجبائي قَالَ: الصَّلَاة شكر وَالصِّيَام شكر وكل خير تَفْعَلهُ لله شكر وَأفضل الشُّكْر {الْحَمد}

عن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا عطس أحدكُم فَقَالَ {الْحَمد لله} قَالَ الْملك: رب الْعَالمين فَإِذا قَالَ رب الْعَالمين قَالَ الْملك يَرْحَمك الله

عَن عَليّ ابْن أبي طَالب قَالَ: من قَالَ عِنْد كل عطسة سَمعهَا {الْحَمد لله رب الْعَالمين} على كل حَال مَا كَانَ

لم يجد وجع الضرس وَالْأُذن أبدا
2- الالف واللام في “الحمد” -ال- للاستغراق، أي استغراق جميع أجناس الحمد وثبوتها لله تعالى تعظيما وتمجيدا- كما

في الحديث: «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله» .

ولو أسقطتا منه لأصبحت” حمدا لله ” لما دل إلا على أن حمد قائل ذلك لله، دون المحامد كلها.
4- معنى الحمد ، لقد تتبعت اقوال المفسرين فلاحظت ان المفسرين لم يتفقوا على معنى واحد بل ان معنى الحمد يتغير مع تقادم المفسرون، 

فأول معنى للحمد هو الشكر ، واول من قال به الطبري.

ثم قال الزجاج ان معنى الحمد هو الشكر والثناء.

ثم قال بعضهم معنى الحمد هو الثناء الجميل

ثم قال بعض المفسرين حقيقة الحمد الثناء على المحمود، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة،

وقال بعضهم الحمد هو شكر القلب وشكر اللسان وشكر العمل.

ثم ذكر الجرجاني عن ابن عرفة نفطوية ان معنى الحمد هو الرضا بالقول، يقال: حمدت الشيء إذا رضيته، وأحمدته: إذا وجدته مرضيا.

ثم قال الزمخشري ” الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها. تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته.

ثم قال البيضاوي “الحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها”.

ثم قال المراغي ” الحمد لغة هو المدح على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره سواء أسداه إلى الحامد أو إلى غيره.”

ثم قال ابن عثيمين ” (الحمد) وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم”؛ ثم قال ” ولا بد من قيد وهو “المحبة، والتعظيم”؛ قال أهل العلم: “لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً”، 

قلت الحمد هو الثناء والشكر مع المحبة والتعظيم. 
5- الفرق بين الحمد والشكر والمدح:

 أ- الفرق بين الحمد والشكر:

اختلف العلماء في الفرق بين الحمد والشكر،

* ذكر الطبري ان الحمد هو الشكر، فقال ” ولا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب ، أن الحمد لله قد ينطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضع الحمد. لأن ذلك لو لم يكن كذلك، لما جاز أن يقال “الحمد لله شكرا”، فيخرج من قول القائل “الحمد لله” مصدر: “أشكر”، لأن الشكر لو لم يكن بمعنى الحمد، كان خطأ أن يصدر من الحمد غير معناه وغير لفظه”.
* وقال الطبري ايضا ” وقد قيل: إن قول القائل “الحمد لله”، ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: “الشكر لله”، ثناء عليه بنعمه وأياديه”.
* وأيد الثعلبي هذا القول فقال “ان الحمد: الثناء عليه بما هو به، والشكر: الثناء عليه بما هو منه”. 
* ثم قال “وقد يوضع الحمد موضع الشكر، فيقال: حمدته على معروفه عندي، كما يقال: شكرته، ولا يوضع الشكر موضع الحمد، فلا يقال: شكرته على علمه وحلمه، والحمد أعم من الشكر لذلك ذكره الله فأمر به”.
* ثم قال الثعلبي ” وقيل: الحمد باللسان قولا، قال الله: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ) ، وقال ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) 

والشكر بالأركان فعلا، قال الله تعالى ( اعملوا آل داود شكرا ) .
* وقيل: الحمد لله على النعماء الظاهرة، والشكر على النعماء الباطنة، قال الله تعالى ( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) .
* ذكر الواحدي “قال ابن الانباري : إنما اختير (الحمد) على الشكر للمبالغة والعموم، وذلك أن الشكر لا يكون إلى مكافأة لنعمة سبقت إليك وأيضا، فإنه لا يشكر أحد على ما فيه من الأوصاف الجميلة، وليس كذلك الحمد، فإنه يقع ابتداء قبل الصنيعة، ويقع على الأوصاف المحمودة فهو أبلغ وأعم وأجمع “.
* ثم ذكر الواحدي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده» 

