كتاب “التاريخ الاوسط “وقيل هو نفسه كتاب “التاريخ الصغير ” ألفه محمد بن اسماعيل البخاري المولود عام 194هـاي قبل أن يتولى المأمون الحكم بأربع سنوات وهذا يعني أن البخاري نشأ في زمن فتنة خلق القرآن ،
هذه المعلومة استوقفتني كثيرا!!!!
جعلتني ابحث عن العلماء الكبار الذين عاشوا في زمن هذه الفتنة ، امثال محمد بن سعد- صاحب الطبقات- ، ويحي بن معين المحدث ، وعلي بن المديني واسحاق بن راهويه -وهما شيخا البخاري ومسلم -، وامام اهل السنة والجماعة احمد بن حنبل، والدارمي -صاحب السنن، وهو شيخ مسلم وابي دواد والترمذي- ومؤلفنا البخاري.
متسائلا كيف تصرفوا في زمن هذه الفتنة؟ فلما بدأت البحث وتسجيل الاعمار والتواريخ والمواقف وجدت أن الامر صعب علي، فهذا البحث يحتاج الى وقت وجهد بدني وذهن صافي، وللأسف ذهني مشتت بالتجارة ومطالبة الناس بتسديد الاجار، وجهدي ما ترك لي العمل منه الا اليسير، وليس لدي وقت الا الجمعة والسبت وقد خصصتهما للعائلة وسماع دروس ابن عثيمين والراجحي وخالد السبت،
عدلت عن البحث واقتصرت على البخاري مؤلف كتاب “التاريخ الاوسط” أو الصغير
فوجدت اثناء تصفحي لحياة البخاري أنه يقول :
نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أحدا أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لأستجهل من لا يكفرهم.
وقال : القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو (كافر) .
والمأمون والمعتصم والواثق يقولون بخلق القران ويدعون له ويمتحنون العلماء فيه ويدرسون الاطفال به.
دعنا نقول أن الفتنة بدأت قبل وفاة المأمون بسنة تقريبا أي عام 217هـ وهذا يعني أن عمر البخاري 23 سنة، وعندما انتهت فتنة خلق القران في عام 232هـ اي بعد خمس عشرة سنة، كان عمر البخاري حينها 38 سنة.
من عمر 23سنة الى 38 سنة هذه المرحلة كما تعلمون هي مرحلة الشباب والقوة والفتوة، هذه المرحلة العمرية في زماننا الان يسهل جرها للتطرف مع الدين او ضده.
توقعت أن اجد له كلاما في الخروج على المأمون او المعتصم او الواثق والتحريض عليهم ولكني لم أجد، ظننت اني سأجد له شتما لهم وسبا ولكني لم أجد الا قوله : ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها.
فأطلت النظر والتصفح في حياته لعلي أجد له دعاء عليهم او لهم
ولكني لم اجد شيئا.
إذا ماذا كان يعمل البخاري ؟؟؟!!!
خمسة عشر خريفا من حياة البخاري في زمن الفتنة حولها الى خمسة عشر ربيعا في عنفوان شبابه، بنا فيها أمة ومجدا وذكرا، فمن أخلص العمل لله واتبع سنة رسوله ﷺ وأخنع عاطفته لقال الله وقال رسوله، سيربي اجيالا من العلماء الموحدين ويؤسس دولا على التوحيد من دون صراخ ولا عويل ولا دماء،
قال البخاري لأحد تلامذته: رأيت أحمد بن حنبل، وما ناله في هذه المسألة، وجعلت على نفسي أن لا أتكلم فيها.
آثر السكوت وأشغل وقته وفكره وبذل طاقة جهده في تأليف ”
الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ” الشهير باسم “صحيح البخاري”
أخرج لنا في هذه الفترة اصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل.
تلقاه علماء الأمة بالقبول واجمعوا على صحته وفضله.
قال أبو جعفر العقيلي المتوفي 322هـ “لمّا ألّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحّة إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة” هدي الساري لابن حجر .
