باب قَوْلِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم -: “أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ”

وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعلُ القَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥].
٢٠ -عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ: “إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا”. 
**********
١- فمعنى قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} بما قصدتموه، وعزمت عليه قلوبكم، فكَسْبُ القلب عزمه ونيته، فسمي الاعتقاد فعلًا للقلب.

وأخبر تعالى أنه لا يؤاخذ عباده من الأعمال إلا بما اعتقدته

قلوبهم، فثبت أن (العقد)من صفات القلوب خلافًا للكرامية وبعض المرجئة حيث قالوا: إن الإيمان قول باللسان دون عقده بالقلب، وفي الآية دلالة للمذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن أفعال القلوب إِذَا استقرت (يؤاخذ بها)وأما قوله عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ به أَوْ تتكَلَّمْ” فمحمول عَلَى ما إِذَا لم يستقر، وذلك معفو عنه بلا شك؛ لأنه لا يمكن الانفكاك عنه بخلاف الاستقرار، وستأتي المسألة مبسوطة في موضعها إن شاء الله تعالى.
٢- وقولها: (أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ)، أي: يطيقون الدوام عليه. وقال لهم – صلى الله عليه وسلم – ذلك؛ لئلا يتجاوزوا طاقتهم فيعجزوا، وخير العمل ما دام وإن قل .
٣- وقولهم: (لسنا كهيئتك يا رسول الله)، قالوه رغبة في الزيادة في الأعمال؛ لما علموا من دأبه فيها مع كثرة ذنوبهم، وغفران ما تقدم لَهُ وما تأخر، (فعند ذَلِكَ)غضب – صلى الله عليه وسلم – إذ كان أولى منهم بالعمل؛ لعلمه بما عند الله، (وعظيم) خشيته له.(قَالَ)تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} 
٤- وفي الحديث جمل من الفوائد والقواعد:

ما قررناه من القصد في العبادة وملازمة ما يمكن الدوام عليه والرفق بالأمة، فالدين يسر.
٥- أن الصالح ينبغي لَهُ أن لا يترك (جده) في العمل؛ (اعتمادًا) على صلاحه.
٦- لَهُ الإخبار بحاله إِذَا دعت إليه حاجة وينبغي أن يحرص عَلَى كتمانها؛ خوف زوالها من (إشاعتها).
٧- الغضب عند ردِّ أمر الشرع ونفوذ الحكم في حال غضبه.
٨- بيان ما كانت عليه الصحابة من الرغبة التامة في الطاعة والزيادة في الخيرات.
اختصره ماجد بن محمد العريفي

يوم الاربعاء ٢٧-٧-١٤٣٧هـ