عندما أخبر الرسول ﷺ كفار قريش بأنهم سيبعثون بعد الموت ومن ثَم سيحاسبون على اعمالهم يوم القيامة ، وذكر لهم ايات الله في ذلك
كان هذا الخبر هو حديث الساعة في ذاك الوقت، حديث المجالس العامة والمجالس الخاصة وحديث الشخص بينه وبين نفسه ، هل سنبعث بعد الموت هل سنحيا بعد الموت ، وإذا كنا سنبعث هل سأقابل ابائي واجدادي بعد الموت ، اختلفت الاسئلة واختلفت الاجابات ، فمنهم المكذب ومنهم المشكك ومنهم المصدق .
وكأن احدهم يقول : أنت مصدق هالخرابيط والخزعبلات ،
والثاني يقول : ياخبل قد شفت احد حيا بعد مامات .
والثالث يتفلسف ويقول : خذها بالعقل اذهب واحفر اي قبر ستجد جسم الانسان متحلل بالله عليك كيف سيرجع ويحيا مرة ثانية .
والرابع يقول لم نعهد على محمدالكذب فلماذا يقول ذلك لابد انه صادق.
في هذا الجو العام أنزل الله عز وجل الاجابة الشافية ، التي تخاطب كل منهم على حِده ، فقال سبحانه وتعالى
(( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ))
أي عن اي شي يتساءلون ويستفسرون ، عن البعث والحساب بعد الممات هذا هو النقاش! وهذا هو الاختلاف!
بداية الخطاب بـ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ) بداية فيها ابداع وجمال وبلاغة ، فهي جملة واحدة واستفهام واحد يصلح ان يكون بداية للرد على كل الاستفهامات في ذاك الزمان الى هذا الزمان .
-فمقصدك لمن تهدده بالسجن ( تعرف السجن؟ ) يختلف عن مقصدك بـ ( تعرف السجن ؟ ) لمن ترحمه وتخاف عليه السجن وتحذره من طريق السوء – .
فكل قارئ لهذه الاية سيفهم مقصدها على حسب حاله ، فإن كان مستهزئ او منكر سيعلم انه
استفهام فيه تهديد ووعيد، وإن كان مشكك ولا يعرف الحقيقة سيفهم ان هذا السؤال طرح ليجيب على تساؤلاته ،
خصوصا أن هذا السؤال لم يوجه مباشرة الى قريش وأهلها ، فلم يقل عم تتساءلون -بـ ( ت)
وإنما قال ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ) بـ(ي) وهذا الخطاب فيه استعلاء وفوقيه يدل على علو الله عز وجل فهو الملك الجبار القادر على كل شيء ،
يبطش بالمنكرين والمستهزئين ويعلمُ ويربي المؤمنين ويثبتهم .
والخطاب اتى بصيغة الاستعلاء والفوقية ايضا لأن القضية في وقتهم مختلف فيها ، وهي حديث المجالس بينهم ، فتحتاج الى الفصل فيها بإظهار الحق لمن ، ولا يتأتى ذلك الا من حاكم عادل عالم قادر على اظهار الحق – وهذا يدل على علو من يحكم بينهم – سبحانك تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه مختلفون ،اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .