قبل ثماني عشرة سنة دخلت مكتبة العبيكان ، لأتمشى بين الكتب فلعلي اتعرف على كتاب من الكتب او مؤلف يجذبني اليه بمهارة حروفه ، كانت المكتابات بالنسبة لي هي افضل مكان للترفيه في الرياض، كنت اتمشى بين الكتب واتفرج عليها ومن ثم افتح كتاب يجذبني لصورته او عنوانه او اسم مؤلفه ثم اطلع على فهرسه فيخبرني الكتاب عن ماعنده فإن استسغت الحديث معه افتح على احد الفصول التي ذكرها في فهرسه ثم يحدثني الكتاب عن هذا الفصل فإن استهواني حديثه اخذته معي الى البيت،كنت لا احفل بمقدمة الكتاب ، لأني وجدتها مكروره ، ومتكلفة ، كعملية التجميل لدى النساء .
في تلك الفترة وجدت كتابا متلفحا بالسواد قد وضع على طاولة مصفف الكتب مكتوب عليه بالخط الذهبي خواطر وذكريات، لـ”ابراهيم محمد الحسون “، اخذت الكتاب فإذ به يحدثني بشغف عن ذكرياته ، فأخذت الكتاب من دون تردد ، فلما اردت الذهاب به قال لي المصفف لو سمحت خذ الاجزاء الباقية ، فالتفت الى الكتاب الذي معي فوجدته المجلد الثاني ، فأعطاني المجلد الاول والثالث،
تحدث اليَّ الكاتب عن ذكرياته وخواطره بحب وشوق إلى تلك الايام التى مضت وكأنه يتمنى أن تعود ، تحدث عن تاريخ مدينته عنيزة عندما كان يدرس فيها ، وتاريخ مدينة جدة عندما عمل فيها في وظيفة سكرتير قائم مقام جدة ، ثم ذكر تاريخ مدينة الخبر عندما عمل في الجمارك، ثم ذكر تاريخ ام رضمه على حدود العراق وكان مديرا للجمارك هناك، ثم انتقل الى مدينة عرعر رئيسا لماليتها وجماركها.
الكتاب فيه قصص جميلة عن ذاك الزمان وتلاحمه وبراءته، اذكر منها .
– كانت السعودية تعالج مرضى السل في لبنان فأي مريض يصاب بالسل يرسلونه اليها ليتعالج.
– كانت المستشفيات في لبنان يقوم عليها الجمعيات المسيحية ،
– ذكر “الحسون ” ان المستشفى منقسم قسمين كل قسم في عمارة مستقله تربط العمارتين حديقة كبيرة ، العمارة الاولى للرجال ، والعمارة الثانية للنساء – يامسلمون لمذا ليس هناك جمعيات تخصص لفتح المستوصفات والمستشفيات وتفرض فيها الضوابط الشرعية من تقسيم الرجال والنساء ، وعدم كشف عورات المسلمين-
– ذكر “الحسون “عندما يدخل الزوج وزوجته المستشفى يضعون الزوج في عمارة الرجال والزوجة في عمارة النساء ، – ولا يرونه تخلف- ويجعلون يوم الاثنين هو يوم التقاء الزوجان في الحديقة.
– ذكر “الحسون” تلاحم السعوديون في لبنان وحرصهم على بث الخير في لبنان، ومساعدة المسلمين هناك، وقصة الممرضة “فاطمة ” التي سمت نفسها “روز” حتى تعمل في هذا المستشفى، عندما قدر الله لها ان تصاب بالسل ، فطردها المستشفى ، ففزع الشباب السعودي لها بفكرة أن احدهم يتزوجها لتحصل على جواز سعودي ، فتعالج على حساب السعودية، فيكتب الله لها ولزوجها الشفاء ، وتعود مع زوجها الى الباحة ، وتبدأ في مساعدة الناس هناك وقد سمها الناس الدكتورة .
– ذكر الحسون انه رأى رجلا يتكلم بلسان بليغ وهيئته رثة في مقهى يرتاده السعوديون في لبنان، فسأل عنه فقالوا انه عبدالله القصيمي ، فغضب “الحسون “غضب التوجد والحزن على حاله، فقد كان معجبا بكتاباته ، فذهب الى السعوديين الذين في المقهى و جمع “للقصيمي ” مبلغ ليصلح حاله فيه من باب النخوة والجمالة، فيقول لما جمعت ماتبرع به السعوديون في ذاك المقهى ، ذهبت ابحث عن “عبدالله القصيمي”، فلما ركبت التاكسي اذ به يوقف التاكسي ويركب معي في التاكسي نفسه ، وكان معنا ايضا رجل احد ابناء حمّانا احد الرهبان المسيحيين ، كنت انتظر هذا الرجل ينزل لأفاتح “القصيمي “واعطيه المال، اذ “بعبدالله القصيمي ” يقول لي مارأيك بهذه الاشجار والانهار والجبال الخضراء، فقلت جميلة ، قال اليست جنة قلت نعم جنة، قال اذا هذه الجنة وليس هناك في الاخرة جنة، فقلت له استغفر ربك يافلان كيف تقول ذلك ، قال كيف تعبد من هو محتاج اليك فيقول ” منذ الذي يقرض الله قرضا حسنا” عند اذ تدخل الراهب المسيحي فقال ياشيخ اتق الله ان ماتقوله هو كفر لايليق بك ان تنطق به
فيقول الحسون عندها سكت ولم افتح معه الموضوع وارجعت لسعوديين مالهم بعد ان ذكرت لهم القصة .
هذا ما اذكره فالعهد به بعيد
كتبه ماجد بن محمد العريفي
8-4-2017
لندن