سورة النبأ الاية 6
(أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (٦)
شرع الله عز وجل بذكر الأدلة على البعث والنشور والحساب والجزاء بذكر ادلة متفق عليها سلفا ، وهذه الأدلة هي من بدائع وعجائب خلق الله عزوجل ، فالقادر على ابداع هذا الكون من خَلْقِ ارضه وجباله وبشره وليله ونهاره وسماءه وسحابه ألا يستطيع ان يبعثكم بعد الموت !!!

{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا}

أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم مستقرة مهيأة لمصالحهم من الحرث والمساكن وغيرها من المصالح ،
قال ابن فارس : (مهد) الميم والهاء والدال كلمة تدل على توطئة وتسهيل للشيء .
قال ابن منظور :والمهد: مهد الصبي. ومهد الصبي: موضعه الذي يهيأ له ويوطأ لينام فيه. وفي التنزيل( من كان في المهد صبيا)

في هذه الاية قال الله عزوجل {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا} وفي سورة البقرة قال عزوجل ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ) وفي سورة نوح قال تعالى ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا )

لماذا هذه الاية اتت بضمير الجمع وهو للتعظيم ( نجعل ) بينما الايتين الأخريين اتت بالمفرد ( جعل ) ؟
لماذا قال الله عزوجل في هذه الاية (مهادا) وفي الايتين الاخريين ( فراشا) و (بساطا) ؟

قال الله عزوجل في هذه السورة (الم نجعل ) ولم يقل (جعل ) وقال ( مهادا ) ولم يقل ( فراشا) او (بساطا ) دليل على أن الخطاب في سورة النبأ فيه استعلاء وقوه وغلظة على المستهزئين وتحقيرا لهم ، لذلك ناسب أن يأتي بكلمة ( نجعل ) ضمير جمع للتعظيم ، وكلمة ( مهادا ) التي تشير الى مهد الصبي .
بينما الاية التي في سورة البقرة كانت في سياق الامر والتعريف والتذكير (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ () الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) تأمل في اية سورة البقرة لاتجد فيها قوة في الخطاب ( ياايها الناس ) فلذلك أتى بمفرد (جعل ) وأتى بكلمة ( فراشا ) مع أن معنى ( مهادا ) هو ( فراشا ) ولكن ( مهاد ) تستعمل للصبي .
ووكذلك الاية التي في سورة نوح ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ) فلو تقرأ سورة نوح كاملة ستجد نوح يخاطب قومه برقة مثل ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا () يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) وايضا قوله ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) كلها خطابات حانية من نوح لقومة فلذلك ناسب ان يأتي بكلمة ( بساطا ) في قوله ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا )
وهل هو اشارة الى تحقير المستهزئين والمكذبين بأنهم كالاطفال لايقومون بأنفسهم فهم محتاجون الى من يطعمهم ومن يسقيهم ومن يعلمهم فهم لايدرون بما يتكلمون ومع ذلك يُكذبون ويستهزؤون ؟
أظن ذلك ، خاصة أن سورة النبأ هي من أواخر السور المكية وكما تعلمون أن أكثر السور المكية كانت تتحدث عن البعث والنشور والحساب والجزاء ولكن لما زاد طغيان الكافرين بالكذب والاستهزاء ناسب ان تنزل عليهم سورة بخطاب فيه قوة واستعلاء وتهديد للمستهزئين وتحقيرا لهم مع ذكر الدليل ، مما يرفع معنوية المسلمين ويزيد ذلة المستهزئين

وقد يقول قائل بل هو اشارة الى امتنان الله عزوجل عليهم ورحمته بهم فهم كالأطفال في المهد لاحول لهم ولاقوة إلا بالله فهو يرزقهم ويربيهم ،
اقول نعم قد يكون المعنى ذلك وقد يحتمل المعنيين وقد يحتمل معنى أخر لم يفتحه الله علي ،
أتمنى من أهل اللغة ان يفيدونا في ذلك .
سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد اللهم اغفر لي .

كتبه ماجد العريفي