توفي يحي بن معين سنة 233هـ قبل وفاة علي بن المديني واحمد بن حنبل، ومدة تأليف البخاري لكتابه الصحيح ستة عشر سنة، ويعني هذا ان البخاري بدأ في تأليف صحيح البخاري تقريبا في عام 217هـ ، أي في بداية الفتنة تقريبا.
أسألكم ياسادة ياكرام سؤال افتراضي -مع أني لا أحب الأسئلة الافتراضية-، لو انشغل البخاري في هذا الفتنة او جره إليها أحد الناس مستغلا عنفوان شبابه وقوة حفظه، في الصراخ والتحريض والمز والهمز والتصدر في الرد، هل سيخرج لنا مثل هذا الكتاب في صحة احاديثه وفقه في تبويبه مما يدل على صفاء الذهن وسعة الوقت؟؟؟!!! اترك الاجابة لكم.
حاول بعض الناس جر البخاري الى هذه الفتنة وفروعها، ولكنه استطاع بفضل الله ان يخرج منها،
قال الذهبي في سيره: فلما حضر الناس مجلس البخاري، قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في اللفظ بالقرآن، مخلوق هو أم غير مخلوق؟
فأعرض عنه البخاري ولم يجبه.
فقال الرجل: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال:
القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة.
فشغب الرجل، وشغب الناس، وتفرقوا عنه.
وقعد البخاري في منزله . أ.هـ
قال لي أحد المهتمين بالتاريخ عندما سألته كيف تصرف العلماء زمن الفتن؟ فقال لي : تتبعت العلماء في الفتن فوجدت أن الله عز وجل يقيض للفتنة أحد العلماء يقف أمامها ويصارعها ويرد عليها ويثبته حتى تنجلي الفتنة رحمة بالناس والعلماء، فلذلك تجد لكل فتنه عالم يختاره الله من بين العلماء في ذلك الوقت ليرد عليها ويتصدر لها ويشتهر بين العلماء بإخماد الفتنة.
نعود الى كتاب ” التاريخ الأوسط ” أو ” التاريخ الصغير” .
صنف البخاري كتاب ” التاريخ” وعمره ثماني عشرة سنة بالمدينة المنورة ، ولا ادري ما المقصود بكتاب التاريخ هل هو ” التاريخ الكبير” ام “التاريخ الأوسط ” أم “التاريخ الصغير”
الحاصل أنه قال في مقدمة كتاب “التاريخ الاوسط” : “كتاب مختصر من تاريخ النبي ﷺ والمهاجرين والأنصار وطبقات التابعين لهم بإحسان ومن بعدهم ووفاتهم وبعض نسبهم وكناهم ومن يرغب في حديثه”.
وعندما قرأت الكتاب لم افهم طريقته في التأليف، فشق علي ذلك واتهمت عقلي وخلفيتي الثقافية التي لم تسعفني لقراءته، فصرفت النظر عن قراءته وتركته مدة طويلة ثم رجعت اليه وانهيت قراءته بنفس واحد اريد الخلاص منه.
فلما قرأت في صفحات حياة المؤلف وجدته يقول : لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت (التاريخ) ، ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات .
وقال أيضا : أخذ إسحاق بن راهويه كتاب (التاريخ) الذي صنفت، فأدخله على عبد الله بن طاهر، فقال: أيها الأمير، ألا أريك سحرا؟ قال: فنظر فيه عبد الله، فتعجب منه، وقال: لست أفهم تصنيفه .
فقلت لـ(نفسي) اسحاق بن راهويه واساتذة البخاري لم يعرفوا تصنيف الكتاب ولم يفهموا كيف صنفه!!!! وتريدين انتي على قلة علمك وانشغالك عنه أن تفهمي جزء منه، يكفي أنكي قرأتيه ولو لم تفهميه.
الحاصل الكتاب لا ينفع الا للمحدثين خاصة مثل سعد الحميد والعلوان والعصيمي والطريفي، فإن لم تكن مثلهم فلا يحتاج ان تقرأه .
والسلام
كتبه ماجد بن محمد العريفي
يوم السبت 18-3-2017