باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩]
فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ.
٣١ – عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: “إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ”. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: “إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ”.
**************
١- ومقصوده بذلك أن مرتكب المعصية لا يكفر، ولا يخرج بذلك عن اسم الإيمان والإسلام، وهذا مذهب أهل السنة.
٢- فإن قُلْتَ: إنما سمي في الآية مؤمنًا، وفي الحديث مسلمًا حال الالتقاء لا في حال القتال وبعده، قُلْتُ: الدلالة من الآية ظاهرة، فإن قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} سماهما أخوين بعد القِتال، وأمر بالإصلاح بينهما؛ ولأنهما عاصيان قبل القِتال، وهو من حين سعيا إليه وقصداه. والحديث محمول عَلَى معنى الآية.
وحديث عُبَادة بن الصَّامت صريح في الدلالة، وهو قوله – صلى الله عليه وسلم -: “وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ” والأحاديث بنحو هذا كثيرة (صريحة) صحيحة معروفة مع آيات من القرآن العزيز.
٣- وأما الآية الثانية فهي عمدة أصحابنا وغيرهم من العلماء في قتال أهل البغي. وسيأتي بسط الكلام في ذَلِكَ في بابه، حيث ذكره البخاري، إن شاء الله تعالى.
٤- الطائفة: القطعة من الشيء. قاله أهل اللغة . والمراد بالطائفتين في الآية: الفرقتان من المسلمين. وقد تطلق الطائفة عَلَى الواحد، هذا قول الجمهور من أهل اللغة وغيرهم.
٥- أخرجه أيضًا البخاري في الفتن، عن الحسن قَالَ؟ خَرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تُريد؟ قُلْتُ: أريد نصرة ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. يعني: عليًّا وهذا بيان للمبهم في الرواية السالفة، ثمَّ ساق الحديث. قَالَ حمَّاد بن زيد: فَذكرتُ هذا الحديث لأيوب، وُيونس بن عبيد، وأنا أريد أن يُحدثاني به، فقالا: إنَّما روى هذا الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة.
قَالَ البخاري: ونا سليمان، نا حماد بن زيد، فساقهُ وفيه: فقلتُ، أو قِيل: يا رسول الله، هذا القاتل. والباقي مثلهُ .
٦- الرجل المبهم في هذِه الرواية هو علي بن أبي طالب كما أسلفناه في الرواية الأخرى.
٧- قوله: (“إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ”) وفي الرواية الأخرى: “إِذَا تواجه المسلمان”. ومعنى تواجه: ضرب كل منهما صاحبه أي: ذاته وجملته.
٨- معنى قوله – صلى الله عليه وسلم -: (“فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ”) أنهما يستحقانها، وأمرهما إلى الله تعالى، كما هو مصرح به في حديث عبادة، “فإن شاء عفي عنهما، وإن شاء عاقبهما” ثمَّ أخرجهما من النار فأدخلهما الجنة، كما ثبت في حديث أبي سعيد وغيره في العصاة الذين يخرجون من النار فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل . ونظير هذا الحديث في المعنئ قوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} معناه: هذا جزاؤه، وليس بلازم أن يُجازى، ثمَّ هذا الحديث محمول عَلَى غير المتأول، كمن قاتل لعصبية وغيرها.
٩- اختلف العلماء في القتال في الفتنة، وقَالَ معظم الصحابة والتابعين وغيرهما: يجب نصر الحق وقِتال الباغين؛ لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وهذا هو الصحيح.
وتتأول أحاديث المنع عَلَى من لم يظهر لَهُ الحق، أو عَلَى عدم التأويل لواحد منهما، ولو كان كما قَالَ الأولون لظهر الفساد واستطالوا.
١٠- والحق الذي عليه أهل السنة الإمساك عن ما شجر بين الصحابة، وحسن الظن بهم والتأويل لهم، وأنهم مجتهدون متأولون، لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، فمنهم المخطئ في اجتهاده والمصيب. وقد رفع الله الحرج عن المجتهد المخطئ في الفروع، وضعَّف أجر المصيب. وتوقف الطبري وغيره في تعيين المحق منهم، وصرح (به الجمهور) إذ كان أفضل من كان عَلَى وجه الدنيا حينئذ.
١١- قوله – صلى الله عليه وسلم -: (“إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ”) وفي رواية أخرى: “إنه قَدْ أراد قتل صاحبه” فيه حجة للقول الصحيح الذي عليه. الجمهور: أن العزم عَلَى الذنب، والعقد عَلَى عمله معصية يأثم به وإن لم يعمله ولا تكلم به، بخلاف الهم المعفو عنه، وللمخالف أن يقول: هذا فعل أكثر من العزم، وهو المواجهة والقتال .
اختصره بتصرف ماجد بن محمد العريفي
يوم الاثنين ٣-٨-١٤٣٧هـ