قال احمد -اي الخطابي البستي- على اثر هذا الحديث ” الحمد نوع والشكر جنس، وكل حمد شكر، وليس كل شكر حمدا”.
* ثم قال الواحدي ” وبين الحمد والشكر فرق واضح، يظهر بالنقيض؛ لأن نقيض الشكر الكفر، ونقيض الحمد الذم “.
* قال السمرقندي ” الشكر أعم، لأنه باللسان وبالجوارح وبالقلب، والحمد يكون باللسان خاصة. كما قال اعملوا آل داود شكرا”.
* قال الجرجاني ” والحمد أعم من الشكر ، لأنك تحمد من أنعم عليك أو على غيرك، ولا تشكر إلا من أنعم عليك”.
* والزمخشري جعل الحمد شعبه من شعب الشكر فقال ” الشكر على النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:

أفادتكم النعماء منى ثلاثة … يدي ولسانى والضمير المحجبا 

والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه السلام: «الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده» -ضعيف- وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفى ويجلى كل مشتبه”.
* قال القرطبي ” وقال بعض العلماء: إن الشكر أعم من الحمد، لأنه باللسان وبالجوارح والقلب، والحمد إنما يكون باللسان خاصة.

وقيل: الحمد أعم، لأن فيه معنى الشكر ومعنى المدح، وهو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد”.
* قال الحلبي ” فالحامد قسمان: شاكر ومثن بالصفات الجميلة”.
* قال ابن كثير ” والتحقيق أن بينهما عموما وخصوصا فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه وهو أخص، لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية لا يقال: شكرته لفروسيته وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إلي. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم”.
* قال الشوكاني ” والحمد أخص من الشكر موردا وأعم منه متعلقا. فمورد الحمد اللسان فقط، ومتعلقه النعمة وغيرها. ومورد الشكراللسان والجنان والأركان، ومتعلقه النعمة. وقيل إن مورد الحمد كمورد الشكر، لأن كل ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمد بل سخرية واستهزاء. وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون موردا له بل شرطا- وفرق بين الشرط والشطر- .
كل هذه الاقوال يدور عليها المفسرون واصحاب اللغة في الفرق بين الحمد والشكر
ب- الفرق بين الحمد والمدح
كذلك اختلف العلماء في الفرق بين الحمد والمدح.
* قال الخليل في كتاب العين “مدح: المدح: نقيض الهجاء و هو حسن الثناء. والمدحة اسم المديح، وجمعه مدائح ومدح، يقال: مدحته وامتدحته.

حمد: الحمد: نقيض الذم، يقال: بلوته فأحمدته أي وجدته حميدا محمود الفعال. وحمدته على ذلك، ومنه المحمدة. 

 والتحميد: كثرة حمد الله بحسن المحامد. وأحمد الرجل: أي: فعل فعلا يحمد عليه.
* قال الثعلبي “وقال ابن الأنباري: هو مقلوب عن المدح كقوله: جبل وجلب، و: بض وضب”. قلت أخطا ابن الانباري 
* قال الزمخشري ” الحمد والمدح اخوان” قلت ليت الزمخشري وضح مايقصده بإخوين. وقد حاول ابن عاشور ان يوضح مايقصده الزمخشري ومع ذلك لم يستطع لأن الزمخشري لم يبن المعنى فلا يعلم مافي نفس الزمخشري الا الله.
* قال الاصفهاني “وأما الفرق بين الحمد و المدح : فالحمد أخص، إذ لا يستحق إلا بالفعل الاختياري، 

والمدح قد يستحق بما يكون من قبل الله تعالى، يقال: فلان ممدوح على جوده ومحمود، وممدوح على حسنه، ولا يقال محمود.

والمدح: أكثر ما يقال في الأشياء النافعة التي لم تبلغ الغاية، كالثروة والجلادة، والجود، والحمد يقال في ذلك، وفيما فوقه، فيقال: الجود محمود، والله تعالى محمود، وقل ما يقال: الله ممدوح”.
* قال البيضاوي” الحمد لله الحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، 

والمدح: هو الثناء على الجميل مطلقا. 

تقول حمدت زيدا على علمه وكرمه، ولا تقول حمدته على حسنه، بل مدحته”.
* قال الخازن ” وقيل بينهما فرق وهو أن المدح قد يكون قبل الإحسان وبعده والحمد لا يكون إلا بعد الإحسان، وقيل إن المدح قد يكون منهيا عنه، وأما الحمد فمأمور به”.
* وقال أيضا ” الحمد الثناء على الجميل من نعمة أو غيرها باللسان وحده، ونقيضه الذم، وليس مقلوب مدح، خلافا لابن الأنباري، إذ هما في التصريفات متساويان، وإذ قد يتعلق المدح بالجماد، فتمدح جوهرة ولا يقال تحمد”. 
* قال ابن كثير ” وأما المدح فهو أعم من الحمد لأنه يكون للحي وللميت وللجماد أيضا كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ويكون قبل الإحسان وبعده، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم”.
* وقال ابن عادل ” قال ابنُ الخَطِيبِ : الفَرْقُ بين الحَمْدِ والمَدْحِ من وجوه: 

أحدها: أن المَدْحَ قد يحصلُ لِلحَيِّ، ولغيرِ الحَيِّ، أَلاَ تَرَى أَنَّ من رَأَى لُؤْلُؤَةً في غايةِ الحُسْنِ، فإنه يَمْدَحُها؟ فثبتَ أنَّ المدحَ أَعمُّ من الحمدِ.

الثَّاني: أن المدحَ قد يكونُ قَبْلَ الإِحْسَانِ، وقد يكونُ بعدَه، أما الحمدُ فإنه لا يكونُ إلاَّ بعد الإحسان.

الثالث: أنَّا المدحَ قَدْ يكونُ مَنْهِياً عنه؛ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: «احْثُوا التُّرَابَ في وُجُوهُ المَدَّاحينَ» . أما الحمدُ فإنه مأمورٌ به مُطْلَقاً؛ قال – عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «مَنْ لَمْ يَحْمَدِ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ»

الرابعُ: أنَّ المدحَ عبارةٌ عنِ القولِ الدَّالُّ على كونه مُخْتَصاً بنوع من أنواع الفَضَائل.

وأمّا الحمدُ فهو القولُ الدَّالُّ على كونه مختصَّا بِفَضيلة مُعَيَّنَةٍ، وهي فضيلةُ الإنعامِ والإحسان، فثبت أنَّ المدحَ أعمُّ من الحمدِ”.
* قال الشوكاني ” الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، وبقيد الاختياري فارق المدح، فإنه يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختارا، كمدح الرجل على جماله وقوته وشجاعته”. 
* قال صاحب المنار – محمد رشيد رضا- ” قالوا: إن معنى الحمد الثناء باللسان، وقيدوه بالجميل؛ لأن كلمة ” ثناء ” تستعمل في المدح والذم جميعا، يقال: أثنى عليه شرا، كما يقال: أثنى عليه خيرا. 
* قال ابن عثيمين { الحمد} وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ ولا بد من قيد وهو “المحبة، والتعظيم”؛ قال أهل العلم: “لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً”؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً؛ تجد بعض الشعراء يقف أمام الأمراء، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفاً منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ؛ فلذلك صار لا بد من القيد في الحمد أنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، 
وكل هذه الاقوال يدور عليها المفسرون واصحاب اللغة في الفرق بين الحمد والمدح .
ج- وقالوا في الحمد والمدح والشكر
* قال السمرقندي “ويكون في الحمد معنى الشكر وفيه معنى المدح وهو أعم من الشكر، 
* قال النسفي “وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيا قادرا عالما أبديا أزليا والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملها “. 
* ذكر الحلبي ان الراغب قال الحمد اخص من المدح واعم من الشكر، فكل شكر حمد وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا”.
قلت : الحمد اعلى وارفع منزلة من الشكر والمدح . والمدح والشكر هما ركنان من اركان الحمد.
6- انكر العلماء القراءة بالنصب : 

قال الطبري ” ولو قرأ قارئ ذلك بالنصب، لكان عندي محيلا معناه، ومستحقا العقوبة على قراءته إياه كذلك، إذا تعمد قراءته كذلك، وهو عالم بخطئه وفساد تأويله”.

قال الزجاج ” فأما القرآن فلا يقرأ فيه (الحمد) إلا بالرفع، لأن السنة تتبع في القرآن، ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثقة، والرفع القراءة”.
7- اللام في ( لله )هي لام الاستحقاق، كأنه يقول: المستحق للحمد هو الله تعالى،
8- فأن قيل: لم خص الحمد بالله ولم يقل الحمد للخالق أو نحو من بقية الصفات أجيب: بأن لا يتوهم اختصاص استحقاق الحمد بوصف دون وصف، قال البيضاوي: وفيه إشعار بأنه تعالى حيّ قادر مريد عالم إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه

قال ابن عثيمين “تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية؛ وهذا إما لأن “الله” هو الاسم العَلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط “.
9- قال الطنطاوي في تفسيره ” وقد افتتحت سورة الفاتحة بهذه الجملة الكريمة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لأنه سبحانه أول كل شيء وآخر كل شيء، ولكي يعلمنا- سبحانه- أن نبدأ كتبنا وخطبنا بالحمد والثناء عليه، حتى نبدأ ونحن في صلة بالله تكشف عن النفوس أغشيتها، وتجلو عن القلوب أصداءها”.
10- قوله ( الحمدلله ) هل هي للإخبار ام للتعليم؟
قال السمعاني “وقوله: {الحمد لله} هاهنا يحتمل معنيين: الإخبار، والتعليم. أما الإخبار كأنه يخبر أن المستوجب للحمد هو الله، وأن المحامد كلها لله تعالى.

وأما التعليم كأنه حمد نفسه وعلم العباد حمده، وتقديره: ” قولوا: الحمد لله “.
* اختار الطبري انها للإخبار وللتعليم فقال : “فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله “الحمد لله”؟ أحمد الله نفسه جل ثناؤه فأثنى عليها، ثم علمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذا (إياك نعبد وإياك نستعين) وهو عز ذكره معبود لا عابد؟ أم ذلك من قيل جبريل أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاما.

قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جل ذكره حمد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهل، ثم علم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختبارا منه لهم وابتلاء، فقال لهم قولوا: (الحمد لله رب العالمين) ، وقولوا: (إياك نعبد وإياك نستعين) . فقوله (إياك نعبد) مما علمهم جل ذكره أن يقولوه ويدينوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: (الحمد لله رب العالمين) ، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.
فإن قال: وأين قوله: “قولوا”، فيكون تأويل ذلك ما ادعيت؟

قيل: قد دللنا فيما مضى أن العرب من شأنها – إذا عرفت مكان الكلمة،

ولم تشكك أن سامعها يعرف، بما أظهرت من منطقها، ما حذفت – حذف ما كفى منه الظاهر من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حذفت، قولا أو تأويل قول، كما قال الشاعر:

وأعلم أنني سأكون رمسا … إذا سار النواعج لا يسير 

فقال السائلون لمن حفرتم? … فقال المخبرون لهم: وزير 

قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميت وزير، فأسقط الميت، إذ كان قد أتى من الكلام بما دل على ذلك. وكذلك قول الآخر:

ورأيت زوجك في الوغى … متقلدا سيفا ورمحا 

وقد علم أن الرمح لا يتقلد، وإنما أراد: وحاملا رمحا، ولكن لما كان معلوما معناه، اكتفى بما قد ظهر من كلامه، عن إظهار ما حذف منه. وقد يقولون للمسافر إذا ودعوه: “مصاحبا معافى”، يحذفون “سر، واخرج”، إذ كان معلوما معناه، وإن أسقط ذكره.

فكذلك ما حذف من قول الله تعالى ذكره: (الحمد لله رب العالمين) ، لما علم بقوله جل وعز: (إياك نعبد) ما أراد بقوله: (الحمد لله رب العالمين) ،

من معنى أمره عباده، أغنت دلالة ما ظهر عليه من القول عن إبداء ما حذف.

وقد روينا الخبر الذي قدمنا ذكره مبتدأ في تأويل قول الله:(الحمد لله رب العالمين) ، عن ابن عباس، وأنه كان يقول: إن جبريل قال لمحمد: قل يا محمد: “الحمد لله رب العالمين”، وبينا أن جبريل إنما علم محمدا ما أمر بتعليمه إياه . وهذا الخبر ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل ذلك.
* قال الثعلبي ” ولفظه خبر ومعناه أمر”
* قال صاحب لطائف الاشارات -عبدالكريم القشيري- ” علم الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه، وعجزهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حمد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله: «الحمد لله» “.
* قال الواحدي ” وقال أبو بكر -اي ابن الانباري-: قوله: {الحمد لله} يحتمل أن يكون هذا إخبارا أخبر الله تعالى به، والفائدة فيه أنه يبين أن حقيقة الحمد له، وتحصيل كل الحمد له لا لغيره، وذلك أنا نرى بني الدنيا ينعم بعضهم على بعض، فيحمده على إنعامه، فيكون حقيقة الحمد في ذلك لله، إذ هو الذي أنعم على الذي أنعم بما أنعم به، ورزقه إياه، وهو الذي وفق المعطي للعطية، وأجراها على يديه، فكان حقيقة الإنعام من الله تعالى، ومكافأة المنعم عليه بالشكر والحمد راجعة إليه جل اسمه .
* قال أبو بكر: ويحتمل أن يكون هذا ثناء أثنى به على نفسه، علم عباده في أول كتابه ثناء عليه، وشكرا له، يكتسبون بقوله وتلاوته أكمل الثواب وأعظم الأجر، لطفا بهم، وحسن نظر لهم، فقال: {الحمد لله رب العالمين} أي قولوا: يا معشر الناس ما إذا قلتموه علت منزلتكم [وارتفعت درجتكم بقوله] عند ربكم، فيضمر القول هاهنا كما أضمر في قوله: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: ٣] معناه يقولون: ما نعبدهم .
* قال الاصفهاني ” إن قيل: لم لم يقل: الحمد لي؟ قيل: لأن ذلك تعليم منه لعباده، كأنه قال:

قولوا: بسم الله، الحمد لله، بدلالة قوله: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}

وقيل: إن ذلك كقول الرجل لابنه: الحمد في كذا لأبيك، فيأتي بلفظ الغائب ليكون أبلغ”.
* قال الطنطاوي في تفسيره ” ولم تفتتح السورة بصيغة الأمر بأن يقال: احمدوا الله، وإنما افتتحت بصيغة الخبر الْحَمْدُ لِلَّهِ، لأن الأمر يقتضى التكليف: والتكليف قد تنفر منه النفوس أحيانا، فأراد- سبحانه- وهو يبادئهم بشرعة جديدة وتكاليف لم يعهدوها، أن يؤنس نفوسهم، ويؤلف قلوبهم، فساق لهم الخطاب بصيغة الخبر، ترفقا بهم، حتى يديموا الإصغاء لما سيلقيه عليهم من تكاليف”.
11- اختلف العلماء أيما أفضل، قول العبد: الحمد لله رب العالمين، أو قول لا إله إلا الله؟ فقالت طائفة: قوله الحمد لله رب العالمين أفضل، لقول الرسول ﷺ ” إنَّ اللهَ تعالى اصْطفَى من الكلامِ أرْبعًا : سُبحانَ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إِلهَ إلَّا اللهُ ، واللهُ أكْبَرُ . فمَنْ قال : سُبحانَ اللهِ كُتِبَتْ لهُ عِشرُونَ حسَنةً ، وحُطَّتْ عنهُ عِشرُونَ سيِّئَةً . ومَنْ قال : اللهُ أكْبرُ ، مِثلَ ذلِكَ . ومَنْ قال : لا إِلهَ إلَّا اللهُ مِثلَ ذلِكَ ، ومَنْ قال : الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ ، من قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَتْ لهُ ثلاثُونَ حسَنةً وحُطَّ عنْهُ ثلاثُونَ خَطيئَةً”. صححه الالباني

ولأن قول “الحمدلله رب العالمين ” في ضمنه التوحيد الذي هو لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قوله لا إله إلا الله توحيد فقط. 

وقالت طائفة: لا إله إلا الله أفضل، لأنها تدفع الكفر والإشراك، وعليها يقاتل الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله). واختار هذا القول ابن عطية قال: والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له).

ورجح ابن تيمية ” كلمة لا اله الا الله اجل وافضل

ولكن الحمد قد بلغ منزلة في الذكر حتى كان يفاضل بينها وبين كلمة التوحيد”
كتبه

ماجد بن محمد العريفي

يوم الاربعاء 1-12-1438

23-8-2017